دول الخليج مستمرة بتحقيق فوائض مالية في 2023 وسط ارتفاع أسعار النفط والغاز

04 ابريل 2023
توقعات بتحقيق فوائض مالية للخليج في 2023 أقل من 2022 (Getty)
+ الخط -

 سجلت الأرقام الرسمية لميزانيات دول الخليج في عام 2022 تحقيق فائض كبير، وسط توقعات باستمرار ذلك خلال العام الجاري 2023 مع تواصل ارتفاع أسعار النفط والغاز.

ووفقا لمدير البحوث الاقتصادية بالمركز العالمي للدراسات التنموية صادق الركابي، فإن تحقيق هذا الفائض يعود إلى التداعيات الاقتصادية لاندلاع الحرب الأوكرانية، وعلى رأسها أزمة انقطاع إمدادات الطاقة، وتزامن ذلك مع خفض لإنتاج تكتل منظمة الدول المصدرة للبترول وحلفائها (أوبك+)، ما أدى إلى مخاوف من وجود نقص في المعروض، دفع سعر النفط إلى الارتفاع.

طفرة النفط والغاز

وسجلت السعودية فائضاً بالميزانية لعام 2022 بلغ 102 مليار ريال (حوالي 27 مليار دولار)، كما حققت المملكة فائضاً تجارياً بقيمة 832.8 مليار ريال في عام 2022، بزيادة 80% عن عام 2021، ويتوقع أن يستمر الفائض في 2023.

وفي قطر، حققت الميزانية لعام 2022 فائضاً فعلياً قدره 89 مليار ريال (24.34 مليار دولار) بزيادة ضخمة عن عام 2021، الذي سجلت بيانات الوزارة حجم الفائض فيه بمقدار 1.59 مليار دولار فقط.

وتوقع تقرير حديث لشركة "برايس ووترهاوس كوبرز" العالمية تحقيق فائض تقديري في موازنة قطر لعام 2023 يوازي 16% من الناتج المحلي الإجمالي.

ورجحت وكالة التصنيف الائتماني العالمية "كابيتال انتليجنس" تحقيق الاقتصاد القطري متوسط نمو بواقع 3% خلال عامي 2023 و2024.

ولأن طفرة أسعار الغاز مرشحة للاستمرار، مع استمرار الحرب في أوكرانيا ووقف إمدادات الغاز الروسي إلى الغرب، تصب أغلب التوقعات باتجاه مواصلة تحقيق فائض بميزانية قطر لعام 2023.

وحققت الميزانية الاتحادية للإمارات فائضاً أولياً خلال الربع الأخير 2022 قدره 22.8 مليار درهم (6.2 مليارات دولار)، وسط تحسن ملحوظ في الإيرادات.

وحققت عُمان فائضاً بنحو 1.146 مليار ريال (نحو 3 مليارات دولار) في ميزانية 2022.

وتشير التوقعات إلى أن الموازنة الكويتية للعام المالي 2022-2023، والتي انتهت في مارس/آذار الماضي، قد حققت فائضاً قيمته 6.262 مليارات دينار (نحو 20.5 مليار دولار).

كما انخفض عجز موازنة البحرين للعام الماضي بنسبة 85% بحسب تقديرات أولية أعلنتها وزارة المالية البحرينية في فبراير/ شباط الماضي.

تهديد وفرصة

لكن على الرغم من توقع هذه الفوائض المالية في ميزانيات دول الخليج خلال العام الجاري، فإن السعودية جمعت 10 مليارات دولار من بيع سندات في أوائل يناير/ كانون الثاني الماضي، في أكبر صفقة سيادية في الأسواق الناشئة منذ ما يقرب من 3 سنوات. فلماذا تقترض السعودية إذن؟

يجيب الرئيس التنفيذي للمركز الوطني السعودي لإدارة الدين هاني المديني، بالتأكيد على أن المملكة "تتمتع بملاءة مالية قوية للغاية"، مشيراً إلى أن الاقتراض يستهدف "تسريع وتيرة تنفيذ أهداف رؤية المملكة 2030"، وفقاً لما أوردته وكالة "بلومبيرغ". 

غير أن الركابي يشير إلى سبب آخر، وهو أن إيرادات النفط والغاز لعام 2023 لن تكون بمستوى 2022، وسط توقعات بتراجع الطلب على النفط في الدول الصناعية المتقدمة بعد الفورة التي تحققت بعد الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي.

ويلفت الرئيس التنفيذي للمركز الوطني السعودي لإدارة الدين، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى عامل آخر لتراجع الطلب المتوقع على النفط، وهو التراجع النسبي للإنتاج الصناعي في أوروبا، تزامناً مع استمرار عملية تحسين كفاءة الطاقة في دول القارة العجوز، ومحاولات تنويع مصادر الطاقة بعيداً عن الوقود الأحفوري، ولذا يتوقع الركابي أن تستمر أسعار الطاقة بالارتفاع، خاصة بعد عودة الطلب الصيني، عقب انتهاء إغلاق كورونا، لكن بمستويات أقل مما كانت عليه قبل نحو عام، ما يعني تحقيق دول الخليج فوائض مالية في عام 2023، لكن أقل كثيراً من مستوى 2022.

توظيف الفائض

ويشدد الخبير الاقتصادي محمد الناير، على ضرورة توظيف الفائض المالي في دول الخليج بشكل جيد، و"إلا فإن استمرار حالة الرخاء المالي الحالية ليس مرجحاً". 

ويوضح الناير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "الوقود الأحفوري لن يكون ذا جدوى للإيرادات في المستقبل، كما هو الحال حالياً، في ظل اتجاه عالمي نحو أنواع الوقود النظيف، إضافة إلى أن استمرار تأثير الحرب الأوكرانية ليس مؤكداً على المدى الطويل".

وحتى في حال استمرار تداعيات الحرب في 2023، لا يرجح الخبير الاقتصادي أن تسفر عن فوائض مالية تضاهي فوائض 2022، "فكلما طال وقت الحرب كلما قلّ اليقين باستمرار مسببات تلك الفوائض المالية، بخلاف الوضع في بداية 2022، حيث صبت التوقعات العالمية آنذاك إلى استمرار التداعيات الاقتصادية لمدى شهور قادمة"، حسب قوله.  

ويشير الناير، في هذا الصدد، إلى أن حالة من "التكيف" مع تداعيات الحرب الأوكرانية أصبحت واقعاً عالمياً الآن، ما يعني أن استمرار الحرب لا يعني بالضرورة تحقيق معدلات الفائض المالي السابقة نفسها، خاصة على مستوى قطاع الطاقة. 

والأقرب، فيما يرجح الناير، هو استمرار تأثر سلاسل الإمداد العالمية، خاصة إمداد المواد الغذائية والحبوب، دون التأثير ذاته في قطاع الطاقة، وبالتالي لا مجال لتأثير كبير على إيرادات النفط والغاز.

وأضاف المتحدث ذاته أنه "يجب على دول الخليج تعزيز الاحتياطيات لديها بما يضمن لها الاستقرار المالي خلال الفترة المقبلة، خاصة أن ملامح نظام اقتصادي دولي جديد آخذة في التشكل، وهو نظام متعدد الأقطاب، لا تديره الولايات المتحدة الأميركية بمفردها".

تراجع غير مؤثر

ورغم المؤشرات على انحسار الفائض المالي في 2023، فإن الخبير في الاقتصاد السياسي أحمد ياسين يخالف التوقعات بحدوث تراجع كبير، بصرف النظر عن مآل الحرب في أوكرانيا، مستنداً في ذلك إلى إفادة المؤشرات إلى استمرار العقوبات الاقتصادية على روسيا خلال العام الجاري. 

ويشير ياسين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن العقوبات الغربية ضد الاقتصاد الروسي بلغت 13 ألف عقوبة شملت أشخاصاً وشركات، وآثارها ستمتد على الأرجح فترة العام الجاري، وإن لم يكن بمقدار العام الماضي. 

بل إن ياسين يتوقع امتداد هذا الأثر لأعوام مقبلة، في ظل فقدان أوروبا لعامل الأمان والاستقرار الخاص بالطاقة، ما دفعها إلى تأمين بديل للإمدادات الروسية، وهو البديل الذي تمثل دول الخليج موقع الصدارة فيه.

ويؤيد المستشار المصرفي والخبير الاقتصادي علي أحمد درويش توقعات ياسين، لافتاً إلى أن دول الخليج العربية أصبحت بمثابة "ملاذ آمن" لكثير من الاستثمارات حول العالم، بعد حرب أوكرانيا، بما فيها غير النفطية، حسبما صرح لـ"العربي الجديد". 

ولفت درويش إلى أن السعودية قطعت شوطاً معتبراً في تنويع اقتصادها، ما يؤشر إلى أن الانخفاض المتوقع في أسعار النفط هذا العام لن يلغي هامش الفائض من ميزانية المملكة. 

كما أن عام 2022 كان فارقاً بالنسبة لقطر، من زاوية "إطلاق أفق الاستثمار خارج نطاق قطاع الغاز، وتحديداً الاستثمار الرياضي، الذي قدمت به الدوحة نموذجاً لفرص التنويع الاقتصادي الممكنة"، بحسب درويش.

المساهمون