سعي روسي صيني لإضعاف هيمنة الدولار باستغلال أزمة الغاز

09 سبتمبر 2022
قرر البلدان تحويل مدفوعات إمدادات الغاز لبكين إلى اليوان والروبل بدل الدولار (فرانس برس)
+ الخط -

في سياق مسعى واضح للحد من هيمنة الدولار في سوق العملات وحركة التجارة، وبالتالي تحجيم النفوذ الأميركي الاقتصادي العالمي، أضافت روسيا والصين خطوة جديدة نحو إزالة العملة الخضراء من مدفوعات التجارة البينية محاولتين تخفيف أثر تقلبات الدولار على اقتصاديهما.

فهذا الأسبوع، قالت شركة "غازبروم" الروسية إنها وقعت اتفاقا لبدء تحويل مدفوعات إمدادات الغاز لبكين إلى اليوان والروبل بدل الدولار. وهذا التحول جزء من دفعة من جانب روسيا لتقليل اعتمادها على الدولار واليورو والعملات الصعبة الأخرى في نظامها المصرفي والتجارة، وهو دافع سرّعته موسكو منذ أن تعرضت للعقوبات الغربية ردا على الحرب في أوكرانيا.

والصين هي شريك تجاري رئيس مع روسيا، ولديهما علاقات اقتصادية وثيقة، بل إن بكين أصبحت المنقذ لروسيا لتصريف صادرات موسكو للطاقة الأحفورية. وقد سهلت الصين وروسيا تداول زوج العملات في أسواقهما منذ سنوات، عندما كانت كلتاهما تسعى لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي.

وبدأت بورصة Micex في موسكو تداول اليوان مقابل الروبل في عام 2010، وهو نفس العام الذي سمحت فيه الصين للعملتين بالتداول في الداخل. وانخفضت حصة الدولار في الصادرات الروسية إلى الصين إلى حوالي 40% الآن من ما يقرب من 100% في عام 2013.

وبينما لا تتوفر معلومات دقيقة عن حصة الدولار واليورو في مدفوعات التجارة الروسية، إلا أن خبراء في بلومبيرغ يقدرون النسبة بـ80%.

من الناحية النظرية، قرار البلدين مفيد لاقتصاديهما، ويسهل الحسابات ويصبح مثالا للشركات الأخرى، ويعطي دفعة إضافية لإزالة الدولار من مدفوعات التجارة والحسابات الجارية ككل.

وتأتي هذه الخطوة بعد أن أجبر الرئيس فلاديمير بوتين، في وقت سابق من هذا العام، العملاء الأوروبيين على فتح حسابات بنكية بالروبل لدى Gazprombank والدفع بالعملة الروسية إذا أرادوا الاستمرار في تلقي الغاز الروسي.

القرار المشترك سيحافظ على وفرة النقد الأجنبي -بالتحديد الدولار- في الدورة الاقتصادية لكلا البلدين، وسيقلل من تخارجهما على شكل مدفوعات ولكن ضمن سقوف معينة.

وبحسب بيانات منظمة التجارية العالمية، يشكل الدولار نحو 85% من مدفوعات التجارة حول العالم، بينما النسبة المتبقية تتوزع على باقي العملات، وهي نسبة تظهر حجم قوة الدولار كعملة تجارة رئيسة.

إلا أن تذبذبات سعر صرف الدولار قد تكون تحت السيطرة، ومقبولة لدى أطراف التجارة العالمية، أكثر من التذبذبات التي تشهدها العملتان الروسية والصينية.

ولا يزال الروبل الروسي "القوي" عرضة لتذبذبات ومحاولات من البنك المركزي الروسي لإضعافه، بعد أن ارتفع بقوة أمام الدولار إلى قمة تزيد عن ثلاثة أعوام، خلال وقت سابق من يونيو/حزيران الماضي، عند قرابة 55 أمام دولار.

في الأسبوع الأول من مارس/آذار الماضي، تراجع سعر صرف الروبل إلى 150 أمام الدولار، قبل أن يرتد صعودا بفعل إجراءات قادها البنك المركزي الروسي، مقارنة مع 76 روبلا عشية الحرب.

اليوان، هو الآخر، يشهد تذبذبات لكن أقل من العملة الروسية، وهي إشارة إلى أن مدفوعات التجارة قد تجرى على أسس أسعار صرف ثابتة طيلة فترة الاتفاقية بين البلدين، حتى لا يقع البلدان عرضة لتذبذبات أسعار الصرف.

في مارس/آذار 2018، قال البنك المركزي الروسي إن 14% من احتياطياته الأجنبية مقومة بعملة اليوان الصيني؛ لكن حتى منتصف 2019، خسر اليوان 6.4% من قيمته، بسبب الحرب التجارية مع واشنطن.

بينما في 2020، تراجعت احتياطيات البنك المركزي الروسي المقومة باليوان إلى 12% من إجمالي الأصول الاحتياطية، وهو مثال حي على آثار تذبذبات العملة.

وبنهاية 2020، بلغت نسبة الاحتياطيات العالمية المقومة باليوان لدى صندوق النقد الدولي 2.25%، مقارنة مع 56% لعملة الدولار، إذ لم يساعد الحجم الهائل للاقتصاد الصيني في زيادة الصورة العالمية لعملته الوطنية.

الصين اليوم، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية، تمثل 13.5% من الصادرات العالمية و11.4% من الواردات العالمية؛ لكن اليوان يمثل 1.7% فقط من التسويات الدولية في 2021.

لكن الحاجة العالمية لروسيا، كمصدر للغاز الطبيعي والنفط الخام والفحم، يجعل من احتمالية تذبذبات النقد الأجنبي غير واردة، إلا إن تعرضت موسكو لعقوبات أميركية كتلك التي تعرضت لها إيران.

على الأرض وفي موازين القوى، فإن روسيا ليست كإيران، إذ تملك موسكو قوة عالمية تجعل الحاجة الدولية لها أمرا لا مفر منه، بسبب الطاقة.

روسيا هي ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم، وتستحوذ على 11% من الإنتاج العالمي للنفط، وأكبر منتج للغاز الطبيعي وتستحوذ على 17% من الإنتاج العالمي.

(الأناضول)