دلالات ورسائل تعيين امرأة محافظاً لمصرف سورية المركزي

02 يناير 2025
الدكتورة ميساء صابرين - مصرف سوريا المركزي (تويتر).jpg
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تعيين ميساء صابرين كمحافظ لمصرف سورية المركزي يمثل خطوة تاريخية في تعزيز مكانة المرأة في المناصب القيادية، ويعكس رغبة السلطات في تمكين المرأة في المجتمع السوري.
- السلطات السورية تسعى لتحقيق استقلالية البنك المركزي عن السلطة السياسية، مع التركيز على استقرار الاقتصاد وحماية العملة المحلية، دون تغيير جذري في نشاط البنك.
- التعيين يهدف إلى الاستفادة من الخبرات السابقة لدعم استقرار المؤسسات المالية، مع التركيز على مكافحة الفساد وتحسين وضع الليرة السورية من خلال تعزيز الاحتياطي الأجنبي.

كلّفت السلطات السورية الجديدة ميساء صابرين بمنصب محافظ مصرف سورية المركزي، لتكون بذلك أوّل امرأة تتولّى هذا المنصب المرموق ليس في سورية وحدها بل في المنطقة العربية، حيث لم يسبق لامرأة أن تولت عربيا هذا المنصب بالغ الأهمية الذي يصنف بأنه الأهم بعد منصب رئيس الدولة ورئيس الوزراء، بل يفوق في قيمته ودوره السياسي والاقتصادي مهام وزراء المجموعة الاقتصادية، بما فيها المالية والصناعة والسياحة والتجارة والزراعة وغيرها. وعبر هذا القرار المفاجئ للكثيرين أرادت السلطات السورية الجديدة في دمشق إرسال عدة دلالات ورسائل ليس فقط للسوريين بل للمجتمع الدولي.

الرسالة الأولى والأهم هي احترام مكانة المرأة في سورية الجديدة، فالمرأة يمكن أن تتولى مناصب رفيعة، وزيرة ومحافظ بنك مركزي ومحافظ لمدينة كبيرة مثل السويداء وسفيرة كما جرى في الأيام الماضية، بل يحق لها أن ترشح نفسها في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهذا رد عملي على كل المشككين سواء في نوايا السلطات الجديدة، أو بعدم أهلية المرأة السورية لتبوُّء أعلى المناصب القيادية بما فيها رئيس الدولة.

السلطات السورية الجديدة تريد استقلالا تاما للبنك المركزي عن السلطة والقرار السياسي والمشهد العام، كما يحدث في الدول المتقدمة والاقتصادات الكبرى

الرسالة الثانية لتعيين ميساء صابرين، وهي غاية في الأهمية أيضا، تكمن في أن السلطات السورية الجديدة تريد استقلالا تاما للبنك المركزي عن السلطة السياسية والقرار السياسي والمشهد العام، كما يحدث في الدول المتقدمة والاقتصادات الكبرى، ولذا لم تعين واحداً من المحسوبين عليها، عكس ما جرى مع وزارات أخرى مثل الخارجية والدفاع والصحة ورئاسة الحكومة الانتقالية، بل جاءت بامرأة كانت تتولى منصبا رفيعا خلال حكم النظام القديم، وهي بكل تأكيد كانت محسوبة على هذا النظام وتؤيده، وهذا يعني أنه لا تعديل في نشاط البنك المركزي السوري الذي يعد عصب الاقتصاد، والمسؤول عن حماية الدولة ماليا واقتصاديا، ودعم استقرار عملتها المحلية الليرة، والمحافظة على مدخرات المجتمع وأموال المودعين.

الرسالة الثالثة هي أن إسقاط النظام السابق بقيادة بشار الأسد لا يعني قطع العلاقات كليا مع الخبرات والكوادر التي كانت تخدم الدولة خلال فترة هيمنة هذا النظام القمعي والمجرم، فالدكتورة ميساء صابرين كانت تتولى منصب النائب الأول لمحافظ سورية المركزي منذ العام 2018، ولديها خبرة مصرفية طويلة وعلاقات قوية سواء مع أجهزة الحكومة الرسمية أو القطاع المصرفي والبورصة والعقارات بحكم موقعها، وحاصلة على درجة الدكتوراة في المحاسبة.

الرسالة الرابعة هي أن السلطات السورية الجديدة ترغب في دعم استقرار العمل داخل المؤسسات الحساسة وفي مقدمتها مصرف سورية المركزي والبنوك والمؤسسات المصرفية والمالية، وعدم حدوث اضطرابات قد ثير قلق المودعين وأصحاب المدخرات، ولذا قررت الاستعانة بخبرات المشرفين بالفعل على دولاب العمل داخل تلك المؤسسات والذين يمتلكون خبرة طويلة في إدارة السياسة النقدية والدين العام والرقابة على البنوك وأسواق الصرف والتنسيق مع السياسات المالية والاقتصادية للدولة وغيرها.

ميساء صابرين لديها فرصة ذهبية في أن تثبت للجميع أن المرأة السورية التي وقفت إلى جانب الرجل في ثورته ضد نظام الأسد القمعي ولمدة تقارب 13 سنة قادرة على قيادة أهم المواقع حساسية وأهمية وهو مصرف سورية المركزي، إلى جانب التأثير في مواقع أخرى منها البورصة ومجلس النقد والتسليف وهيئة التمويل العقاري وغيرها.

على ميساء رمضان البدء فورا في إعادة هيكلة القطاع المصرفي السوري، وتخليصه من الفساد والمحسوبية والديون المتعثرة، ووقف القروض السياسية

ولذا عليها البدء فورا في إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وتخليصه من الفساد والمحسوبية والديون المتعثرة، ووقف القروض السياسية والتي كانت تمنح بالتيلفون وبضغوط وتعليمات من رموز نظام الأسد والشخصيات النافذة، وساهمت في تأزيم الوضع داخل القطاع المصرفي وزيادة حجم الديون المشكوك في تحصيلها به. وقبلها تخليص القطاع من القيادات المصرفية المرتشية والفاسدة، أو التي ساهمت في تهريب أموال رموز النظام السابق.

كما أن مهمتها في إعادة الاعتبار لليرة السورية المنهارة تمثل أولوية قصوى، لكن هذه المهمة صعبة، لأنها بحاجة إلى إعادة بناء الاحتياطي الأجنبي المنهار لدى الدولة، وتنشيط موارد الدولة الدولارية من صادرات وسياحة واستثمارات أجنبية وتحويلات خارجية، وملاحقة الأموال المنهوبة في بنوك العالم، وهذه مسؤولية أجهزة دولة وليس مهمة البنك المركزي السوري فقط.

المساهمون