في حال غزوها روسيا ...ماهي نقاط الخلاف بين أميركا وأوروبا حول عقوبات روسيا؟

10 فبراير 2022
مشاورات بين بايدن والمستشار الألماني شولتز في واشنطن حول أوكرانيا (Getty)
+ الخط -

ما زالت النقاشات جارية بين أوروبا والولايات المتحدة حول القائمة التي سيشملها الحظر المتوقع على روسيا في حال غزوها أوكرانيا.

ووفق مراقبين، فإنّ قائمة الحظر تأخذ في الاعتبار مجموعة من المصالح الاقتصادية والمالية المشتركة بين واشنطن وبروكسل ولندن، ودراسة كيفية ضرب مصالح الحكومة الروسية دون استعداء المواطن الروسي أو دفع الاقتصاد الروسي للاعتماد بدرجة قصوى على الصين، وبالتالي المساهمة في تمتين التحالف القائم بين موسكو وبكين.

وعلى الرغم من أنّ الجانبين الأميركي والأوروبي يرغبان في فرض عقوبات مدمرة للاقتصاد الروسي، لكنّهما يتخوفان من العواقب السلبية للحظر المقترح على النمو الاقتصادي في أوروبا وأميركا، وكذلك من احتمال إحداث تداعيات مدمرة للاستقرار المالي العالمي وأسواق المال الغربية.

وحتى الآن، تتناول قائمة الحظر الغربية المقترحة تعليق الترخيص لأنبوب الغاز "نورد ستريم ـ 2" الذي ينقل الغاز الروسي لأوروبا، وبالتالي حظر تشغيله، حسب ما صرح بذلك الرئيس الأميركي جو بايدن يوم الأثنين.

وحسب المعلومات التي رشحت من واشنطن حتى الآن، تركز المشاورات بين الحلفاء على أربع نقاط جوهرية، وهي حظر البنوك التجارية ومؤسسات الدولة وصندوق الاستثمار الروسي وحظر التعامل في سندات الدين الروسية، إلى جانب حظر روسيا من التعامل في نظام التحويلات "سويفت".

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

بشأن البنوك التجارية، يرى الخبير الأميركي إدوارد فيشمان، الذي عمل سابقاً بوحدة الحظر في وزارة الخارجية الأميركية أنّ "أفضل وسيلة لمعاقبة بوتين هي حظر البنوك الروسية، لأنّ ذلك سيكون له تأثير سلبي مباشر على كامل الاقتصاد الروسي".

ويقول في تعليقات لصحيفة "نيويورك تايمز" إنّ مثل هذا الحظر "سيؤثر على المودعين الروس بالبنوك الروسية، وسيدفع المواطنين للغضب على الحكومة الروسية بسبب تدخلها في أوكرانيا".

لكن، تدور مخاوف أوروبية من تداعيات هذا الحظر على النظام المصرفي الأوروبي، إذ إنّ انكشاف البنوك الأوروبية على المؤسسات الروسية أكبر بكثير من نظيراتها الأميركية.

وحسب بيانات بنك التسويات الدولية الذي يوجد مقره في سويسرا ويرصد التدفقات المالية العالمية، فإنّ البنوك الإيطالية والفرنسية والنمسوية ستكون المصارف الأكثر تضرراً من مثل هذا الحظر.

وتشير بيانات بنك التسويات الدولية إلى أنّ ديون البنوك الإيطالية والفرنسية على المؤسسات الروسية بلغت 25 مليار دولار بنهاية الربع الثالث من العام الماضي 2021، كما بلغت ديون البنوك النمسوية نحو 17.5 مليار دولار.

في المقابل، يشير بنك التسويات الدولية، إلى أنّ حجم ديون المصارف الأميركية المستحقة على المؤسسات الروسية يبلغ نحو 14.7 مليار دولار، وبالتالي فإن أوروبا ستكون متضررة أكثر من تطبيق مثل هذا الحظر مقارنة بالولايات المتحدة، لكنّ محللين يرون أنّها ضريبة واجب دفعها لردع النظام الروسي ووقف خططه التوسعية.

من جانبه، يرى مصرف "جي بي مورغان" الأميركي، أنّ البنوك الغربية التي لديها فروع في روسيا ستكون متضررة أكثر من غيرها.

وحسب تقرير لـ"جي بي مورغان" فإنّ كلّا من مصرف "يوني كرديت" ومصرف "آر بي أي" الإيطاليين ومصرف "سوسيتيه جنرال الفرنسي" ومصرف "آي أن جي " الهولندي، لديها فروع عاملة في روسيا، وبالتالي ستكون الأكثر تضرراً بين المصارف الأوروبية.

وكان البنك المركزي الأوروبي قد حذر البنوك التجارية الأوروبية في يناير/كانون الثاني الماضي من تداعيات الحظر المالي المقترح على أعمالها التجارية في روسيا وطلب منها تقديم قائمة تفصيلية حول حجم قروضها بالسوق الروسي. لكن، حتى الآن لم ترد بيانات من المركزي الأوروبي حول حجم هذه القروض.

على صعيد الحظر المقترح على شبكة التحويلات المالية سويفت، يبدو من الواضح أنّ ألمانيا تعارضه وترى أنّه قد تكون له عواقب غير محسوبة على النظام المالي الغربي، كما أنّ أميركا نفسها لا تبدو متحمسة لهذا الحظر بسبب تداعياته على موقع الدولار كعملة مهيمنة على التسويات التجارية والصفقات المالية العالمية.

وحسب محللين غربيين، تتخوف دول أوروبية خصوصاً تلك الأكثر اعتماداً على الغاز الروسي من ردة الفعل الروسية، لأنّ مثل هذا الحظر سيؤثر على تسوية فواتير النفط لشركة غاز بروم الروسية. وبالتالي، تتخوف بعض هذه الدول من وقف شركة "غاز بروم" لإمدادات الغاز الروسي.

كما أنّ خبراء أوروبيين يثيرون مخاطر أخرى من حظر روسيا من استخدام نظام التحويلات الدولية "سويفت". في هذا الشأن، يقول الدكتور جان بيتر كراهنين، أستاذ الاقتصاد بجامعة "غوته" في فرانكفورت: "التداعيات قصيرة الأجل لحظر سويفت قد تكون غامضة، لكن من المؤكد أنّها ستكون سلبية على أوروبا".

ويشير كراهنين الذي عمل في السابق مستشاراً بوزارة المالية الألمانية في تعليقات لصحيفة "يو إس توداي" إلى أنّ "حظر سويفت ربما يدفع روسيا على المدى الطويل لإنشاء نظامها الخاص للتحويلات الدولية". ولدى روسيا نظام تحت التجربة في الوقت الراهن وتتعامل به بعض البنوك الروسية في الداخل.

من جانبه، يقول الخبير الألماني هينريش ستينهاور، الذي يمثل مصالح بعض البنوك الألمانية في موسكو في تصريحات للصحيفة نفسها، إنّ "حظر سويفت ربما يؤدي إلى كارثة بالبنوك الأوروبية".

وهناك مخاطر أخرى يدرسها النظام المصرفي من بينها الهجمات السيبرانية. في هذا الصدد كشف تقرير أمس الأربعاء، أن البنك المركزي الأوروبي يجهز البنوك لهجوم سيبراني روسي محتمل في ظل تزايد التوترات مع أوكرانيا.

وأوضحت المصادر أنّه في الوقت الذي ركز فيه المنظمون على مخططات الاحتيال التقليدية التي تفشت خلال الجائحة، فإنّ الأزمة الأوكرانية حولت انتباههم إلى الهجمات الإلكترونية التي انطلقت من روسيا.

وأضافت: "البنك المركزي تحدث مع البنوك الأوروبية بشأن وسائل الحماية، كما أنّ البنوك كانت تجري مناورات حرب إلكترونية لاختبار قدرتها على صدّ أي هجوم". وبالتالي فإنّ القلق من أزمة أوكرانيا يتزايد وسط القطاع المصرفي الأوروبي الذي يعاني من ارتفاع الديون للمؤسسات والقطاع الخاص في أوروبا.

على صعيد حظر الطاقة الروسية، يستبعد خبراء أن تشمل قائمة الحظر على روسيا صادرات النفط والغاز الروسي، لكنها ربما ستشمل التقنيات والخدمات الفنية الغربية المتقدمة الداخلة في استخراج النفط الروسي. ومعلوم أن العديد من حقول النفط والغاز الروسية تقع في مناطق الشمال المتجمد بروسيا.

في ذات الصدد، يستبعد خبراء في معهد "أوكسفورد" لدراسات الطاقة حظر التحالف الغربي لتصدير النفط أو الغاز الروسي مثلما حدث بالنسبة لقائمة الحظر الأميركية على إيران، لأن ذلك ستكون له تداعيات مدمرة للاقتصادات الأوروبية التي تعاني أصلاً من نقص في الغاز الطبيعي وستفاقم أزمة الطاقة العالمية وترفع الأسعار إلى مستويات جنونية.

ومعروف أنّ روسيا من كبار المنتجين للنفط، حيث تنتج نحو 11.3 مليون برميل يومياً. كما أنّ شركة "غاز بروم" الروسية تغذي أوروبا بنحو 36% من احتياجات الغاز الطبيعي. كما أنّ أي حظر لصادرات الخامات الروسية سيقود تلقائياً لارتفاع أسعار الغازولين في الولايات المتحدة، وبالتالي سيرفع من معدل التضخم ويدمر النمو الاقتصادي الأميركي.

وتدور مخاوف حول احتمال أن يقود غزو أوكرانيا في حال حدوثه إلى عمليات تخريب لبعض خطوط أنابيب الغاز إلى أوروبا، وبالتالي فإن هنالك بعض العواقب غير المحسوبة في حال الغزو.

يذكر أنّ روسيا تصدّر الغاز الطبيعي إلى أوروبا عبر 5 خطوط أنابيب رئيسية، هي "نورد ستريم 1" الذي يمد شمال غربي أوروبا ويصل مباشرة إلى ألمانيا وتقدر سعته بنحو 55 مليار متر مكعب. ثم أنبوب "يامال" الذي يمر عبر بيلاروسيا وبولندا إلى ألمانيا وتبلغ سعته 35 مليار متر مكعب.

وهنالك أنبوب صغير يمد بولندا من بيلاروسيا تبلغ سعته 5 مليارات متر مكعب سنوياً. كما تمد وسط أوروبا بالغاز عبر أنبوب يمرّ عبر أوكرانيا إلى المجر وإيطاليا.

المساهمون