رفع سعر الفائدة على الدولار

20 أكتوبر 2022
أميركا تريد إبقاء الدولار جذّاباً عبر رفع أسعار الفائدة (Getty)
+ الخط -

الكلّ ينتظر القرار الذي بات من المؤكّد أن يتّخذه مجلس حكام البنك الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" بقيادة محافظ البنك، جيروم باول، بشأن اتجاهات سعر الفائدة على العملة الأميركية وذلك يومي 1 و2 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.

وقد وردت تصريحات تفيد بأن رفع الفائدة على الدولار هذه المرّة من قبل الفيدرالي سيكون أعلى من المرّتين السابقتين، ولكن التوقعات أنه لن يزيد عن نسبة 1%، أو مائة نقطة أساس، مقاساً بالقرارين السابقين، واللذين بلغا 0.75%، أو 75% نقطة أساس لكل منهما.

هذا وقد كان أول رفع لسعر الفائدة قد اتخذ في شهر مارس/ آذار من هذا العام. كما رفع البنك سعر الفائدة على الدولار 5 مرات خلال عام 2022.

ومع الزيادات المتواصلة من قبل الفيدرالي الأميركي، فإن السؤال المطروح هو: لماذا ترفع الولايات المتحدة أسعار الفائدة على الدولار؟

من الناحية النظرية، يعني رفع سعر الفائدة معاقبة الإنفاق على الاستهلاك والاستثمار برفع تكاليفهما، ومكافأة المدّخرين بزيادة العوائد على ادّخارهم للمال والحفاظ عليه كأرصدة نقدية أو على شكل أوراق مالية. وهذا يعني أن الغاية من قرار زيادة سعر الفائدة هي تقليل الإنفاق وزيادة الادّخار بهدف كبح التضخّم، أو الزيادة في الأسعار، حتى لا تفلت وتتصاعد.

الحل الأنجع لمكافحة التضخّم

ومن بين أصحاب النظرية الكلاسيكية الجديدة؛ ميلتون فريدمان، الحائز على جائزة نوبل وقائد مدرسة شيكاغو الاقتصادية، الذي كان يؤمن بأن الحل الأنجع لمكافحة التضخّم هو تنقيص عرض النقد بدلاً من رفع أسعار الفوائد على العملات. وعادةً ما يكون رفع أسعار الفوائد في نظره مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بزيادة عرض النقد في المديين، المتوسّط والطويل.

دعونا نتأمل في المؤشرات الاقتصادية الأميركية الأساسية، حيث تتوقع بعض دور الدراسات مثل "مجلس المؤتمر" أو ما يسمّى "the conference board"، أن الاقتصاد الأميركي سوف يشهد في نهاية العام الجاري 2022 تراجعاً في معدل النمو، والذي لن يزيد في مجمله عن 1.5% ثم يعود العام المقبل 2023 ليقارب نسبة الصفر، أو "اللانمو"، هذا في الوقت الذي سيتخذ فيه البنك الاحتياطي الفيدرالي سياسة صارمة لكبح الارتفاع في الأسعار.

ومع السعي إلى تقليل نسب التضخم، فإن النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة مرشّح للتراجع، ولكن نسبة البطالة ستبقى قليلة في حدود 4.4% في منتصف عام 2023، وهي لا تكاد تعتبر بطالة. إذن، التراجع في معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي لن يسبّب زيادة مقلقة في حجم البطالة.

إذن، تقودنا مسألة رفع أسعار الفائدة على الدولار وبشكل مكثف من قبل البنك الفيدرالي إلى التشكيك في أن دافعها الأساسي هو كبح جماح التضخّم الذي ارتفع بشكل ملحوظ حتى وصل إلى 8.2% خلال شهر سبتمبر الماضي على أساس سنوي، كما قدّرته وزارة العمل الأميركية، وسوف تعيد الوزارة تقديره مرة ثانية يوم العاشر من الشهر المقبل (نوفمبر/ تشرين الثاني).

المعضلة في زيادة معدلات التضخّم تكمن في أن الدين العام الأميركي يرتفع كل سنة عن التي قبلها بشكل واضح وكبير. وآخر رقم وصلت إليه المديونية الأميركية بلغ 31.15 تريليون دولار، أو بمعدل يزيد على 93 ألف دولار لكل شخص في أميركا. أي أن كل فرد في الولايات المتحدة يتحمّل في المعدل عبء دين عام يساوي تقريباً 150% من دخله السنوي.

طباعة النقود

ويؤدّي الارتفاع في المديونية داخل الولايات المتحدة إلى طبع النقود للسوقين، المحلي والخارجي. ولذلك، يقول الاقتصادي إدموند موي (Edmund Moy) من كلية ويتون في الولايات المتحدة، إن عرض النقد (M2) قد ازداد عام 2021 عن عام 2020 بمقدار 27%، وهي زيادة غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة.

ويشكل هذا الارتفاع في السيولة والمديونية ضغوطاً تضخمية. والمشكلة في مواجهة هذه المعضلة هي هيكلية في الاقتصاد الأميركي، وليست مشكلة تصحيحية يمكن ضبطها بالسياسات النقدية وحدها.

والإنفاق في الولايات المتحدة يعتمد على الاقتراض إلى حد الإدمان. وتشكّل ديون الأفراد في مجالات الإسكان، وبطاقات الائتمان، والقروض الطلابية، ما يقارب 20 تريليون دولار.

وفي الوقت نفسه، تواجه الحكومة الفيدرالية زيادات غير مسبوقة في الموازنة بسبب ارتفاع نسبة المتقاعدين وكبار السن، وزيادة فاتورة التأمين الصحي، والإنفاق على البطالة، ودعم الأسر بمبالغ أرهقت الموازنة، فالقروض تؤدّي إلى ضخّ مزيد من السيولة من المواطنين والشركات والحكومات المحلية والفيدرالية على حد سواء.

ولذلك، صار هذا التحدّي هو أساس المشكلة التضخمية في الاقتصاد الأميركي. وقد ساهمت سنوات التيسير المالي

(financial easing) في إبقاء الفوائد الرسمية التي يقرّرها البنك الاحتياطي متدنية وقريبة من الصفر. وزاد خلالها عرض النقد، وصاحب ذلك كله توسّع غير مبرّر في الإنفاق، ما كان سيؤدّي بالضرورة إلى ارتفاع معدّلات التضخّم.

وفي ظل حرب أوكرانيا التي اندلعت في نهاية فبراير 2022، وسياسة الاشتباك مع روسيا والصين، وعدم قبول بعض الدول النفطية مطالب الولايات المتحدة في إبقاء كمية إنتاج النفط مرتفعة كما حدث مع قرار تحالف أوبك+ الأخير، وتحوّل دول مثل الصين وروسيا إلى عدم قبول سداد أثمان صادراتها بالدولار، فإن هناك خشية أميركية أن تتوسّع قاعدة الرافضين للدولار كعملة سداد دولية، ما يعني أن أميركا ستفقد تدريجياً سيطرتها على الدولار. ولذلك هي تريد إبقاء الدولار جذّاباً، ورفع سعر الفائدة عليه يعطيه تلك الميزة.

نحن أمام ظرف اقتصادي دولي دقيق، وقد نشهد خلال عام 2023 صراعاً دولياً واضحاً يكون عنوانه العريض اقتصادياً، وعنوانه الأدقّ هو "حرب عملات". كل هذا التخابط بين فيلة العالم يهدّد مصالح الدول الصغيرة، والتي يجب أن تتداعى لتوجِد لنفسها موقفاً لا يجعل اقتصاداتها حطاماً تحت أقدام الكبار.

المساهمون