- الاتحاد الأوروبي يرفض الممارسات التجارية الصينية التي تشوه السوق، خاصة في قطاع السيارات الكهربائية، ويتجه نحو استراتيجية تقليص المخاطر مع الصين في ظل صعوبات إيجاد شركاء تجاريين جدد.
- تقرير يشير إلى تفوق الصين في حجم التجارة مع دول ناشئة ونامية على الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، مما يعكس تحول النفوذ الجيوستراتيجي نحو بكين ويعقد العلاقات الأوروبية-الصينية بسبب استراتيجية "فرق تسد" الصينية.
شكّلت زيارة الرئيس الصيني لأوروبا بعد غياب لخمس سنوات محور نقاشات مكثفة، في ضوء التحديات التي تخيم على العلاقة بين الاتحاد الأوروبي وبكين، في ما يخص عمليات التجارة بين الطرفين. وجاء ذلك على وقع تعليق اتفاقية الاستثمار والتجارة والتهديدات من المفوضية الأوروبية باتخاذ تدابير ضد السياسات التجارية غير العادلة رغم الحديث عن نيتهما بالتقارب. فهل بات الاتحاد الأوروبي متخلفا عن الركب لحماية اقتصاده في وجه تمدد التنين الصيني، ومعه روسيا، لزيادة التبادل التجاري مع الأسواق الناشئة؟
وبينما شددت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، خلال اللقاء المشترك في قصر الإليزيه، على عدم قبول الممارسات التي تشوّه السوق، وفي مقدمتها قطاع صناعة السيارات الكهربائية، بعدما غمرت السيارات الصينية المدعومة أوروبا، بأسعارها المتدنية. وأفادت تحليلات بأن التجارب دفعت أوروبا لاعتماد استراتيجية تقليص المخاطر مع الصين، بعد أن باتت الأخيرة تحتل موقعا مركزيا في العديد من المجالات في الحياة الاقتصادية، ومع الصعوبات في كسب شركاء تجاريين جدد من أجل تقليل الاعتماد عليها. وتذكر الأوروبيون مؤخرا أنهم لم يفقدوا السياح فقط خلال جائحة كورونا، بل كل أنواع سلاسل التوريد تقريبا، وفي مقدمتها السلع الطبية الواردة من الصين، والتي أغلقت الحدود في وجهها وقتها بصورة كاملة.
ومع نشر شبكة "إيه آر دي" الإخبارية، اليوم الثلاثاء، تقييما جديدا أجراه معهد الاقتصاد الألماني في كولن، وبين فيه أن العديد من الشركاء التجاريين البديلين لأوروبا في الجنوب العالمي أصبحوا أكثر توجها نحو الصين من الاتحاد الأوروبي، لتتفوق الدولة الآسيوية على التكتل وعلى الولايات المتحدة من حيث حجم التجارة مع 25 دولة ناشئة ونامية ذات أهمية استراتيجية، بعدما كان التكتل الأوروبي وواشنطن حتى عام 2018 أهم شريكين تجاريين لهذه البلدان. وزادت حصة الصين منذ عام 2010 من 12% إلى 20% على حساب الاتحاد الأوروبي الذي تراجعت حصته من 17% إلى 14%.
واعتبر خبير السياسة التجارية في المعهد المذكور سيمون غيراردس، أن الأمر لم يعد يتعلق فقط بتصدير فول الصويا ورقائق البطاطس والسيارات، بل يتعلق بالتأثير السياسي. وقال في حواره مع الوكالة الألمانية إنه "من خلال الاتصال التجاري الوثيق تعمل الصين وروسيا على تعزيز نفوذهما الجيوستراتيجي هناك"، لافتا إلى لجوء ألمانيا إلى البرازيل لإعادة شراء ذخيرة لأوكرانيا رغم رفض طلبها. وأبرز الخبير أيضا ضرورة إدراك الغرب أهمية تجنب الاتكال على شركاء مفترضين في الجنوب العالمي، مشيرا إلى أن بكين تعمل لتوسيع حضورها هناك كشريك تجاري لموردي المواد الخام، وهذا يعني أيضا أن نفوذ الاتحاد الأوروبي من المرجح أن يستمر في الانحدار، بغض النظر عن الحد من المخاطر.
ووفقا لغيراردس، فإن السياسيين الألمان والأوروبيين فشلوا في إبرام اتفاقيات تجارية شاملة مع دول تكتل ميركوسور (الأرجنتين والبرازيل وباراغواي وأوروغواي) عندما كان التأثير في هذه الدول أكبر، والتوصل لاتفاقيات اقتصادية معها أسهل. وشدد على أن الجانب الأوروبي أضاع فرصة اتفاقية ميركوسور، ما قد يكون سببا في تراجع قبول الأوروبيين شريكاً تجارياً. وأشار أيضا إلى أن التفاوض مع الصينيين كان دائما أسهل لتلك الدول، في حين كان الأوروبي يلقي عليهم محاضرات حول حقوق الإنسان، وفرض لوائح بيئية، وهو ما وصفه الرئيس البرازيلي في وقت سابق بأنه "إمبريالية تنظيمية".
وفي ظل هذه الأجواء، نقل موقع ميركور أونلاين عن مراقبين أن استراتيجية "فرق تسد" الصينية تسير نحو الاتحاد الأوروبي، رغم تأكيدات الصين الدائمة على رغبتها في التعاون مع التكتل الأوروبي والاستقلال الاستراتيجي للقارة، وهو ما يعني شراكة أقل قربا مع الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن بكين لا ترى في الاتحاد الأوروبي لاعبا مهما، نظرا لتنوع أصواته، وتفضل التحدث مع الدول الأعضاء بطريقة منفردة. ومن المعلوم أن هناك اختلافات في وجهات النظر بين العديد من دول الاتحاد، وهذا أمر جيد بالنسبة لبكين. وتشير التوقعات إلى أن المقابلات الصينية في صربيا والمجر ستكون أكثر دفئا من فرنسا.