دعا محللون وخبراء اقتصاد دولَ الخليج العربية إلى تنويع أسواق صادرات الطاقة، وسط توقعات بدخول اقتصادات العالم الكبرى في حالة ركود خلال العام الحالي، في ظل اتجاه البنوك المركزية الرئيسية في العالم إلى رفع أسعار الفائدة.
كما دعوا أيضاً إلى تنويع موارد الاقتصاد والتخلي عن هيمنة الطاقة الأحفورية وحدها على الناتج المحلي وإيرادات الدولة.
ووفقاً لتقرير الصندوق لشهر إبريل/ نيسان الماضي، فإن توقعات معدل النمو في دول مجلس التعاون الخليجي تصل إلى 2.9% في عام 2023، بانخفاض من 5.3% في عام 2022، وهو ما يعزوه الصندوق إلى التراجع بأسعار النفط والغاز والطلب عليهما، وتباطؤ الإصلاحات الهيكلية، والتوترات الجيوسياسية.
قرارات أوبك+
يرى الخبير الاقتصادي، محمد الناير، أن "توقعات الصندوق طبيعية في ظل معاناة أغلب دول العالم من إشكالات قبل أن يتعافى الاقتصاد العالمي واقتصاد الشرق الأوسط من تداعيات جائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية".
لكن الناير "لا يتوقع انعكاساً كبيراً لتوقعات الصندوق على دول الخليج العربية، رغم تأثرها بجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية؛ إذ استطاعت أن تمتلك زمام أمورها مستندة إلى عائدات النفط والغاز لتحقيق عائد نمو كبير".
وأضاف الناير في تصريحات لـ "العربي الجديد" أنه "من خلال القرارات الأخيرة لتكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها "أوبك+"، والخاصة بخفض الإنتاج، استطاعت والخليج أن تحافظ على معدلات أسعار جيدة، ولذا فإن التباطؤ العام للناتج المحلي الإجمالي في الشرق الأوسط لن ينعكس بالضرورة على كل دول الخليج العربية".
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن "أسلوب إدارة أوبك+ لمستويات الإنتاج هو الطريقة التي يمكن دول الخليج من تفادي توقعات تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي بكثير من دول الشرق الأوسط، إذ يضمن هذا الأسلوب التحكم في أسعار النفط والغاز وإبقاءها مرتفعة عبر خفض الإنتاج، وبالتالي تستطيع دول الخليج أن تحقق معدلات نمو جيدة".
ويعقد التحالف اجتماعاً اعتيادياً نصف سنوي اليوم وغداً الأحد، وسط توقعات متباينة حول قرار جديد بخفض إضافي للإنتاج بنحو مليون برميل نفط يومياً.
"وعلى التوازي، تمثل القطاعات الاقتصادية غير النفطية في الخطط الاستراتيجية لدول الخليج رافداً لتنويع الموارد، وعدم الاعتماد بشكل أحادي على النفط، وهو ما بدأت آثاره في الظهور بصورة كبيرة على دول الخليج مؤخراً، بما يؤشر إلى تفادي أسباب تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي بنسبة كبيرة في باقي دول الشرق الأوسط"، بحسب الناير.
ضبابية عالمية
من جانبه يرى الخبير الاقتصادي حسام عايش أن "توقعات الصندوق بشأن نمو الناتج المحلي الإجمالي قد تنعكس على دول الخليج بصيغة تتمثل في تحقيق نمو أقل مما تحقق في عام 2022، الذي يعتبر عاملاً استثنائياً على مستوى معدلات النمو الخليجية".
ويشير عايش لـ"العربي الجديد" إلى أن "العام الجاري يرى فيه الصندوق الكثير من الضبابية الناشئة عن المخاوف بشأن الأداء الاقتصادي لكبريات الاقتصاديات العالمية، ومن الركود الاقتصادي، فضلا عن المخاوف المتصاعدة بشأن القطاع المصرفي الأميركي والأوروبي وحتى العالمي، والاستقطابات الدولية التي بدأت تؤثر بشكل أو بآخر على التوقعات الإيجابية بشأن الأداء الاقتصادي ".
وعلى هذا الأساس، يشير عايش إلى "تراجع توقعات الصندوق للنمو في الدول العربية، بما في ذلك دول الخليج، بالتوازي مع احتمالات تراجع الطلب على النفط، على وجه التحديد، والطاقة بشكل عام، وركود الاقتصاديات العالمية".
ورجح عايش أن "تتجه الأوضاع الاقتصادية العالمية نحو الركود أو نحو حالة من عدم الاستقرار السلبي، التي يمكن أن تؤثر على قدرة بعض دول الخليج في الاستمرار بإقامة المشروعات الاقتصادية الكبرى، وغيرها من المشروعات التي كانت تخطط لها أو بدأتها في عامي 2021 و2022".
وأشار عايش إلى "حاجة دول الخليج إلى تنويع الأسواق التي تصدر لها النفط والغاز، مع الاستثمار بنسبة أكبر في مشاريع الأمن الغذائي في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية".
وأكد عايش أن "الدول الخليجية تملك القدرة والإمكانية، بما توفر لها من دخل من العام 2022، لأن تفكر بإقامة شراكات استثمارية، مع دول عربية أخرى، إضافة إلى الاستمرار في توجهها نحو توسيع المشاركة مع الصين، بما يفتح لها مجالات لنوعيات جديدة من الاستثمارات في مجالات مختلفة، خاصة مجال التقنية الرقمية والطاقة النظيفة".
ودعا عايش دول الخليج إلى "التفكير في التبادل الاستثماري، بمعنى أن تخطط الحكومات الخليجية لاستثمارات ذات عائد مشترك"، مؤكداً أن "دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة إلى أن تنتقل من مرحلة النماذج الاقتصادية الخاصة بكل واحدة منها، إلى توحيد رؤاها الاقتصادية وفق مجموعة من المشاريع ذات العلاقة التشابكية، خاصة في مجالي الأمن الغذائي والطاقة".
وشدد على أن "من شأن ذلك خلق كيانات اقتصادية كبرى تؤثر في المشهد الإقليمي والعالمي، وحفاظ دول الخليج، إلى حد كبير، على اقتصاداتها من التداعيات المترتبة على المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد العالمي".