زيارة بن زايد لتركيا: "مرحلة جديدة" في العلاقات الاقتصادية بعد التوترات

24 نوفمبر 2021
خلال اجتماع سابق بين أردوغان وبن نهيان (Getty)
+ الخط -

تستضيف العاصمة التركية أنقرة، مباحثات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، الذي يزور تركيا، اليوم الأربعاء، بحسب ما أعلنته وكالة الأنباء الإماراتية "وام"، وأكدها مكتب دائرة الاتصال بالرئاسة التركية.

وأشار مكتب دائرة الاتصال بالرئاسة التركية إلى أنّ زيارة بن زايد جاءت بناء على دعوة من الرئيس التركي لبحث العلاقات الثنائية و"الخطوات اللازمة لتطوير التعاون بين البلدين"، في حين أشارت الوكالة الإماراتية إلى "بحث قضايا إقليمية ودولية" استكمالاً لاتصال هاتفي بين أردوغان وبن زايد في 31 أغسطس/آب الماضي، إضافة لبحث "العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون والعمل المشترك بين البلدين في مختلف المجالات بما يحقق مصالحهما المتبادلة".

ويأتي تعزيز العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري، ضمن أولويات الجانبين، بحسب ما يراه المحلل التركي، سمير صالحة، مشيراً إلى أنّ زيارة بن زايد مرتبطة بـ"المسار الجديد للعلاقات"، بعد اللقاءات والاتصالات المكثفة على الصعد: السياسي والدبلوماسي والاقتصادي.

ولفت صالحة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "جميع الرسائل بين الجانبين خلال الفترة السابقة، قدّمت الجانب الاقتصادي وأعطته الأولوية بعودة العلاقات، رغم أنّ العلاقات الاقتصادية والتبادل التجاري والاستثمارات، لم تتأثر طيلة فترة التوتر السياسي الممتدة لست سنوات".

لقاءات اقتصادية مكثفة

ويتوقع صالحة أن تدفع زيارة بن زايد اليوم إلى تركيا العلاقات نحو اتجاه جديد، "نظراً لرغبة البلدين بتحييد الخلافات السياسية حول ملفات عدة في المنطقة ومحاولة بناء تعاون جديد"، معتبراً أنّ "تطورات الأحداث في المنطقة والعالم، لعبت دوراً بالتقارب بين أنقرة وأبوظبي، سواء الانسحاب الأميركي من أفغانستان، أو تراجع الخلافات الخليجية والتي أفضت إلى مصالحة، أو حتى الحوار التركي المصري والسعودي".

ويضيف صالحة، لـ"العربي الجديد"، أنه "على الأرجح أن نرى لقاءات اقتصادية مكثفة وزيادة التدفق الاستثماري بين البلدين، لا سيما أنّ تركيا تقدم فرصاً مغرية، سواء في قناة إسطنبول أو الطاقة والاتصالات والمصارف، بهدف زيادة حجم التبادل التجاري الذي اقترب من 9 مليارات دولار العام الماضي"، مشيراً إلى "زيارة وفد تركي إلى أبوظبي وبدء منتدى رجال الأعمال التركي الإماراتي، بالتوازي مع زيارة بن زايد إلى أنقرة".

وكان وفد تجاري تركي برئاسة توفيق أوز، رئيس الجانب التركي لمجلس الأعمال المشترك، قد بحث مع مسؤولين حكوميين في الإمارات، برئاسة ثاني بن أحمد الزيودي وزير دولة للتجارة الخارجية، أول أمس الإثنين، سبل تعزيز علاقات التجارة المشتركة بين البلدين لزيادة أرقام تبادل السلع خلال الفترة المقبلة، وخطط تنويع الفرص الاقتصادية ذات الاهتمام المشترك، وتم الاتفاق على خطوات عملية لتنمية التبادل التجاري والاستثماري والتعاون على الصعيد الاقتصادي بين البلدين.

كما بحث الوفدان التحديات الاقتصادية وسبل معالجتها، وناقشا إمكانية الوصول إلى مستويات جديدة للتعاون في الجانبين الاقتصادي والاستثماري، قبل أن ينطلق أمس الثلاثاء في مدينة دبي، منتدى الأعمال التركي الإماراتي.

وخلال كلمة في افتتاح المنتدى، أشار وزير التجارة التركي محمد موش، إلى أنّ التعاون بين بلاده والإمارات، "محفّز للاستقرار الإقليمي ونموذج لباقي دول المنطقة، نظراً لإمكانات البلدين على الصعيدين التجاري والاقتصادي".

استثمارات متبادلة

وأكد موش أنّ تعميق العلاقات الاقتصادية والتجارية بين تركيا والإمارات، على مختلف الأصعدة، سيكون لصالح البلدين، داعياً المستثمرين ورجال الأعمال الإماراتيين، إلى الاستثمار في بلاده التي قال إنها تتميز بمكانة إقليمية ودولية من حيث فرص الاستثمار.

ولاحت بوادر عودة العلاقات بين تركيا والإمارات التي شهدت توترات سياسية منذ ما بعد الانقلاب الفاشل بتركيا عام 2016، منذ أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، خلال تصريحات متلفزة، في سبتمبر/أيلول الماضي، أنّ "أجواء إيجابية تخيم على العلاقات التركية الإماراتية في الآونة الأخيرة" تلتها اتصالات هاتفية، وزيارة مستشار الأمن الوطني الإماراتي، طحنون بن زايد، لأنقرة في أغسطس/آب الماضي، والتي لمّح خلالها الرئيس التركي إلى الانفتاح التركي الجديد على الإمارات وقال: "نولي أهميّة لأن يجري الفاعلون المؤثّرون في المنطقة محادثات مباشرة، وأن يتفاوضوا ويحلّوا مشكلاتهم معاً".

ويرى رجل الأعمال فراس طلاس من الإمارات أنّ زيارة بن زايد لأنقرة، اليوم الأربعاء، هدفها "تبريد الملفات من قبل الطرفين" متوقعاً أن تليها لقاءات وتطوير للعلاقات الاقتصادية، مشيراً، خلال اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أنّ علاقات البلدين الاقتصادية لم تتأثر بالتوترات السياسية، بل على العكس، ارتفع حجم التبادل غير النفطي بنحو 21% العام الماضي إلى 8.9 مليارات دولار في حين لم يزد عام 2019 عن 7.3 مليارات دولار.

بدوره يعتبر المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو، أنّ زيارة بن زايد إلى أنقرة "تحمل أهمية ودلالات نظراً لكونها أول زيارة بعد الانقلاب الفاشل في تركيا، وبعد جهود مكثفة بين البلدين لفتح حوار وتعاون مبني على المنافع والمصالح المشتركة والابتعاد عن القضايا الخلافية، بعدما كانت الإمارات بالمحور المضاد للسياسة الخارجية التركية، ولم تكن أبوظبي بعيدة عن الملفات التي استهدفت الأمن القومي والاقتصاد التركي والليرة".

ويضيف كاتب أوغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "بعد تلك المرحلة أصبحت هناك محاولات لخطب ود تركيا، خاصة بعد المصالحة الخليجية ومحاولات حصار قطر، ودور تركيا في الاستقرار وإزالة الخلافات بين الأشقاء"، مبيّناً حرص بلاده على "سحب البساط من تحت كل من يريد تصعيد الخلافات التركية مع الدول العربية، بعد سعي تركيا الجدي نحو مصر والسعودية والآن مع الإمارات".

ويشير المحلل التركي إلى أنّ زيارة بن زايد "تأتي نتيجة للتواصل المكثف بين البلدين، والتي ستركز على رفع مستوى التعاون والتبادل التجاري، بعدما شاركت تركيا في معرض إكسبو دبي 2020 وأوفدت رجال أعمال وأقامت منتدى رجال الأعمال أمس"، مرجحاً أن يتمخض عن الزيارة "تعاون بمجال الصناعات الدفاعية وصفقات أسلحة وتقنية تركية، وأن تقدم تركيا فرصاً استثمارية ومشاريع تشاركية مع رجال الأعمال الإماراتيين".

شراكة تجارية

وارتفعت الصادرات التركية إلى الإمارات إلى نحو 295 مليون دولار أميركي في يونيو/حزيران الماضي، مقارنة بشهر مايو/أيار الذي بلغت قيمة صادراته نحو 243.5 مليون دولار.

وبحسب بيانات وزارة الخارجية التركية، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات وتركيا نحو 8.9 مليارات دولار العام الماضي، وقرابة 7.4 مليارات دولار عام 2019، ونحو 7.6 مليارات دولار عام 2018، مسجلاً رقماً قياسياً عام 2017 بعدما وصل حجم التجارة إلى قرابة 14.8 مليار دولار.

ووصلت الإمارات العربية المتحدة إلى المرتبة الـ12 كأكبر مستورد للسلع التركية على مستوى العالم، والثانية عربياً بعد العراق، وفي المرتبة التاسعة كأكبر مصدّر للسوق التركية عالمياً والأولى عربياً.

وبلغت قيمة الصادرات التركية إلى الإمارات 3.5 مليارات دولار في عام 2019، ووصلت قيمة واردات تركيا من الإمارات في العام نفسه إلى 4.33 مليارات دولار.

وتنوعت الصادرات التركية إلى الإمارات ما بين الأحجار الكريمة والمعادن والآلات والأجهزة الكهربائية، في حين أنّ أهم الصادرات الإماراتية إلى تركيا هي الذهب والألمنيوم والمجوهرات والنفط والزيوت المعدنية والمواد الكيميائية والحديد.

وقال وزير الاقتصاد الإماراتي، عبد الله بن طوق المري، في تصريحات سابقة، إنّ العلاقات الاقتصادية مع تركيا "تشهد تطوراً مستمراً"، مضيفاً أنّ بلاده "نجحت في بناء علاقات إيجابية مع العالم، ولا سيما في الجوانب الاقتصادية والتنموية".

بدوره، قال وزير الاقتصاد التركي، محمد موش إنّ تركيا والإمارات شريكان تجاريان مهمان وحريصان على تعزيز تعاونهما في مختلف المجالات، مضيفاً على هامش الدورة العاشرة للجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين التي اختتمت في دبي، أمس الثلاثاء، إنّ الإمارات هي الشريك التجاري الأكبر لتركيا في منطقة الخليج.

وخلص اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة برئاسة ثاني بن أحمد الزيودي، وزير دولة للتجارة الخارجية بالإمارات، والوزير موش، إلى اتفاق الجانبين على خطة عمل إماراتية تركية لزيادة حجم التجارة البينية غير النفطية وتنويعها وتسهيل إجراءاتها.

وتهدف الخطة، بحسب مصادر إعلامية إماراتية، إلى "خلق قدرات تصنيع واستثمار مشتركة، وتطوير التعاون في القطاع المالي والمصرفي والتكنولوجيا المالية الجديدة، وصياغة نموذج للتعاون وتبادل الخبرات في مجالات الابتكار وريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة".

وشهدت اللجنة "توقيع اتفاقية لتجديد مجلس الأعمال بين اتحاد غرف التجارة والصناعة بالإمارات ومجلس العلاقات الخارجية الاقتصادية التركي"، فضلاً عن تشكيل فرق فنية مشتركة لاستكشاف فرص التعاون وتحفيز الاستثمار المتبادل في القطاعات المتفق عليها".

وجاءت السياحة والضيافة بمقدمة تلك القطاعات، ثم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والثورة الصناعية الرابعة، والطاقة المتجددة، والصناعات الغذائية وتقنيات الزراعة الحديثة والأمن الغذائي، والرعاية الصحية، والنقل والخدمات اللوجستية بما في ذلك الطيران المدني وسلسلة التوريد البحري والموانئ.

المساهمون