سحب كثيفة في سماء اقتصاد المنطقة

26 اغسطس 2024
ينتظرون إعادة جدولة رحلاتهم في مطار بن غوريون، تل أبيب، 14 إبريل 2024 (نير كيدار/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تحديات اقتصادية متزايدة:** تواجه دول الشرق الأوسط تراجعاً في المؤشرات الاقتصادية وإيرادات النقد الأجنبي بسبب الأحداث الجيوسياسية، مما يضعف قطاعات حيوية مثل السياحة والاستثمارات الأجنبية.

- **تصاعد المخاطر الجيوسياسية:** تتعمق الصراعات المسلحة في المنطقة، مثل الحرب في غزة والتوترات بين حزب الله وإسرائيل، مما يزيد من احتمالية اندلاع حرب إقليمية واضطرابات في الممرات المائية الحيوية.

- **تأثيرات عالمية ومحلية:** تواجه المنطقة تأثيرات مثل خفض الفائدة الأميركية، مما يعقد الأوضاع الاقتصادية. قد تلجأ الحكومات إلى زيادة الضرائب وخفض الدعم، مما يزيد من معاناة المواطنين.

نظرة إلى الأحداث المشتعلة من حولنا تستطيع أن تصل بها إلى نتيجة منطقية وسريعة هي أن هناك سحبا كثيفة في سماء اقتصاد المنطقة، وأن دول منطقة الشرق الأوسط باتت على موعد مع أيام ثقال وفترات صعبة ومخاطر صدامية وغير متوقعة على كل المستويات السياسية والاقتصادية وربما الاجتماعية، وأن حكومات تلك الدول يجب ألا تتوقع سيناريوهات متفائلة في ما يخص المؤشرات الاقتصادية والمالية وإيرادات النقد الأجنبي على الأقل حتى نهاية هذا العام، في ظل تطاير الصواريخ وصوت المدافع، وأن الرهان على تنشيط قطاعات حيوية مدرة للنقد الأجنبي يضعف يوماً بعد يوم، وأن ترقب حدوث انتعاش في أنشطة السياحة والسفر داخل دول المنطقة بات احتمالاً ضعيفاً، وأن رهان تلك الحكومات على جذب استثمارات أجنبية أو حتى الحفاظ على الاستثمارات القائمة، سواء خارجية أو حتى محلية، يضعف أيضاً يوماً بعد يوم.

ومن النتائج على اقتصاد المنطقة أيضاً أنه حتى مجرد إقناع المستثمرين المحليين والكوادر المدربة بالبقاء في المنطقة يواجه بالفشل، وأنه حتى الصادرات التقليدية من نفط وغاز ومواد خام قد تواجه بمعوقات كبيرة في الفترة المقبلة، وأن الرهان الأكبر للحكومات ربما يكون على القروض الخارجية والحصول على مزيد من المساعدات والمنح التي تضمن بقاءها، وربما تضغط تلك الحكومات والأنظمة الحاكمة أكثر على المواطن بزيادة الضرائب وأسعار السلع الرئيسية وخفض الدعم والتلويح بخفض الرواتب والأجور، أو على الأقل إبقائها عند مستوياتها رغم التضخم الجامح.

ونظرة إلى واقع مخاطر اقتصاد منطقة الشرق الأوسط المعقد، تلحظ بها أن المخاطر الجيوسياسية تتعمق يوماً بعد يوم في ظل سيطرة المدافع والطائرات المسيرة على الأجواء، فلا حرب غزة انتهت ولا مؤشر واحداً على قرب طيّ صفحتها السوداء، بل إنّ الحكومة المتطرفة في تل أبيب تسعى لمد الحرب حتى عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، وهو ما يعني زيادة المساعدات الأميركية والدعم الصهيوني لدولة الاحتلال لمساعدتها في مواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد أهالي غزة ومواصلة مسح القطاع من على خريطة اليابسة.

الحرب تمثل مزيداً من الاضطرابات في البحر الأحمر وتهديداً للممرات المائية في المنطقة وفي مقدمتها قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز

ونظرة أيضاً إلى ما جرى يوم الأحد، تجد أنّ المنطقة مقبلة وبسرعة على حرب شاملة وربما ممتدة ليس فقط داخل غزة، بل قد تتوسع لتشمل الضفة الغربية والقدس المحتلة، وجنوب لبنان واليمن وربما العراق وسورية، ويمكن أن تتحول إلى حرب إقليمية واسعة النطاق، فأمس ظهرت بوادر اشتعال حرب واسعة بين حزب الله اللبناني وإسرائيل.

فقد أطلق الحزب مئات الصواريخ على شمال دولة الاحتلال، ومن الجهة الأخرى قصفت نحو 100 طائرة إسرائيلية مقاتلة أهدافاً في جنوب لبنان ودمرت الآلاف من قاذفات الصواريخ التابعة لحزب الله وفق بيان صادر عن جيش الاحتلال، وإثر تلك التطورات الخطيرة سارعت تل أبيب وحيفا إلى فتح جميع الملاجئ وإلغاء جميع الأنشطة، كما ألغت شركات الطيران العالمية الكبرى رحلاتها إلى تل أبيب وبيروت وغيرها من العواصم والمدن في المنطقة.

وهناك توقعات بانضمام إيران إلى الحرب الدائرة في المنطقة وتوجيه ضربة مباشرة إلى إسرائيل أو عبر الحلفاء، وفي حال اندلاع تلك الحرب ستشهد أسعار النفط والغاز قفزة كبيرة، وهو ما يمثل عبئاً شديداً على موازنات ومواطني بلدان الشرق الأوسط المستوردة للوقود ومنها مصر ولبنان وتونس والأردن والمغرب واليمن والسودان وسورية وغيرها.

كما أن تلك الحرب تمثل مزيداً من الاضطرابات في البحر الأحمر وتهديداً للممرات المائية في المنطقة وفي مقدمتها قناة السويس وباب المندب ومضيق هرمز، علماً بأن خسائر اقتصاد مصر من إيرادات قناة السويس تقدر بنحو 3.5 مليارات دولار وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، وأن الحمولة المارة تراجعت بنسبة 70% على أساس سنوي.

المنطقة مقبلة وبسرعة على حرب شاملة وربما ممتدة ليس فقط داخل غزة، بل قد تتوسع لتشمل الضفة الغربية والقدس المحتلة، وجنوب لبنان واليمن وربما العراق وسورية

يضاف إلى تلك المخاطر الإقليمية مخاطر عالمية أخرى قد تشهدها الأسواق الدولية عقب خفض البنك المركزي الأميركي سعر الفائدة الشهر المقبل، والتخلي عن السياسة النقدية المشددة.

السؤال: هل الحكومات العربية لديها سيناريوهات وخطط للتعامل مع تلك المخاطر المقبلة، أم أنها تفضل الحلول السهلة كالعادة، وهي أن تضع يدها في جيب المواطن المخروم أصلاً لتسلب منه ما بقي من سيولة نقدية لا تكاد تكفي تغطية احتياجات البقاء على قيد الحياة؟

المساهمون