روسيا تلوّح بورقة المساعدات الإنسانية عبر النظام لكسر حصار الشمال السوري

26 سبتمبر 2021
تستخدم روسيا ورقة المساعدات كأداة ضغط على تركيا ومناطق الشمال السوري (فرانس برس)
+ الخط -

أعادت روسيا فتح ملف المساعدات الإنسانية إلى الشمال السوري، كورقة ضغط إضافية لكسر الحصار عن النظام السوري وحصر المساعدات الدولية بدمشق ليتم توزيعها عبر "الخطوط لا عبر الحدود" وإلغاء دخول المساعدات إلى مناطق شمال غرب سورية "المحررة" عبر معبر باب الهوى السوري التركي.
وهدد وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف بأن بلاده ستوقف دعمها لآلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية، في حال استمرار تجميد إيصالها عبر دمشق، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي أمس السبت، على هامش مشاركته في الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك "إن لم يتم الآن اتخاذ خطوات ملموسة لتحرير إيصال المساعدات الإنسانية عبر دمشق وفق ما تتطلب ذلك قواعد القانون الإنساني الدولي، سوف نتوقف عن دعم هذه الأمور غير الشفافة العابرة للحدود".
وهو ما رآه العامل في الشأن الإغاثي، محمود عبد الرحمن محاولة ضغط من روسيا على المجتمع الدولي بشكل عام وعلى تركيا، قبل الاجتماع المرتقب بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، في سوتشي الأسبوع 29 سبتمبر/أيلول الجاري "لأن إدلب والمساعدات الإنسانية أهم نقطة على جدول اللقاء".

ويشير عبد الرحمن من مخيم روحين شمالي إدلب لـ"العربي الجديد" إلى أن روسيا خرقت قرار مجلس الأمن الدولي وأدخلت ثلاث شاحنات الشهر الماضي إلى محافظة إدلب "معرة النعسان"، عبر معبر "ميرناز" غربي حلب، مستغرباً "كيف دخلت ومع من نسّق النظام من الفصائل".
وحول حجم المساعدات، عينية ومادية، يؤكد عبد الرحمن أنها تراجعت كسلال غذائية إلى نحو 50 كلغ شهرياً ولم تعد المساعدات المالية، كما السابق، تصل لجميع النازحين، بل تقتصر على بعض الأسر الفقيرة وزوجات الشهداء، محذراً من شتاء قاس بواقع افتقار النازحين لأبسط طرق التدفئة والحدود الدنيا من الغذاء الذي يبقيهم على قيد الحياة "نتكلم عن الطعام والتدفئة ولا نشير إلى الأمراض بعد عودة كورونا أو حرمان الأطفال من المدارس".
ويتخوف سوريون من عودة تحكم نظام بشار الأسد بغذاء السوريين في المناطق المحررة، بواقع فشله في تأمين متطلبات الحياة للسوريين ضمن مناطق سيطرته، بعد ارتفاع نسبة الفقر هناك إلى 90% وارتفاع تكاليف المعيشة إلى أكثر من عشرين ضعف الدخل الشهري، وأن تتخذ روسيا، هذه الذريعة كورقة ضغط على المعارضة والمجتمع الدولي لزيادة الانفتاح على الحكومة السورية التي تصفها بالشرعية وتخالف قرار مجلس الأمن الصادر في شهر أغسطس/آب الماضي.
ويقول رئيس تجمع المحامين السوريين الأحرار، غزوان قرنفل إنه على الصعيد القانوني، لا يوجد خرق أو مشكلة حتى اليوم، بل الأطراف جميعها ملتزمة بقرار مجلس الأمن بـ"تمديد إدخال المساعدات عبر معبر باب الهوى لمدة عام على مرحلتين" ولكن المشكلة المتوقعة، أن روسيا تمهد منذ اليوم لإيقاف القرار خلال مناقشته بعد انقضاء الأشهر الستة الأولى، وستحاول الضغط لإدخال المساعدات عبر حكومة الأسد وأنها قادرة على القيام بدورها تجاه الشعب، خاصة أنها مهدت لذلك الشهر الماضي عبر ثلاث شحنات "بذلك تكون قد أعادت الشرعية للنظام وفتحت باب التعاون الدولي معه وأوجدت خرقاً بقانون قيصر".

يتخوف سوريون من عودة تحكم نظام بشار الأسد بغذاء السوريين في المناطق المحررة، بواقع فشله في تأمين متطلبات الحياة للسوريين ضمن مناطق سيطرته

ويضيف قرنفل لـ"العربي الجديد" أنه على الصعيد الإنساني ستزيد معاناة السوريين في المناطق المحررة جراء تحكم نظام الأسد بإدخال المساعدات وسيكون بذلك بداية للمطالبة بعودة كامل الجغرافية السورية إلى سيطرة الأسد، وهذه هي الخطوة النهائية التي تعلب عليها روسيا ونظام بشار الأسد.
ويرجح مراقبون أن التلويح الروسي اليوم "هدفه تركيا" قبيل الاجتماع المرتقب بين الرئيسين الأسبوع الجاري، لأن قرار مجلس الأمن في تموز الماضي، كان واضحاً بعد تصويت 15 دولة على مشروع القرار المشترك الذي توصلت إليه روسيا والولايات المتحدة والنرويج وأيرلندا بـ"تمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية العابرة للحدود إلى سورية لمدة عام عبر معبر باب الهوى" وذلك من أجل تلبية الحاجات الملحة للشعب السوري وتخفيف معاناتهم على نحو يحفظ كرامتهم.
ويتوقع المحلل التركي، سمير صالحة "أن تكون هذه النقطة عقدة بوجه المنشار" خلال اللقاء المرتقب بين بوتين وأردوغان الأربعاء المقبل في سوتشي، لأن الطرح الروسي اليوم "يخالف التفاهمات بين البلدين ويقفز على قرار مجلس الأمن"، ما يعني أننا أمام مواجهات جديدة وسيناريوهات مختلفة "الأرجح ستنعكس على زيادة التصعيد الميداني الذي بدأته روسيا منذ شهر ويزيد من تشريد السوريين وتجويعهم".
ولا يستبعد صالحة خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" أن تطلب روسيا "تنازلات تركية" مقابل استمرار إدخال المساعدات الإنسانية لعام، "لكنها ستعاود فتح هذا الملف على الدوام" مبيناً أن من التنازلات التي تطمح إليها موسكو" إقفال ملف المنطقة الآمنة وحصر تركيا بمناطق محددة على الشريط الحدودي والتعهد بمحاربة من تصفهم موسكو والأسد بالإرهابيين في إدلب"، وهذا ما لا يمكن أن توافق عليه بلاده التي تسعى برأيه، إلى حل مشكلة السوريين وعودتهم الآمنة إلى بلادهم، فـ "تركيا معنية لأسباب جغرافية ولأنها تستضيف أكبر عدد من السوريين نحو 3.7 ملايين سوري".

وبحسب منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارك لوكوك فإن "أكثر من 13 مليون سوري يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، في حين يعتمد أكثرُ من 4 ملايين آخرين في شمالي غربي البلاد على المساعدات الغذائية"، وهم مهددون اليوم، بعد التصريح الروسي، بحسب ما يقول الاقتصادي السوري محمود حسين لـ"العربي الجديد".
ويشير حسين إلى أن أكثر من 1.4 مليون سوري، أضيفوا إلى قوائم الجوعى والمحتاجين للمساعدات، بعد تصريحات الأمم المتحدة، لأن الأسعار ارتفعت بنحو 200% خلال عام كان حصة الشهرين الماضيين، أكثر من 40% منها، معتبراً أن "قبض نظام الأسد على المساعدات وتحكمه بتوزيعها" سينعكس عليه بمنافع سياسية لها علاقة بالاعتراف به وعودة التعامل الدولي معه، وبمكاسب اقتصادية تعينه على الاستمرار بواقع ملامح الإفلاس والعجز عن تأمين القمح والمشتقات النفطية.

وأشار إلى أن نظام الأسد يصل إليه القسم الأكبر من المساعدات الدولية، ويستخدمها للحرب، بل يبيع المساعدات الأممية بمؤسساته الحكومية ويوزعها على المقاتلين "هذه ليست اتهامات، بل هناك توثيق بالصور لبيع المساعدات الأممية ومنحها طعاماً للمليشيات".

المساهمون