في كازاخستان، صاحبة أكبر اقتصاد في منطقة آسيا الوسطى، وإحدى أكبر الدول صاحبة الاحتياطيات النفطية، خرجت احتجاجات واسعة اعتراضاً على قرار حكومي بزيادة أسعار الغاز الطبيعي المسال الذي يعد المصدر الأول للوقود وتوليد وإنتاج الكهرباء، ومصدر الطاقة الرئيسي لطهي الطعام داخل البيوت والمخابز والمطاعم والمحال التجارية.
زيادة الأسعار بنسبة 100% جرت بلا مبرر، كما قال المتظاهرون، خصوصاً أنّ البلاد غنية أصلاً بمصادر الطاقة، سواء النفط أو الغاز الطبيعي، وتملك احتياطات نفطية تضعها بين أكبر 15 دولة نفطية.
بدأت حركة الاحتجاجات الحاشدة يوم الأحد الماضي في مدينة جاناوزن الواقعة في غرب البلاد، قبل أن تمتد إلى مدينة أكتاو الكبيرة الواقعة على بحر قزوين، ثم إلى العاصمة ألماتي.
وقبلها اندلعت في منطقة مانجيستاو التي تعتمد على الغاز الطبيعي المسال كمصدر رئيسي لوقود السيارات، وبعدها امتدت الاحتجاجات إلى جميع أنحاء البلاد.
زيادة الأسعار غير مبررة خصوصاً أنّ البلاد غنية أصلاً بمصادر الطاقة، سواء النفط أو الغاز، وتملك احتياطات نفطية تضعها بين أكبر 15 دولة نفطية
وبعدما كانت التظاهرات تطالب فقط برحيل الحكومة، تعالت الأصوات لتطالب برحيل الرجل العجوز والمستبد الأول في البلاد وهو الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف، داعم الرئيس الحالي، وصاحب النفوذ الكبير في كازاخستان، حيث لا يزال يهيمن على دوائر صنع القرار، رغم إعلانه تنحيه عن منصب رئيس البلاد في 20 مارس 2019، ولا يزال يتولى منصب رئيس مجلس الأمن القومي.
دائرة الاحتجاجات الغاضبة اتسعت يوما بعد يوم، وخاصة أنّ زيادة سعر الوقود أدت مباشرة إلى ارتفاع الأسعار داخل الأسواق التجارية، خاصة السلع التموينية والمنتجات الغذائية، وزيادة كلفة المواصلات وشحن البضائع والسلع، ورفع كلفة الإنتاج.
وبالتالي التأثير سلباً على الأوضاع المعيشية والمالية للمواطن الذي يعاني أصلاً من موجة تضخم بسبب انخفاض قيمة العملة الوطنية (التنغي)، وزيادة الضرائب والرسوم، وتراجع الإيرادات العامة بسبب انخفاض أسعار النفط، والأزمة الاقتصادية في روسيا التي تسيطر شركاتها على الاقتصاد في كازاخستان.
وعلى الرغم من ممارسة الشرطة العنف ضد المحتجين شأن كلّ النظم الاستبدادية حول العالم، وتعطيل وسائل التواصل الاجتماعي، وحجب مواقع وسائل الإعلام المستقلة، فإنّ التظاهرات أجبرت رئيس الدولة، قاسم جومارت توكاييف، على إقالة الحكومة، ومع ذلك لم تتوقف التظاهرات التي قمعتها الشرطة اليوم الاربعاء بالقنابل الحارقة.
تظاهرات كازاخستان بروفة مصغرة لما يمكن أن يحدث في عشرات الدول خلال العام الجاري، مع استمرار زيادة أسعار الغذاء والوقود
ما حدث في كازاخستان خلال الأيام الماضية هو بروفة مصغرة لما يمكن أن يحدث في العديد من دول العالم خلال الفترة المقبلة، فمع استمرار تفشي وباء كورونا، وزيادة أسعار الغذاء والوقود، وارتفاع موجات التضخم في العالم لمعدلات غير مسبوقة، وزيادة كلفة الاقتراض الخارجي، ورفع سعر الفائدة على الدولار والعملات الرئيسية، وإصرار الحكومات على الحلول السهلة لمعالجة الأزمات الاقتصادية، وزيادة الأسعار والضرائب والاغتراف من جيب المواطن.
هنا سيخرج المواطن حتماً للشارع ثائراً على الحكومات التي أخفقت في كبح جماح تضخم الأسعار، وتوفير حياة كريمة له، وتدبير سلع وخدمات بأسعار تناسب دخله، وقد تتسع رقعة تلك التظاهرات لتمتد للأنظمة الحاكمة نفسها، كما حدث في العديد من دول العالم، ومنها ثورات الربيع العربي في العام 2011.