حتى الآن، ومنذ أكثر من 13 عاماً لا توجد إحصائيات رسمية نهائية بنسبة الفقر في الأردن، رغم إجراء الجهات المختصة أكثر من دراسة ومسح دون الإعلان عن النتائج، لأسباب ربما تعود إلى ارتفاع المعدل بنسبة كبيرة تزيد عن 25%، قبل وبعد جائحة كورونا وتداعياتها.
وتعود النسبة الرسمية المعلنة للفقر في الأردن إلى عام 2010، حيث أظهرت دراسات مسحية أجرتها دائرة الإحصاءات العامة أنّ معدل الفقر في البلاد يبلغ 14%، ولم يجر تحديث النسبة منذ ذلك الوقت، مع أنه جرى إجراء أكثر من دراسة، وبقيت نتائجها في الأدراج.
تقديرات غير رسمية، تحدث عنها مسؤولون، تشير إلى ارتفاع نسبة الفقر في الأردن بنسبة كبيرة، وتفاقمها بعد جائحة كورونا وتداعياتها، حيث قال نائب رئيس الوزراء ناصر شريدة، في تصريحات سابقة، إنها تبلغ 24%، فيما تقدرها مؤسسات دولية بأكثر من ذلك.
وقبل جائحة كورونا، وتحديداً عام 2019، صدر عن الحكومة بيانات بشكل غير رسمي، أظهرت أنّ نسبة الفقر المطلق بين الأردنيين وصلت إلى 15.7%. كما بلغت نسبة فقر الجوع (المدقع) في الأردن 0.12% وفق آخر مسح خاص بدخل ونفقات الأسرة، نفذته دائرة الإحصاءات العامة (2017-2018).
وتوقع البنك الدولي ارتفاع نسبة الفقر في الأردن إلى أكثر من 25%، بنسبة زيادة 11%، بعد جائحة كورونا وتداعياتها.
وفي موازاة ارتفاع الفقر في البلاد، تنفذ الحكومة برامج عدة للحد من الآثار السلبية التي لحقت بشرائح كبيرة من الأردنيين، وارتفاع خط الفقر المدقع، ومن ذلك صرف معونات مالية متكررة للأسرة المعوزة وذات الظروف الخاصة.
وقال الخبير في الشؤون الاجتماعية، فواز رطروط، المستشار السابق في وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، إنّ نسبة الفقر في الأردن ارتفعت بصورة تفوق التوقعات التي تتحدث عنها الجهات المختصة بكثير، وذلك لأسباب عدة، أهمها جائحة كورونا وتداعياتها، وارتفاع البطالة، والتزاحم الشديد في سوق العمل على الفرص المستحدثة، وذلك بين الأردنيين والعمال الوافدين واللاجئين السوريين.
وأضاف أنّ ارتفاع الأسعار والغلاء الذي طاول كل شيء أدى إلى تراجع مستويات المعيشة، وارتفاع عدد الفقراء، وخاصة في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أنّ متطلبات الإنفاق على الاحتياجات الأساسية كالصحة والتعليم زادت كثيراً، وكل ذلك على حساب الغذاء وسلة المستهلك.
وتابع رطروط: "الأصل أن تعلن الحكومة عن البيانات المحدثة للفقر، وتوجيه السياسات الاقتصادية والتنموية والاجتماعية للحد منها، بحيث تكون الخطط موجهة بالنتائج المستهدفة، وهذا ما تضمنته إلى حد ما رؤية التحديث الاقتصادي للسنوات العشر المقبلة، التي أطلقتها الحكومة العام الماضي، وتستهدف تحسين مستويات المعيشة، وتوفير مليون فرصة عمل.
وفي أحدث تقرير له، قال البنك الدولي إنّ برنامج التحويلات النقدية الذي ينفذه صندوق المعونة الوطنية "أسهم في توسيع نطاق التغطية، وزيادة فعالية شبكات الأمان الاجتماعي، وفي تخفيض معدلات الفقر، وتوفير شريان حياة للدعم النقدي للأسر الأشد فقراً والأكثر ضعفاً".
وأكد البنك الدولي أنّ برنامج التحويلات النقدية في الأردن يعد حالياً أكبر برنامج من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث تغطية احتياجات الفقراء.
وأشار إلى أنّ برنامج التحويلات النقدية خفّض معدلات الفقر في الأردن بنسبة 1.4%، كما قلل حالة عدم المساواة بنسبة 0.7% في عام 2021.
وضاعفت الحكومة بين عامي 2019 و2023، بدعم من البنك الدولي وشركاء دوليين آخرين، مخصصات برنامج التحويلات النقدية لصندوق المعونة الوطنية من 100 مليون دينار أردني إلى 240 مليون دينار أردني (0.7% من الناتج المحلي الإجمالي).
وارتفع عدد الأسر المستفيدة من المعونات المالية الشهرية من 97 ألف أسرة في عام 2018 إلى 220 ألف أسرة في عام 2023، وكان البرنامج محورياً في تقديم التحويلات النقدية الطارئة استجابة لتأثيرات أزمة جائحة كورونا على الأسر الفقيرة والضعيفة.
وأنشأ صندوق المعونة الوطنية منصة حديثة للتقديم للحصول على دعم برنامج التحويلات النقدية، حيث جرى إلغاء التدخل البشري في حساب درجة الأهلية، مما يضمن عملية شفافة وموضوعية، ضمن بيانات متاحة في السجل الوطني الموحد.
وبلغ إجمالي المبالغ المصروفة، وفقاً للتحويلات النقدية 624 مليون دولار، وبنسبة تصل إلى 62% من إجمالي المشروع البالغة قيمته قرابة مليار دولار.
وقال رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير، في تصريحات صحافية، إنّ البطالة والفقر من المشاكل الرئيسية في الأردن، وإنّ إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي التي تستهدف توفير مليون فرصة عمل جديدة للأردنيين خلال العشر سنوات المقبلة "أكبر دليل على الخطر المتنامي لهذه المشكلة على صعيد الأمن المجتمعي".
وبيّن أنّ القطاع الصناعي يشغل أكثر من 250 ألف عامل وعاملة أردنية، يعيلون أكثر من مليون مواطن، ويشكلون حوالي 22% من إجمالي القوى العاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية.
وقال الجغبير إنّ البطالة في الأردن تعتبر من أبرز مخاطر الاقتصاد الكلي التي تقود انخفاض مستوى دخل الفرد في الاقتصاد، وما يترتب على ذلك من انخفاض القوة الشرائية، وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وانخفاض حجم الادخار، وما قد ينتج عن ذلك من كساد وضعف عام في الاقتصاد.
وقال مسؤول حكومي، لـ"العربي الجديد"، إنّ الحكومة تعمل حالياً على زيادة تمكين المرأة اقتصادياً وفي سوق العمل، لتساعد أسرها على تحسين مستويات معيشتهم، والحد من نسبة الفقر.
وأضاف المسؤول، الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، أنّ العديد من فرص العمل موجهة للمرأة، وكذلك النوافذ التمويلية، لتحفيز الفتيات على إنشاء مشاريع إنتاجية خاصة بهن، للمساهمة في تحصيل مداخيل مالية تؤدي إلى الحد من الفقر، وتحسين مستويات المعيشة، إضافة للتدريب والتأهيل على الفرص المتاحة في سوق العمل، وفتح الأعمال المختلفة أمامهن.