رهانات السوريين للخروج من مستنقع بشار الأسد العفن

12 ديسمبر 2024
مصرف سوريا المركزي، دمشق في 8 ديسمبر 2024 (فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- الأمل في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في سوريا يتطلب استقراراً سياسياً واقتصادياً، ودعماً من السوريين في الخارج، مع رسائل طمأنة من السلطات الجديدة.
- التحديات تشمل التضخم والبطالة والديون، والسياسات التدميرية لنظام الأسد، لكن سوريا تمتلك ثروات طبيعية وكوادر بشرية يمكن استغلالها للتعافي.
- لتحقيق التعافي، يجب مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، وفتح الأبواب للاستثمارات، مع دعم خارجي واستقرار سياسي وأمني حقيقي.

صحيح أن رهانات السوريين للخروج السريع من مستنقع بشار الأسد العفن وإعادة النشاط والحيوية لاقتصادهم الوطني تبدو ضعيفة وصعبة من وجهة نظر البعض، لكنها ليست مستحيلة إذا حدث استقرار سياسي واقتصادي، وبعثت السلطات الجديدة رسائل طمأنة للداخل والخارج، وسارع السوريون في الخارج بمساندة اقتصاد بلدهم المتهاوي.

بداية، لن يفتح سقوط نظام الطاغية بشار الأسد الباب على مصراعيه أمام السوريين لتبدل أحوالهم المعيشية من الأسوأ للأحسن بين ليلة وضحاها، ولا نتوقع تحسناً سريعاً في الدخول والأجور الهزيلة رغم وعود السلطة الجديدة بزيادة الرواتب بنسبة 300%، ولن يحسن السقوط السريع للأسد من سعر العملة المحلية، الليرة، التي تهاوت في السنوات الأخيرة لتفقد نحو 140% من قيمتها في أقل من عقد.

ولن يضع الزلزال السياسي الذي جرى في سورية هذا الأسبوع نهاية سريعة لأزمات التضخم والغلاء والجوع والفقر والبطالة والعشوائيات، ولن يضع حداً سريعاً كذلك للأزمات المعيشية المعقدة التي يعيشها السوريون من قرب منذ أكثر من عقد من الزمان، ولن يعيد بناء بنية تحتية منهارة بسبب اعتداء نظام الأسد وقواته على السوريين بالبراميل المتفجرة وضربهم بالكيماوي والطائرات والمدافع والصواريخ وكأنهم عدو، وتخصيص الجانب الأكبر من موازنة الدولة لأعمال قتل السوريين، وتهديم شبكات الطرق والكهرباء والمواصلات العامة والمياه والصرف الصحي والاتصالات.

ولن يتعافى الاقتصاد السوري بسرعة من أزمات مالية طاحنة منها ضخامة الدين الخارجي والداخلي، والعجز والفساد المالي، ورهن مقدرات الدولة لإيران وروسيا وغيرها من حلفاء نظام الأسد، والتفريط في مقدرات الدولة، وعدم وجود احتياطي أجنبي لدى البنك المركزي.

الطريق طويل أمام السلطات الجديدة في دمشق لإحداث تحسن حقيقي في معيشة السوريين، وتلبية احتياجاتهم والخدمات الأساسية من غذاء ومأكل ومشرب ومسكن ورعاية صحية وتعليم

ببساطة، الطريق طويل أمام السلطات الجديدة في دمشق لإحداث تحسن حقيقي في معيشة السوريين، وتلبية احتياجاتهم والخدمات الأساسية من غذاء ومأكل ومشرب ومسكن ورعاية صحية وتعليم في ظل حالة سياسة التجريف التي مارسها نظام الأسد لكل شيء على مدى خمسة عقود، تجريف سياسي وحزبي، وانهيار اقتصادي، وتمزق اجتماعي، وحرب أهلية طويلة، وأزمات نفسية بسبب قتل هذا النظام المجرم مليون سوري، كما تسبب في تهجير ملايين السوريين للخارج ونزوح الملايين للداخل.

لكن رغم تلك الصورة السوداوية بالغة القاتمة بسبب مستنقع الأسد العفن، إلا أن الاقتصاد السوري قادر على التعافي خلال سنوات قليلة مدعوماً بعدة مقومات داخلية وخارجية. فسورية لديها مقومات اقتصادية وثروات ضخمة من نفط وفوسفات وكوادر بشرية يمكن أن تعود بالنفع على بلدها في حال استغلالها، والسوريون في الخارج يمكن أن يشكلوا رافعة اقتصادية مهمة لبلدهم في حال إعادة الاستثمارات الضخمة التي يمتلكونها والأموال المتراكمة المتوافرة لدى الآلاف منهم على مدى ما يزيد على 12 سنة، والاستفادة من الخبرات الكبيرة التي اكتسبوها خلال فترة وجودهم في الخارج، خصوصاً في قطاعات صناعية وخدمية.

كذلك إن وقف السلطات الجديدة في دمشق أبواب الفساد والرشى والجرائم المالية وتهريب الأموال والصفقات ونهب المال العام وبيع أصول الدولة التي صاحبت نظام الأسد، والعمل على ملف استعادة الأموال المنهوبة يمكن أن تكون له انعكاسات سريعة على الاقتصاد، أضف إلى ذلك رغبة دول خارجية في مساعدة النظام الجديد للدولة السورية، فبعض دول الخليج وتركيا وغيرها قد تكون في مقدمة الداعمين مالياً للاقتصاد السوري في السنوات المقبلة.

لكن التدفقات النقدية الخارجية سواء من السوريين المهاجرين أو الداعمين الجدد وتشجيع الاستثمارات المحلية تتوقف على نجاح السلطات الجديدة في تحقيق استقرار سياسي وأمني سريع وحقيقي، والحد من حالة الغموض السياسي واللايقين والضبابية السياسية التي صاحبت نظام الأسد، وطمأنة كل مكونات المجتمع.

المساهمون