فتحت قضية زيادة أجور العاملين بالحكومة السودانية أزمة جديدة تضاف إلى أخرى تواجهها البلاد جراء الأوضاع الاقتصادية السيئة المحيطة.
وتضمنت موازنة العام الجاري زيادة أجور العاملين بالدولة مقابل رفع الدعم عن المحروقات وتعويم سعر صرف الجنيه السوداني أمام النقد الأجنبي.
ولم تستطع الحكومة الانتقالية، نتيجة خلاف بين مكوناتها، تطبيق سياسة رفع الدعم وتحرير سعر الصرف، إلا أنّ وزارة المالية أعلنت، في إبريل/ نيسان الماضي، تطبيق زيادة أجور العاملين بالدولة بنسبة تقدر بنحو 569%.
وحينها، بررت الوزارة الزيادة، التي تقدر بنحو ستة أضعاف ما كانت عليه سابقاً، بمواكبة الأسعار ونسب التضخم المتزايدة، مع انهيار سعر صرف الجنيه أمام الدولار.
ورفعت الحكومة الانتقالية الحد الأدنى للأجور، الذي لم يشهد زيادة منذ 2013، من 425 إلى 3 آلاف جنيه (نحو 61.3 دولاراً).
بيد أنّ الزيادة الكبيرة في الأجور تسببت في أزمات متتالية للاقتصاد الذي يعاني من عجز كبير في الإيرادات العامة للموازنة، وبالتالي تعجز الحكومة عن الإيفاء بالتزاماتها.
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أجازت الحكومة الانتقالية موازنة 2020 بإيرادات 568.3 مليار جنيه، ومصروفات 584.4 مليار جنيه، وبعجز 16.1 مليار جنيه.
وخلال المؤتمر الاقتصادي القومي، الذي انعقد الأسبوع الماضي، أقرّ البنك المركزي بصعوبات تواجه سداد الأجور في هيكلها الجديد، بسبب تدني الإيرادات بسبب جائحة كورونا.
وفي وقت سابق، أعلنت وزارة المالية انخفاض الإيرادات العامة بنسبة 40% بسبب الجائحة.
وكشف نائب محافظ البنك المركزي محمد أحمد البشرى، الأسبوع الماضي، عن أنّ وزارة المالية تقوم بتمويل الزيادة في أجور العاملين بالدولة عبر الاستدانة من البنك، الذي يقوم بطباعة العملة من أجل تغطية التزامات الأجور، ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم.
وسجل معدل التضخم في أغسطس/ آب الماضي 166.8% على أساس سنوي.
انخفاض الإيرادات
في المقابل، أقرت وكيلة وزارة المالية آمنة أبكر، بوجود صعوبات تواجه تنفيذ هيكل الأجور الجديد، لا سيما بعد انخفاض إيرادات الدولة بسبب كورونا.
وأشارت في حديث مع وكالة "الأناضول"، إلى أنّ الزيادة تمت إجازتها من قبل مجلس الوزراء وأصبح تنفيذها أمراً حتمياً.
ولفتت إلى وجود تجربة مماثلة في عهد الحكومة السابقة، عندما تمت إجازة تعديل في هيكل الأجور عام 2013، إلا أنها لم تستطع تنفيذها حتى 2015، بسبب ضعف الإيرادات.
فيما رهن الخبير الاقتصادي الصادق جلال الدين، زيادة الأجور بتنفيذ إصلاحات مسبقة تشمل الإصلاح الإداري لكل القطاع الحكومي، وتعديل قانون الخدمة المدنية.
واعتبر جلال الدين أنّ "قانون الخدمة المدنية الحالي معيق للإصلاح".
وأشار إلى ضرورة إعادة هيكلة الوظائف الحكومية بسبب وجود ترهل فيها، وأضاف: "كان يجب أن تتم زيادة الأجور بنسب معقولة وتدريجياً".
وكشف أنّ تعويضات العاملين بالدولة بلغت 33% من جملة الإيرادات العامة في 2019، بإجمالي 49 مليار جنيه.
وقدّر جلال الدين زيادة الأجور من إبريل/ نيسان الماضي وحتى نهاية سبتمبر/ أيلول، بنحو 226 مليار جنيه، لافتاً إلى أنّها تقدر حتى نهاية العام بـ301 مليار جنيه.
ويرزح السودان، الذي يواجه أزمة اقتصادية أثارت احتجاجات واسعة، تحت دين يتوقع أن يصل إلى 56 مليار دولار بحلول نهاية العام الجاري، ويعاني في الوقت نفسه من أزمات متجددة في المحروقات والخبز، ومن تدهور مستمر في عملته الوطنية.
(الدولار = 55 جنيهاً سودانياً)
(الأناضول)