لماذا يتراجع سعر الدولار في مصر هذه الأيام، في الوقت الذي كانت فيه تقارير صادرة عن مؤسسات مالية واستثمارية محلية ودولية عدة تشير إلى استمرار ارتفاع العملة الأميركية مقابل الجنيه المصري، خاصة مع استمرار الفجوة التمويلية في البلاد، وزيادة عجز الموازنة العامة للدولة رغم زيادة الأسعار والضرائب وتقليص الدعم المقدم للسلع الرئيسية، وعدم حدوث تطوّر ملموس في إيرادات البلاد من النقد الأجنبي، خاصة من قطاعات رئيسية مثل الاستثمار المباشر والسياحة والصادرات وقناة السويس.
وإذا كان الدولار قد فقد نحو 70 قرشاً من قيمته مقابل الجنيه خلال أيام قليلة، فهل سيواصل تراجعه في الفترة المقبلة ليصل إلى ما بين 12 إلى 13 جنيها، وربما أقل، كما تبشر وسائل إعلام محلية؟، أم أن هذا التراجع مؤقتاً، وبالتالي سيعاود الدولار ارتفاعه مرة أخرى؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، تعالوا نرصد أولاً الأسباب التي أدت إلى حدوث التراجع في سعر الدولار، وبعدها نطرح سؤالا أخر هو: هل سيواصل الدولار تراجعه في الفترة المقبلة، وبالتالي يستعيد الجنيه المصري عافيته أو حتى نسبة مما فقدها خاصة عقب تعويمه بداية شهر نوفمبر الماضي؟
أول الأسباب التي أدت لتراجع الدولار اقتراض مصر، قبل أيام، 4 مليارات دولار من الأسواق الدولية، عبر طرح سندات بأسعار فائدة عالية، وهو ما أدى إلى حدوث ارتفاع ملحوظ في الاحتياطي من النقد الأجنبي الذي تجاوز 26.3 مليار دولار، نهاية شهر يناير الماضي، بزيادة 2.1 مليار دولار عن أرقام شهر ديسمبر 2016.
وبالطبع، فإن زيادة الاحتياطي الأجنبي، حتى وإن كان قد تم من خلال قروض خارجية وليس من موارد ذاتية، ينعكس إيجابا على سوق الصرف المحلي.
أيضا لعبت زيادة تحويلات العاملين في الخارج وارتفاع استثمارات الأجانب في أدوات الدين والبورصة المصرية دوراً في توفير سيولة دولارية للبنوك مكّنتها من تلبية جزء من احتياجات مستوردي السلع الرئيسية كالأغذية والسلع الوسيطة والمواد الخام.
وحسب الأرقام الرسمية، فإن تحويلات المغتربين زادت بنسبة 11.8% في الربع الأخير من العام الماضي 2016 لتصل قيمتها إلى 4.6 مليارات دولار مقابل 4.1 مليارات دولار في الفترة المناظرة لعام 2015، كما زادت استثمارات الأجانب في أذون الخزانة إلى 11.8 مليار جنيه " ما يعادل 655 مليون دولار"، في شهر يناير 2017 مقابل 6.8 مليار جنيه في نوفمبر و2.4 مليار جنيه في ديسمبر الماضيين.
أيضا لعب التضييق الحكومي الشديد على عمليات الاستيراد عبر زيادة الجمارك وعدم تدبير البنوك تمويلا لفتح اعتمادات مستندية لمئات السلع الكمالية والاستهلاكية وغيرها دورا في تقليل الطلب على الدولار، وحسب الأرقام، فقد تراجعت الواردات بقيمة 7 مليارات دولار في العام الماضي 2016، وهو ما يعادل نحو 10% من قيمة الواردات الكلية.
ومن بين الأسباب التي ساهمت في تراجع سعر الدولار تثبيت سعر الدولار الجمركي، وحلول موسم الأعياد الصينية التي تتراجع خلالها عمليات الاستيراد من الصين، الشريك الرئيسي للتجارة الخارجية لمصر.
أضف إلى ذلك الحرب النفسية التي تقودها وسائل إعلام محلية بهدف إثارة فزع حائزي الدولار ودفعهم نحو التخلص مما في حوزتهم من نقد أجنبي والتنازل عنه للبنوك، وهو ما يحقق هدف الحكومة الرامي لخفض أسعار السلع داخل الأسواق من خلال دفع قيمة العملة الأميركية للتراجع.
كل هذه العوامل وغيرها لعبت دورا في تقليل الطلب على الدولار، ومن هنا تراجع سعره خلال الفترة المقبلة، لكن السؤال: هل سيواصل الدولار تراجعه في الفترة المقبلة؟
الإجابة عن هذا السؤال تتوقف على عوامل عدة منها، مدى التحسن في موارد البلاد من النقد الأجنبي، ومدى استمرار الحكومة في سياسة التضييق على عملية الاستيراد، وحجم الأموال التي سيتم سحبها من الاحتياطي سواء لأغراض سداد الديون الخارجية المستحقة على الدولة أو لتمويل الواردات أو المشروعات الجديدة وفي مقدمتها تجديد شبكات الكهرباء واستخراج الغاز من حقل ظهر.