تدور خلافات في الخفاء بين موسكو وبكين حول هيمنة موسكو على النشاط الاقتصادي وإمدادات الطاقة في دول آسيا الوسطى عبر شركاتها وأنابيب التصدير التي تمر عبر موانئها.
ورغم أن الشركات الصينية من كبار المستفيدين من العقوبات الغربية على الطاقة الروسية، وتحصل على حسومات كبيرة من خام الأورال الروسي منذ غزو موسكو لأوكرانيا في نهاية فبراير/شباط الماضي، إلا أن الشركات الصينية لديها استثمارات ضخمة في دول آسيا الوسطى ضمن مشاريع الحزام والطريق المعروفة باسم طريق الحرير وأنابيب الغاز.
وتبدو الشركات الصينية، حسب تقرير في نشرة "أويل برايس" الأميركية، قلقة على مصالحها الاقتصادية في دول آسيا الوسطى الغنية بموارد الطاقة والمعادن من الهيمنة الروسية. ولدى دول آسيا الوسطى احتياطات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي واليورانيوم والذهب.
في ذات الصدد أعربت دول آسيا الوسطى الخمس في قمتها التي عقدتها في 21 يوليو/ تموز الماضي في قيرغيزستان عن قلقها من أخطار الغزو الروسي لأوكرانيا على مستقبلها السياسي والاقتصادي ومن احتمالات الأطماع الروسية في أراضيها، في حال الانتصار في الحرب الأوكرانية.
ودول آسيا الوسطى الخمس، كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان، تقع تحت النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري المباشر لموسكو، كما تهيمن الشركات الروسية على النشاط الاقتصادي. وترتبط صادرات آسيا الوسطى من الطاقة والمعادن بالمنافذ الروسية، كما أن روسيا تُفقر هذه الدول عبر السيطرة المباشرة على مواردها من النفط والغاز واليورانيوم والذهب وتستفيد من حالة الإفقار هذه في جلب العمالة الرخيصة وتشغيلها في حقول النفط والغاز والصناعات الروسية وبالتالي ربط اقتصاداتها بشكل مباشر بالاقتصاد الروسي، وفق تقرير النشرة الأميركية.
وحسب الخبيرة في مركز الدراسات الدولية لشؤون شرق أوروبا في برلين، بيتي شمينت، فإن "كازاخستان أكثر دول آسيا الوسطى تأثراً بالحرب الروسية في أوكرانيا بسبب حدودها المباشرة مع روسيا واعتماد صادرات نفطها بشكل رئيسي على خطوط الأنابيب التي تمر عبر الموانئ الروسية".
ومنذ غزو الجيش الروسي لأوكرانيا تدخلت موسكو عدة مرات لعرقلة صادرات النفط الكازاخستانية للأسواق العالمية. وعلى الرغم من الحجج التي استخدمها موسكو لتبرير وقف إمدادات النفط الكازاخستاني للأسواق، ومن بينها حجج مخاطر بيئية وأعطال في خط الأنابيب ومنصات التصدير عبر ميناء نوفوروسيسك الروسي على البحر الأسود، وهو الميناء الوحيد لتصدير النفط الكازاخستاني.
في المقابل فإن الصين غير راضية عن عرقلة موسكو لصادرات النفط الكازاخستاني، حيث إنها أكبر مستورد للخامات النفطية في العالم كما تتخوف على مستقبل مصالحها الكبرى في آسيا الوسطى. وحسب بيانات جامعة "جورج واشنطن" الأميركية، تستثمر الصين نحو 70 مليار دولار في منطقة آسيا الوسطى، ولديها خط أنابيب لنقل الغاز من تركمانستان.
من جانبه يشير المعهد الأميركي "أميركان إنتربرايز إنستيتيوت" في تقرير حديث، إلى أن الشركات الصينية استثمرت نحو 50 مليار دولار في أربع دول بآسيا الوسطى فقط، هي كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان.
وتشير بيانات المعهد إلى أنّ الصين استثمرت بين عام 2013 ونوفمبر/تشرين الثاني 2020 نحو 35.5 مليار دولار في كازاخستان، و4.73 مليارات دولار في قيرغيزستان، و5.79 مليارات دولار في أوزبكستان، و2.15 مليار دولار في طاجيكستان.
في ذات الصدد تقول نشرة "أويل برايس"، إن موسكو عرقلت تصدير النفط الكازاخستاني لأجل مفاقمة أزمة وقود في أوروبا واستخدام النفط في معركة أوكرانيا ضد القوى الغربية، رغم الحجج التي بررت بها وقف الصادرات الكازاخستانية. وحسب النشرة، فإن بكين اعترضت على تدخل موسكو في صادرات النفط الكازاخستاني.
وتنتج كازاخستان نحو مليوني برميل من النفط تصدر منها نحو 80% عبر أنبوب يمر تحت بحر قزوين إلى ميناء نوفوروسيسك الروسي. وتعادل هذه الكميات نحو 2% من إجمالي إنتاج النفط العالمي البالغ نحو 100 مليون برميل يومياً حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية.
وهذا التصدير عبر ميناء نوفوروسيسك هو ما يمنح موسكو سيطرة مباشرة وتحكما في مرور نفط كازاخستان إلى أوروبا. وأوقفت موسكو مرور نفط كازاخستان ثلاث مرات، أولاها في 22 مارس/ آذار الماضي بحجة أن منصة التصدير في ميناء نوفوروسيسك تعرضت لأعطاب بسبب عاصفة واستمر التوقف لمدة شهر كامل.
وفي 19 يونيو/ حزيران الماضي، أوقفت روسيا شحن نفط كازاخستان عبر الخط بسبب اكتشاف 50 لغما من زمن الحرب العالمية الثانية في بحر قزوين، جرى التخلص منها واستئناف الضخ في 23 من الشهر نفسه. أما في المرة الثالثة فكانت في 6 يوليو/ تموز، حيث حكمت محكمة روسية بوقف تصدير النفط الكازاخستاني لمدة شهر كامل بحجة مخاطر بيئية.
ولكن المحكمة عادت للتخلي عن حكمها في 11 يوليو/ تموز. وهذا التحكم في تمرير النفط الكازاخستاني أغضب الشركات الصينية التي لديها مصالح اقتصادية ضخمة في كازاخستان.
وعلى الرغم من التنسيق الضمني بين موسكو وبكين في منطقة آسيا الوسطى القائم على أن تقوم روسيا بضمان الاستقرار السياسي والأمني بينما تقوم الصين بشؤون الاقتصاد، فإنّ مشروعات "الحزام والطريق" تُدخل الدولتين في بعض الأحيان في منافسة مباشرة حول استغلال موارد النفط والغاز الطبيعي الذي تحتاج إليه الصين بشدة لتلبية احتياجاتها المتزايدة.