تكافح أغلب الدول العربية غير الخليجية للخروج من أزماتها الاقتصادية، والابتعاد عن مصيدة الديون التي تورطت فيها خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التغيرات الحادثة في ملف الحبوب الغذائية، وفي مقدمتها عدم تجديد اتفاق البحر الأسود لتصدير الحبوب، تسير باتجاه ربما يتسبب في زيادة تورط هذه الدول في الاقتراض، الذي سيكون هذه المرة مبرراً.
وأثار إعلان روسيا الانسحاب من الاتفاق مشاعر الخوف والهلع في الدول المستوردة للحبوب، التي يتألم كثير منها بالفعل تحت وطأة التضخم والصدمات المناخية والصراعات.
واليوم الخميس، قفزت العقود الآجلة للقمح في بورصة شيكاغو بأكثر من 2%، لتبلغ أعلى مستوى في ثلاثة أسابيع، مدعومة بهجمات روسية على موانئ أوكرانية، تسببت في أضرار للبنية التحتية لأحد أكبر مصدري الحبوب في العالم. وارتفعت أسعار القمح بأكثر من 12% منذ يوم الاثنين الماضي، وفقاً لبيانات موقع "إنفستينغ".
ومع انتهاء الاتفاق، حذرت كل من أوكرانيا وروسيا السفن المتجهة إلى موانئ كل دولة منهما من احتمال التعامل معها كأهداف حربية، ما دعا صندوق النقد الدولي إلى التحذير من ارتفاع أسعار الغذاء خلال الفترة القادمة.
وأسهم اتفاق حبوب البحر الأسود الذي توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا في يوليو/تموز 2022 في خفض أسعار الأغذية العالمية، وسمح لمنظمات الإغاثة بالحصول على مئات آلاف الأطنان من الأغذية في وقت تزايدت فيه الاحتياجات وشح فيه التمويل.
مصر
واليوم الخميس، قال وزير التموين المصري علي المصيلحي إن القاهرة ستوقع على اتفاقية تسهيل قرض متجدد بقيمة 100 مليون دولار مع صندوق أبوظبي للتنمية لتمويل مشترياتها من الحبوب.
وستكون شركة الظاهرة للأعمال الزراعية، ومقرها أبوظبي من أوائل جهات التوريد في إطار الاتفاقية، لكن الوزير قال إن التمويل قد يستخدم لمشتريات أخرى، وفقاً لما نقلته "رويترز".
وذكرت مصادر مطلعة على الاتفاقية لـ"رويترز" أن تسهيل القرض سيكون عبر مكتب أبوظبي للصادرات، التابع لصندوق أبوظبي للتنمية.
وبدأت الهيئة العامة للسلع التموينية، المشتري الحكومي للحبوب في مصر، في تأجيل سداد مدفوعات مشتريات القمح بسبب الأزمة الحادة في العملة، كما جاء في تصريحات سابقة للمصيلحي.
وأضاف المصيلحي أن رفض روسيا تجديد اتفاق الحبوب الذي توسطت فيه الأمم المتحدة لم يكن نبأ سعيدا، مضيفا أنه سيكون له تأثير على الأسعار والشحن والتأمين في العالم.
لكنه قال إن مصر قادرة على تنويع مشترياتها ولديها من احتياطيات القمح ما يكفي لمدة 5.2 أشهر.
وأشار المصيلحي أيضاً إلى أن مصر تجري حالياً محادثات مع الإمارات العربية المتحدة للحصول على تمويل بقيمة 400 مليون دولار، لمساعدتها في شراء القمح.
وقالت وزارة المالية المصرية إن تمويل دعم الغذاء، الذي يذهب معظمه للخبز، سيزيد 41.9% إلى 127.7 مليار جنيه (4.1 مليارات دولار) في السنة المالية من يوليو/تموز 2023 إلى يونيو/حزيران 2024.
وجرى الكثير من صفقات شراء القمح في مصر في الآونة الأخيرة عن طريق قروض من المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة، التي رفعت العام الماضي تسهيلا ائتمانيا لمصر إلى مثليه ليصل لستة مليارات دولار، وكذلك من البنك الدولي الذي مول واردات قمح في وقت سابق من العام الحالي.
وتعد مصر من أكبر مستوردي القمح في العالم، وتشتري نحو خمسة ملايين طن قمح سنويا من الخارج.
وتوفر الحكومة الخبز المدعوم، الذي يمثل مسألة حساسة من الناحية السياسية، لأكثر من 70 مليونا من عدد السكان البالغ 104 ملايين نسمة.
وأظهر مساعد وزير التموين المصري إبراهيم العشماوي، في تصريحات متلفزة، لجوء الحكومة إلى تنويع مصادر استيراد القمح، منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، قائلا: لقد تعلمنا الدرس من الأزمات التي سببتها الحرب وعرضت البلاد لتوقف مفاجئ لوارداتها من السلع الاستراتيجية.
وبين العشماوي استيراد القمح من 22 منشأ دوليا حاليا، في وقت وقعت فيه الحكومة اتفاقا مسبقا مع مزارعي القمح يمنحهم حرية توريد الإنتاج إلى الحكومة بسعر ارتفع من 855 جنيها إلى 1500 جنيه للأردب (الطن = 6.6 أردب).
تونس
وأمس الأربعاء، حصلت تونس، على تمويل من البنك الأفريقي بقيمة 87 مليون دولار، سيخصص لتأمين التزود بالحبوب والشعير العلفي، بينما تعاني البلاد من أزمة تزود بالدقيق الموجه لصناعة الخبز ونقص في العجائن الصناعية.
ووقع وزير الاقتصاد والتخطيط التونسي سمير سعيد، والمديرة العامة المساعدة للمكتب الإقليمي للبنك الأفريقي للتنمية مالين بولومبارغ، على اتفاقية تمويل بين الجمهورية التونسية والبنك بقيمة 87.1 مليون دولار، أي ما يناهز 267 مليون دينار تونسي.
وقالت وزارة الاقتصاد والتخطيط، في بيان على صفحتها الرسمية في "فيسبوك"، إنّ "هذا التمويل يندرج في إطار المساهمة في مشروع التطوير المندمج والمستدام لمنظومة الحبوب في تونس، الذي يهدف إلى تأمين التزود بالقمح والشعير العلفي، إلى جانب تطوير البني التحتية واللوجستية الخاصة بتخزين الحبوب ودعم قدرات الفاعلين في المنظومة".
الصومال
هبطت أسعار القمح بنسبة 25% تقريبا كنتيجة لتوقيع اتفاق تصدير الحبوب العام الماضي، بعد أن كانت قد زادت إلى المثلين عندما غزت روسيا أوكرانيا.
وفي أعقاب إعلان روسيا عن عدم تجديد الاتفاق، شعر الجميع في البلد الفقير بالفزع، بدءا من التجار، ومرورا بالخبازين، ووصولا لضحايا الصراعات المسلحة في البلاد.
وتوقع بعض المتعاملين في مقديشو أن يرتفع سعر الجوال الواحد من القمح زنة 50 كيلوغراما من 20 دولارا في الوقت الحالي إلى قرابة 30 دولارا.
وأظهرت بيانات تجارية من الأمم المتحدة أن الصومال تسلمت 84 ألف طن من القمح من أوكرانيا في 2022، صعودا من 31 ألف طن في 2021، وذلك في ظل تكثيف المانحين مساعداتهم للتصدي لمجاعة تلوح في الأفق في مناطق بعينها.