بينما تتأهب القاهرة وعمان وبيروت لإيصال الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي السورية، أعلن نظام بشار الأسد، عن تعرض خط غاز حيوي في منطقة "دير علي" في ريف دمشق جنوب البلاد، إلى هجوم، ما تسبب في انقطاع الكهرباء بشكل تام عن دمشق وضواحيها ومناطق عدة من البلاد، بينما يعد الخط ذاته أحد ممرات وصول الغاز المصري إلى لبنان، الأمر الذي أثار شكوكاً حول طبيعة "الهجوم" الذي لم يكشف النظام السوري عن تفاصيله، ما دعا مصادر إلى القول إنه ربما تكون هناك رسائل من وراء "الحادث الغامض"، لا سيما أن تأثيراته لم تدم سوى بضع ساعات.
فقد نقل التلفزيون الرسمي، عن وزير الكهرباء غسان الزامل قوله، الجمعة، إن انخفاضاً كبيراً ومباشراً في ضغط الغاز أدى إلى خروج محطة توليد دير علي، التي تغذي أكثر من 50% من الشبكة، نتيجة "اعتداء" لم تُعرف بعد تفاصيله، مضيفا أن الكهرباء ستعود إلى دمشق خلال ساعة، ومن ثم باقي المناطق تدريجياً.
لكن مصادر سورية شككت في رواية حكومة بشار الأسد، حول أسباب انقطاع التيار الكهربائي في عموم المناطق التي يسيطر عليها النظام جنوبي البلاد، لا سيما أن منطقة محطة "ديرعلي" في ريف دمشق خالية من أي جماعات يصفها النظام بالإرهابية، بل المنطقة برمتها تحت سيطرة النظام والمليشيات الإيرانية.
ورأت المصادر أن "ثمة رسائل يريد نظام الأسد إيصالها إلى دول خط الغاز العربي، بعد الاتفاق قبل أيام على نقل الغاز المصري إلى لبنان بهدف إنتاج الكهرباء هناك".
إنتاج سورية من النفط تراجع من 350 ألف برميل يوميا عام 2011 إلى نحو 30 ألف برميل حالياً من الحقول التي يسيطر عليها النظام حاليا، فيما كان استهلاك البلاد يقدر بنحو 150 ألف برميل يومياً
ففي الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري، اتفق وزراء الطاقة في الأردن ومصر وسورية ولبنان، في اجتماع عقدوه في العاصمة الأردنية عمّان، على خريطة طريق لنقل الغاز المصري براً إلى لبنان الغارق في أسوأ أزماته المعيشية والاقتصادية.
وجاء الاجتماع الرباعي بعد أيام من زيارة أجراها وفد لبناني رسمي إلى دمشق، هي الأولى منذ اندلاع الحرب في سورية قبل نحو 10 سنوات، حيث أعلن النظام السوري عن ترحيبه بمرور الإمدادات إلى لبنان عبر الأراضي السورية، وهو ما أكده وزير النفط والثروة المعدنية في النظام السوري بسام طعمة خلال الاجتماع الرباعي لاحقا.
ووصول الغاز المصري إلى لبنان يقتضي أن يمر عبر خط يمر بالأساس من عدة محطات حرارية لتوليد الكهرباء في سورية هي: "دير علي" بالقرب من دمشق، و"تشرين" في اللاذقية، إضافة إلى مروره بشركة "الريان" لضغط الغاز في حمص.
ولم يستبعد الخبير النفطي السوري، عبد القادر عبد الحميد، أن يكون "قطع التيار الكهربائي ليل السبت مسرحية بتوقيت مهم" على حد تعبيره، مشيراً خلال اتصال هاتفي مع "العربي الجديد" إلى "خلو المنطقة من أي مسلحين أو معادين لنظام الأسد، وبالتالي من أين جاء الاعتداء؟".
وأضاف عبد الحميد: "ربما تكون مليشيات تابعة لإيران وهي موجودة بكثافة في مناطق جنوب العاصمة السورية ضالعة في الأمر، لا سيما أن إيران أكثر المتضررين من نقل الغاز المصري إلى لبنان".
وسبق أن تحدث مصدر سوري مطلع مع "العربي الجديد" حول أن "إيران لن تدع اتفاق إيصال الغاز المصري إلى لبنان يمر بسهولة"، مشيرا إلى أن الاتفاق يضر بمخطط إيران إحياء مشروع لتصدير النفط والغاز عبر أنابيب تمر بالأراضي العراقية إلى ميناء بانياس السوري المطل على البحر المتوسط، ومن ثم إلى لبنان ووجهات أخرى منها أوروبا.
في السياق، قال الخبير الاقتصادي السوري، سمير سعيفان: "ستتعمد إيران إعاقة نقل الغاز العربي إلى لبنان لتبقى مصدر الطاقة والمتحكمة في دول المنطقة عبر الغاز والنفط"، مضيفاً لـ"العربي الجديد" أن "شماعة الإرهاب جاهزة لدى نظام الأسد، للتغطية على أي حقيقة ومخطط، ولن تعلن وزارة النفط عن سبب تراجع ضغط الغاز وانقطاع الكهرباء".
ومثلما تواجه لبنان أزمة خانقة في الوقود، تعاني سورية أيضا من أزمة طاقة حادة. ومنذ سنوات تشهد مناطق سيطرة النظام ساعات تقنين طويلة. وتفاقمت أزمة الكهرباء في الأشهر الماضية، مع وصول ساعات التقنين إلى نحو عشرين ساعة يومياً، فيما رفع نظام الأسد أسعار المحروقات مرات عدة منذ اندلاع الثورة، بعد أن تراجع إنتاج سورية من النفط من 350 ألف برميل يوميا عام 2011 إلى نحو 30 ألف برميل حالياً من الحقول التي يسيطر عليها النظام حاليا، فيما كان استهلاك البلاد يقدر بنحو 150 ألف برميل يومياً.
وتفتقر سورية إلى الغاز الطبيعي اللازم لتوليد الكهرباء وبعض المنشآت الاقتصادية، إذ تبلغ حاجة البلاد، بحسب تصريح سابق لمدير شركة المحروقات الحكومة "سادكوب"، مصطفى حصوية، نحو 1400 ألف طن يومياً، يتوفر منها 250 ألف طن فقط.
وسبق أن أكد وزير النفط والثروة المعدنية في النظام السوري بسام طعمة أن سورية "ستستفيد من إعادة تفعيل خط الغاز من خلال الحصول على كميات من المادة لدعم توليد الطاقة الكهربائية".
وجاء الهجوم على خط الغاز المغذي لمحطة كهرباء دير علي في دمشق، في الوقت الذي رجت فيه مصادر أردنية أن يصل الغاز المصري إلى لبنان في غضون بضعة أسابيع.
وقال الرئيس السابق للجنة الطاقة في مجلس النواب الأردني موسى هنطش لـ"العربي الجديد" إن تزويد لبنان بالغاز المصري عبر الأراضي الأردنية والسورية يؤسس لتعاون اقتصادي عربي أشمل بين البلدان الأربعة خلال الفترة المقبلة كما يدعم جهود التنمية الاقتصادية في كل منها استناداً إلى توفر الطاقة واستدامتها وبأسعار معقولة.
وأضاف هنطش، أنه بالتوازي مع الإجراءات الخاصة بضخ الغاز المصري إلى لبنان سيتم العمل على تزويد لبنان بالكهرباء من الأردن أيضا لمساعدته على إيجاد حلول عاجلة ودائمة لمشكلة الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي المتكرر، مشيرا إلى أن الأردن سيحقق كما هو حال البلدان الأخرى فائدة كبيرة من حيث بيع الكهرباء والحصول على بدل مرور خط الغاز.
في السياق، توقع الخبير في قطاع الطاقة الأردني، هاشم عقل، أن يبدأ ضخ الغاز المصري إلى لبنان عبر الأراضي الأردنية والسورية خلال ستة أسابيع، حيث تواصل اللجان الفنية عملها حالياً لاستكمال الإجراءات اللازمة لصيانة الخط الناقل وتهيئته داخل الأراضي اللبنانية والتأكد من جاهزية كافة تقنيات النقل ليتم الضخ بالسرعة الممكنة.
وقال عقل لـ"العربي الجديد" إن هناك موافقة من البنك الدولي لتمويل مشتريات الغاز من مصر وتمويل عمليات الصيانة وإعادة تأهيل أبراج الكهرباء وأنابيب الغاز.