شجع نجاح مسارات التفاوض السياسي الليبي في إفراز حكومة وحدة وطنية في ليبيا، عديد الدول على الإسراع في عقد اتصالات مع القادة الليبيين من أجل حجز مكان لهم في ملف إعمار ليبيا، بعد سنوات من الصراع والحروب أضرت بقطاعات واسعة، وبالبنى التحتية في البلاد.
وفي ظل هذه الظروف كشفت مصادر ليبية مقربة من وزارة الخارجية بطرابلس، النقاب عن رغبة عدد من الوفود الحكومية لزيارة العاصمة الليبية ولقاء مسؤولي الحكومة الجديدة بعد نيلها ثقة مجلس النواب.
وحسب ذات المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، فإن من بين تلك الوفود وفدين إيطالي وروسي، حيث سيبحث الأول مع الحكومة الجديدة سبل تفعيل اتفاق الصداقة الليبي الإيطالي الموقع منذ عام 2008، ويشمل الاتفاق عديد الاستثمارات في مجالات البناء والتشييد وشق طريق ساحلي من غرب ليبيا إلى شرقها.
وأكدت المصادر، التي فضّلت عدم ذكر أسمائها، أن الوفد الروسي سيعيد التفاوض حول عقود كانت أبرمتها موسكو مع ليبيا بمليارات الدولارات لتنفيذ عدة مشاريع، من بينها تنفيذ سكة حديد بقيمة 2.2 مليار دولار، في شبكة تربط الجنوب بمدينة سرت، وسط شمال البلاد، باتجاه بنغازي شرقا.
وفي أول خطاب تلفزيوني له بعد انتخابه من ملتقى الحوار السياسي، تعهد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، في السابع من فبراير/ شباط الماضي، بإعادة إعمار البلاد الغارقة في الفوضى والدمار، وبالعمل مع "الجميع" لتشكيل حكومة موحدة تطوي سنوات من الحرب والأزمات والتردي الاقتصادي.
واعتبرت أوساط كثيرة اختيار الدبيبة رئيسا للحكومة مؤشرا على ذهاب البلاد نحو الاهتمام بالجانب الاقتصادي، فهو رجل أعمال ويمتلك علاقات واسعة بالمستثمرين وكبرى الشركات الأجنبية.
ولدى الدبيبة، المدرك لأهمية العامل الاقتصادي في دفع البلاد نحو الاستقرار، عديد من العوامل للنجاح، منها أن توحد الحكومة على يديه سيتيح له الاستفادة من إيرادات النفط، التي جمدتها المؤسسة الوطنية للنفط في حسابات بنكية خارجية إلى حين توحد السلطة في البلاد.
وبالإضافة إلى روسيا وإيطاليا، سعت دول أخرى إلى تمهيد الطريق أمام حجز مكان لها في ملف الإعمار مسبقا، فقد كان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أول المهنئين للدبيبة على توليه منصبه الحكومي، داعيا إياه إلى العمل على الدفع بمسيرة الاستقرار في البلاد، وهي تصريحات يقرأها مراقبون في إطار سعي أنقره لتعزيز وجودها في ليبيا في سياقات جديدة، خصوصا وأنها تعاقدت عام 2010 مع جهاز تنمية وتطوير المراكز الإدارية، الذي كان يرأسه الدبيبة، بواقع 148 عقدا بقيمة 5 مليارات دولار ستنفذها 16 شركة تركية، من بينها عقد لإنشاء منطقة حرة في مصراتة.
وعلى الرغم من انخراط أنقرة في أتون الصراع الليبي، بدعم حكومة الوفاق عسكريا ضد قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إلا أن مقاربتها الاقتصادية في الملف الليبي كانت واضحة من خلال اقتران اتفاقها الأمني مع حكومة الوفاق باتفاق بحري على علاقة بمجالات مائية في البحر المتوسط متصلة بحقول التنقيب عن الغاز.
وتوالت الخطوات بشأن استعداد تركيا للدخول في ساحة المنافسة في ليبيا في ملف الإعمار، ففي نهاية فبراير/ شباط الماضي قالت صحيفة RFI Afrique الفرنسية أن عددا من رجال الأعمال الأتراك كثفوا من زياراتهم لمدينة مصراتة، حيث تسعى أنقرة لجني ثمار دعمها لحكومة الوفاق من خلال مشاركة شركاتها في إعادة إعمار ليبيا، في وقت أعلنت فيه مجموعة "كارانفيلال" التركية عن تأسيسها أكبر منشأة لإنتاج الخرسانة في ليبيا، مبدية طموحها في استثمار 50 مليون دولار في مشروعها.
من جانبها تسعى مصر، الدولة المجاورة لليبيا والتي كانت تدعم طرفا مقابلا لحكومة الوفاق في الصراع، للتمهيد لبناء علاقات حسنة مع طرابلس، فإثر الإعلان عن تولي الدبيبة لرئاسة الحكومة، أكد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، هاني خلاف، أن بلاده ستعمل عن كثب مع السلطة الجديدة، مشيرا إلى أن القاهرة تستعد لتلبية رغبة الدبيبة في التعاون مع الشركات المصرية لإعادة إعمار عدد من القطاعات والاستفادة من خبرات القاهرة في هذا المجال.
وفي هذا الإطار أوفدت القاهرة وفدا مصريا رفيعا زار طرابلس أكثر من مرة لبحث فتح السفارة المصرية، كما فتحت مجالها الجوي أمام الطيران الليبي، خصوصا وأن أول رحلة نفذها الدبيبة، بعد اختياره رئيسا للحكومة، خارج البلاد كانت للقاهرة.
وفي ذات الاتجاه قررت تونس قرب عودة الخطوط التونسية الجوية للعمل في ليبيا، في وقت أبدى فيه رجال أعمال تونسيون تنشيط مجلس الأعمال التونسية الليبية، والبدء في وضع خارطة طريق لمساهمة تونسية في إعادة إعمار ليبيا عبر تجهيز الأذرع المالية التي ستتولى تمويل المشاريع بعيدا عن الجهاز المصرفي المنشغل بتمويل عجز الموازنة العامة.
ووفق تصريح سابق لرئيس المجلس، عبد الحفيظ السكروفي، لــ"العربي الجديد" فإن المجلس قدّم لوزير المالية التونسي علي الكعلي مسودة لصندوق استثماري لإعادة إعمار ليبيا سيكون الذراع الرسمية لتمويل المشروعات التي سيتفق عليها لاحقاً.