سجال الدعم الجزائري: دعوات لرفعه عن الشركات الأجنبية

04 ديسمبر 2021
مطالب بالتريث في رفع الدعم (رياض كرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

انتقل السجال حول الدعم في الجزائر من إلغائه أو مراجعته لكبح ارتفاع فاتورته السنوية إلى تحديد المستفيدين منه. الانتقادات النقابية تطاول رجال الأعمال، وخاصة الشركات الأجنبية التي تمتص سنوياً أموالاً ضخمة مستفيدة من أسعار المياه والوقود المدعمة وحتى الكهرباء.

وتتزايد المطالب برفع الدعم عما تستهلكه هذه الشركات من سلع وخدمات مدعمة وصبها في ميزانية المساعدات الموجهة للعلائلات المعوزة. وتزامن ارتفاع الأصوات المنادية بمراجعة العقود التي أبرمتها الجزائر مع الشركات الأجنبية الكبرى، خاصة في مجال الاستفادة من المواد المدعمة، مع إطلاق الحكومة خطة لإلغاء الدعم المباشر للأسعار، والتوجه نحو دفع إعانات مالية للأسر.

صادق البرلمان بتحفظٍ حول الجدول الزمني، ما يجعل السلطات الجزائرية في حرجٍ، بعدما عللت إلغاء الدعم بارتفاع الإنفاق العام واستحواذ جهات، لم تذكرها، عليه.

في ولاية معسكر على بعد 380 كيلومتراً غرب العاصمة الجزائرية، يقع أكبر مثال حسب المتتبعين لاستفادة المصانع الأجنبية من أموال الدعم. يتعلق الأمر بمصنع الإسمنت الأكبر في الجزائر، التابع لشركة "لافارج" الفرنسية. مصنع بات حديث العام والخاص في المنطقة، لما يستهلكه من مياه مدعمة، في وقت يعيش فيه الغرب الجزائري جفافاً غير مسبوق.

يضاف إلى ذلك تخصيص الحكومة محطة خاصة لتوليد الكهرباء للمصنع. كذا يستفيد الأخير من الإعفاءات الضريبية التي يحصل عليها الإسمنت خلال عمليات التصدير، والإعفاء من دفع الضريبة على القيمة المضافة على الصفقات الموجهة للمشاريع الحكومية.

يكشف مراد بختي، عضو وساطة الجهوية (ديوان مظالم تابع للرئيس الجزائري)، لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد التحريات التي قامت بها لجنة الوساطة، وجدنا أن المصنع تم ربطه مع محطة تحلية مياه البحر بوهران على بعد 110 كيلومترات، بتمويلٍ من شركة (سيال) الفرنسية المختصة في توزيع المياه، وهذا مخالف للتشريع الجزائري، في وقتٍ لم يكن يجد فيه سكان الغرب الجزائري قطرة ماء عذبة لشربها".

ويتابع "حسب ما توصلنا إليه، فإن المصنع كان يستهلك قرابة 2000 ليتر من المياه لإنتاج طن واحد من الإسمنت، وبعد مراجعة الفواتير، وجدنا أن المياة مدعمة بل وهناك فواتير وديون لم تسدد". ويلفت إلى أنه "قمنا برفع تقرير للسلطات العليا ورئاسة الجمهورية، ما أدى لإقالة مدير (سيال) الفرنسي بأمر من الرئيس عبد المجيد تبون".

يشرح بختي: "طالبنا في تقريرنا المرفوع للرئيس عبد المجيد تبون بضرورة رفع الدعم عن الشركات الأجنبية، التي تستفيد من أموالٍ موجهة للعائلات المعوزة والمحتاجين، وذلك من أجل إحداث عدالة اجتماعية، وتفادي الإضرار بالمواطن الذي أنهك الغلاء جيوبه".

ويعتبر أنه "كل مصنع أجنبي يستفيد من ثلاث سلع مدعمة وهي الماء والكهرباء والوقود، من دون احتساب ما يأكله عماله الأجانب من مواد غذائية مدعمة، وهي التوصيات التي أخذها الرئيس بالاعتبار".

وأقر رئيس الحكومة الجزائري أيمن بن عبد الرحمن بأن "ما يقارب مليار دولار تذهب إلى الوسطاء، فيما تستفيد العائلات الميسورة من أقل من مليار دولار من أموال الدعم".

وفي السياق، يقول عضو الاتحاد العام للعمال الجزائريين مصطفى دواجي رابح إن "الاتحاد يدرس كيفة مراجعة سياسة الدعم بما لا يضر المواطن، وهنا لاحظنا مثلا أن الشركات الأجنبية تستهلك من المواد المدعمة بما يعادل الخمس إلى الربع من أموال الدعم".

ويشير إلى أن "شركة "سي أس سي" الصينية لديها مشاريع بناء تفوق 5 مليارات دولار، وفي المقابل، تستفيد من المياه المدعمة. مع العلم أن لديها أكثر من 40 ألف صيني يعملون هنا يستفيدون من الدعم لدى شرائهم سلعاً ومواد غذائية، وهذا ينطبق على المصانع والشركات الجزائرية الكبرى". ويضيف النقابي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المطلب الأساس اليوم رفع الدعم عما تستهلكه الشركات الأجنبية أولا، ثم دراسة تأثير الرفع على الميزانية العامة، وبعدها نتوجه لتحرير الأسعار عن الجميع".

ووفق الأرقام التي جاءت في موازنة 2022، فإن ميزانية الدعم أو ما يعرف بـ "التحويلات الاجتماعية" ستقدر بـ2220 مليار دينار، أي ما يعادل 16.4 مليار دولار (الدولار= 137 ديناراً)، ما يمثل 11 بالمائة من قيمة الناتج الداخلي الخام، مقابل 1920 مليار دينار سنة 2021، و1700 مليار دينار السنة التي قبلها.

ويرى الخبير الاقتصادي جمال نورالدين أن "ملف الدعم معقد ومتشعب، وكان على الحكومة أن تبدأ بمراجعة الأسعار التي يدفعها الأجانب قبل الحديث عن التحرير الكلي للأسعار، فلا يمكن أن يدفع الأجنبي المستثمر في الجزائر نفس سعر الوقود والمياه والكهرباء والخبز الذي يدفعه المواطن الجزائري متوسط الدخل أو الفقير".

ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "الجزائريين غير مستعدين لرفع الدعم، ولذلك، وكتجربة أولى، نقترح على الحكومة تحرير الأسعار على المواد المستهلكة من طرف مصانع الأجانب، وحتى الوطنية الكبرى، قبل تعميم التجربة".

المساهمون