تبنت أغلبية الأعضاء في البرلمان الأوروبي، مساء أمس الثلاثاء، خطة الإنعاش الأوروبية، لمساعدة الدول الأعضاء في الاتحاد على التعافي الاقتصادي بعد تأثير جائحة كورونا. ورغم ذلك، فإن خطط الإفراج عن تلك المنح دونها شروط وضعتها المفوضية، أولها التزام المتلقين صرف الأموال وفقاً للتوجيهات والتزام عدم التحايل وصرف الأموال على خفض الضرائب أو الإنفاق السياسي.
وتواجه الخطة جدلاً بسبب عدم إيفاء جميع الدول (على رأسها المجر وسلوفاكيا) بتلك الشروط. ورغم ذلك، تبقى الآمال أن تمنح تلك الأموال الضخمة دفعة لاقتصادات الدول المتعثرة، مع مراجعة سنوية أوروبية لاقتصاد كل دولة.
إذ بعد تبني البرلمان الأوروبي مساء أمس الثلاثاء لحزمته المالية في خطة الإنعاش الأوروبي، تقدَّر بنحو 750 مليار يورو، وأقرت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لمواجهة تداعيات الجائحة على اقتصادات القارة الأوروبية، تظهر عقبات جديدة أمام طموح التكتل لانتشال وضع اقتصادي متجه نحو الركود.
وفيما يعتبر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، ووزير المالية الفرنسي برونو لو مير، أنه يجب التغلب على البيروقراطية الأوروبية لصرف المليارات المقررة سريعاً، فإن المفوضية الأوروبية تلتزم الشروط التي أتُّفق عليها لتمرير الحزمة.
من بين ما يواجهه الأوروبيون من تحديات، يبرز بشكل رئيس الخلاف على خطط الصرف. إذ تشترط المفوضية الأوروبية، على خلفية خطة أوروبية أُقرت في يوليو/ تموز الماضي وصدّق عليها الأوروبيون نهاية عام 2020، أن تقدم الدول خططاً واضحة للكيفية التي ستتصرف فيها بالمليارات، والتزام شروط بروكسل.
وتتمثل الشروط الأساسية بضمان الدول الأعضاء صرف الأموال المخصصة، ومن حزمة المساعدات في سياق موازنات تشمل إنفاق 37 في المائة منها على استثمارات التحول البيئي (أو التحول الأخضر كما يسميه الأوروبيون، بالتقليل من الانبعاثات الغازية، ضماناً للبيئة، ومنعاً للتغيرات المناخية)، وأن يُنفَق 20 في المائة على "الرقمنة"، ويشمل ذلك التدريس وقطاعات أخرى.
تهدف الحزمة المالية الأوروبية إلى تمكين اقتصادات الدول الأعضاء خلال عام واحد من تلقيها العودة إلى ما كانت عليه قبيل أن ترخي الجائحة بظلها الثقيل على اقتصاداتها. وهي خطة تاريخية طموحة لناحية تدخل عاصمة الاتحاد، بروكسل، بتقرير إنفاق أكثر من نصف المساعدات على تطوير قطاعات يرى القادة والبرلمانيون الأوروبيون أنها ضرورية لعودة القارة إلى ما كانت عليه قبل كورونا.
يخشى الأوروبيون من ذهاب البعض نحو استخدام الحزمة، التي تشمل ديوناً بشروط مخففة واستثمارات ومنح، باتجاهات أخرى، كالتخفيف الضريبي أو الإنفاق "السياسي"، مع تزايد الخلافات الأوروبية مع توجهات سياسيين يسعون إلى استثمار أموال لجذب الناخبين.
وإن كانت أوروبا تقرر أن 57 في المائة من مجموع المبلغ المخصص للدول يجب أن ينفق في اتجاهات محددة، وأنه يمكن التصرف في بقية المبلغ على أساس الاستثمار في الشباب والتعليم والاستعداد الأوروبي لأزمات مستقبلية تشبه الجائحة التي تمرّ على القارة، فإن ذلك ما لم يرق قادةً في شرق القارة وجنوبها (مثل إيطاليا) بالذهاب بعيداً عن الأسس التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي. وهو ما يستخدمه عادة معسكر اليمين القومي المحافظ، لإشاعة مواقف سلبية من الاتحاد الأوروبي، ودائماً بحجة السيادة الوطنية.
وواجهت الخطة الأوروبية في البداية مواقف صلبة عبّرت عنها مجموعة دول، من بينها السويد والدنمارك وهولندا، التي طالبت، بعد الإصرار على اعتبار جزء من الأموال على شكل ديون ميسَّرة، بقيام الدول المتلقية للدعم المالي بإجراءات إعادة نظر في اقتصاداتها الوطنية بشكل شامل، وتلك رسالة موجهة إلى دول مثل بولندا والتشيك والمجر وإيطاليا، وغيرها من الدول المتعثرة.
وعادة ما تقوم المفوضية الأوروبية مرة كل عام بمراجعة اقتصادات الدول الأعضاء، للنظر فيما إذاكانت اقتصادات مستدامة، وبفحص للديون، وما إذا كان هناك فائض أو عجز في المالية الحكومية.
تلك الخطوة تهدف إلى دراسة أوروبا أحوال الدول الأعضاء سنوياً، والعوامل الأساسية التي تؤثر باقتصاد الدولة العضو، ومن بينها ما إذا كان نظام المعاشات التقاعدية في البلاد مستداماً، وذلك مرتبط باستدامة التنمية الديموغرافية في البلاد.
تلك التدخلات السنوية من عاصمة مقر الاتحاد في بروكسل لا ينظر إليها دائما بشكل إيجابي. إذ تتقبل كوبنهاغن والسويد تدخل الاتحاد لناحية التحذير على سبيل المثال من ضبط سوق العقارات، وبشكل خاص المنازل، لناحية ارتفاع أسعارها، وعدم ترك الارتفاع يخلق فقاعة في سوق الإسكان.
وفي دول أخرى تتدخل المفوضية في فحص مرونة سوق العمل وضرورة إدخال إصلاحات في الاقتصاد والموازنات.
وتلك من الأمور التي قد لا تروق ساسةً في دول تتجه أكثر نحو التصادم مع المبادئ التي قام عليها السوق الموحد بين الـ27 دولة في التكتل الأوروبي، الذي قام أساساً على التعاون الاقتصادي في خمسينيات القرن الماضي.
ويعتبر ذلك التدخل أمراً حاسماً لناحية حصول الدول الأعضاء على نصيبها من المليارات من خزينة الاتحاد، إذا لم تتقيد بتوجيهات بروكسل وتقدم كشفاً واضحاً يبين طريقة صرف الأموال المخصصة في خطة الإنعاش، إذ لا مفر من مراجعة الاتحاد لها، وهو أمر يقلق بعض من اعتقدوا أنهم قادرون على صرفها بحسب ما يقررون هم.
ذلك ما يزعج، على سبيل المثال، رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي يضغط لحصول بلاده على نحو 11 مليار يورو، فيما بروكسل تطالبه بتغيير قوانين مالية للحصول على المبالغ المقررة، وأن يقدم للوكالة الأوروبية لمحاربة الاحتيال، المعروفة اختصاراً بـ"أولاف" (Olaf)، قبيل الإفراج عن الأموال.
وبودابست مطالبة، بعد مراجعة اقتصادها، بإرجاع 4 في المائة مما حصلت عليه من الاتحاد الأوروبي، إثر كشف الوكالة عن أنها أنفقت بما لا يتفق مع توجيهات المفوضية.
ويُطالب أوربان، على خلفية ما كشفته الوكالة، بتعديل القوانين في ما خص المشتريات العامة، بعد أن تبين أن 1 من كل 3 مناقصات تتقدم إليها شركة واحدة بعطاء مرتفع السعر.
وبشكل عام، أشارت "أولاف" إلى وجود مخالفات في المناقصات العامة في المجر، وعليه يجري التشدد في مسألة تقديم كشف دقيق للكيفية التي ستنفق من خلالها بودابست المبلغ المخصص لها في الحزمة الأوروبية. وليتضح أن المفوضية الأوروبية لا تستهدف سوقاً دون غيره، فإنها طالبت، في سياق التأكد من التزام الدول الإصلاحات التي توصي بها، أقوى الاقتصادات الأوروبية، في ألمانيا بمراجعة نظام المعاشات التقاعدية، التي تعتبر أمراً حساساً في البلد، وخصوصاً في سنة انتخابية حساسة لاختيار أعضاء برلمان وحكومة مستشار جديد، خلفاً للمستشارة أنجيلا ميركل، في سبتمبر/ أيلول القادم.
وحتى موعد بدء صرف تلك المساعدات لمواجهة كورونا تكثف المفوضية الأوروبية متطلبات الإصلاح التي يجب على الدول تلبيتها قبيل الحصول عليها. ومع اقتراب الاستحقاق، يتصاعد السجال الأوروبي، حيث ترى بعض الدول، الأكثر حاجة لتلك الحزمة، ومن بينها باريس التي تنتظر بفارغ الصبر الإفراج عن منحتها، أن الاتحاد الأوروبي عليه أن يخفف من بيروقراطيته لصرف الأموال من خزينته، وفقاً لما ذهب وزير المالية برونو لو مير.