قررت البنوك التجارية الروسية الكبرى في روسيا، اليوم الخميس، رفع الفائدة على الودائع بعد قرار البنك المركزي زيادة الفائدة الرئيسية من 8.5% إلى 12% يوم الثلاثاء في محاولة لوقف تهاوي الروبل مقابل الدولار ومكافحة التضخم.
وحسب وكالة "نوفوستي" الروسية، فقد أعلن "سبيربنك"، أكبر البنوك الروسية اليوم الخميس، رفع معدل الفائدة على الودائع، وقبل ذلك أعلنت بنوك روسية على رأسها "في تي بي" و"ألفا بانك" و"بوتشتا بانك" عن قرار مماثل.
وزاد بنك "سبيربنك" معدل الفائدة على أحد منتجاته المصرفية إلى مستوى قياسي بلغ 12% سنوياً بشرط إيداع الأموال لمدة 3 سنوات على الأقل.
تتحرك السلطات الروسية والقطاع المصرفي لمواجهة أزمة تراجع سعر الروبل، والذي فقد نحو 26% من قيمته خلال العام الجاري
وتأتي تلك الخطوات وغيرها في إطار مواجهة السلطات الروسية والقطاع المصرفي أزمة تراجع سعر صرف الروبل والذي فقد نحو 26% من قيمته مقابل الدولار خلال العام الجاري، على خلفية الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الروسي وأعباء العقوبات الغربية.
ولكن لماذا تراجع سعر صرف الروبل، وهل تساهم خطوة التشديد النقدي في دعم سعره؟
تدهور الروبل
تراجع سعر صرف الروبل بنسبة 26% هذا العام، نتيجة لانهيارعائدات التصدير وزيادة الإنفاق العسكري، مما جعل الروبل ثالث أسوأ عملة عالمية أداءً في العام 2023. وحسب خبراء، أدى التراجع في صرف العملة الروسية إلى دعوات من كبار مسؤولي الكرملين لرفع تكاليف الاقتراض.
وفي صباح يوم الاثنين الماضي، قال البنك المركزي، إنه لا يرى أي تهديد للاستقرارالمالي لروسيا من انخفاض الروبل، وألقى باللوم في انخفاض قيمة العملة على انخفاض حجم الصادرات، وتنامي الطلب الداخلي على الواردات. لكن البنك المركزي، "بنك روسيا" فاجأ المستثمرين، برفع الفائدة المصرفية بهذا المعدل الكبير والبالغ 3.5% مرة واحدة.
فترة اضطراب العملة الروسية
شهد الروبل فترة من الاضطرابات منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير/شباط من العام 2022، حيث انخفض إلى مستوى قياسي بلغ 150 روبلاً للدولار بعد أسبوعين من بدء الحرب، قبل أن يتعافى بشكل حاد بعدما فرض البنك المركزي الروسي قيودًا صارمة على خروج رأس المال من البلاد.
كما أن تداعيات الحرب الروسية على ارتفاع أسعار الطاقة والمعادن ساهمت في حدوث قفزة كبيرة بدخل الخزينة الروسية، خاصة في الشهور التي تلت بداية الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبحلول الصيف الماضي، انتعش الروبل إلى أعلى مستوى في سبع سنوات بسبب زيادة عائدات التصدير بينما انخفضت واردات المستهلكين.
مشاكل التكنولوجيا والإنتاج
مع مرور الوقت كانت روسيا أقل نجاحاً في العثور على موردين جدد للمنتجات ذات التقنية المتوسطة والعالية، مثل قطع غيار الطائرات التي تضررت من العقوبات الغربية. كما انخفضت هذه الواردات بمقدار 7 مليارات دولار في الربع الأخير من عام 2022 مقارنة بالعام السابق، وفقًاً لتحليل نشره مركز أبحاث السياسة الاقتصادية في موسكو.
ويتوقع محللون أن تؤدي العزلة التكنولوجية المتزايدة على روسيا إلى تقليص آفاق النمو الاقتصادي للبلاد على المدى الطويل.
كما تقلصت القوى العاملة في روسيا إلى أدنى مستوياتها منذ أكثر من عقد مع تقدم سكانها في السن، وبالتالي تراجع مستوى الإنتاج بسبب نقص الاستثمار ومناخ الأعمال المليء بالفساد والبيروقراطية حسب تقرير بصحيفة "وول ستريت جورنال" اليوم الخميس.
يذكر أن الحرب الروسية على أوكرانيا أدت إلى أسوأ نقص في العمالة بالبلاد منذ التسعينيات، حيث تم حشد مئات الآلاف للجبهة القتالية، كما فر الآلاف من البلاد خوفاً من التجنيد الإجباري.
في هذا الصدد، قالت الخبيرة في الاقتصاد الروسي في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، جانيس كلوغ: "يُظهر انخفاض قيمة الروبل أن الألعاب النارية الاقتصادية لازدهارالإنفاق العام في روسيا ليست مستدامة".
وأضافت: "الحد الأقصى للسرعة في الإنتاج ليس ما يمكن أن تموله الحكومة، ولكن ما يمكن للاقتصاد إنتاجه".
من جانبه، قال الاقتصادي بالأسواق الناشئة بمؤسسة "كابيتال إيكونوميكس"، ليام بيتش، "إن هنالك مشكلة في العرض بالاقتصاد الروسي، والنتيجة الحتمية لذلك ستكون التضخم".
وحسب ما نشرته "وول ستريت جورنال" اليوم الخميس، فقد بلغت قدرة روسيا على زيادة الإنتاج في مصانعها بالفعل إلى الحد الأقصى، خاصة في القطاعات التي تزود الجيش، حيث تعمل المصانع في نوبات متعددة للتعامل مع الطلبات.
وشهدت الصناعات المرتبطة بالإنتاج العسكري، مثل السلع المعدنية والمنتجات البصرية والملابس الخاصة إنتعاشاً في النصف الأول من العام، ولكن ليس من المتوقع استمرار هذا الانتعاش.
وتراجعت القطاعات الصناعية غير العسكرية، بسبب نقص الوصول إلى المكونات الغربية من التقنيات، وكذلك عدم الكفاءة والاستثمار الضعيف في صيانة الآلات والمعدات، وبالتالي انخفض الإنتاج بروسيا بنسبة تزيد عن 10% على أساس سنوي.
ونتيجة لذلك، أصبح الاقتصاد الروسي مركزًا بشكل متزايد على الموارد الطبيعية مثل الطاقة والمعادن.
لذلك يلاحظ أن الحكومة الروسية رفضت عدم تجديد اتفاق الحبوب، حتى تتمكن من حرمان الحبوب الأوكرانية من الوصول للأسواق العالمية، وزيادة أسعار الحبوب، ومواصلة التعاون مع السعودية في خفض الإنتاج العالمي من النفط، حتى ترتفع الأسعار وتزيد من دخل الخزينة.
وتشير الزيادة الضخمة لأسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الروسي لوقف تراجع الروبل هذا الأسبوع إلى واقع جديد يعيشه الاقتصاد الروسي ربما سيسهم في عدم قدرة السياسة النقدية وحدها في حماية الروبل، ما لم ترفع أسعار الطاقة والمعادن.