دولة قطر مشغولة بتنظيم مباريات كأس العالم في دورتها الثانية والعشرين، ورئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) جياني إنفانتينو، يعلن النفاق الذي تمارسه بعض الجهات في هجومها على قطر، مرّةً بحجة المثليين، ومرّةً بحجّة إساءة معاملة العمالة الأجنبية.
وجاء ردّ السيد إنفانتينو حامياً وصادماً لمحطات تلفزة إخبارية عالمية متهمة بالانحياز والتعصب. وحضر ملك الأردن عبد الله الثاني ووليّ عهده، الأمير الحسين، الافتتاح. والعراق رئيس حكومته الجديد محمد شياع السوداني مشغول بمحاربة الفساد، وتشكيل لجنة عليا ذات أهلية وسمعة حسنة، لكي تؤدّي هذه المهمة الصعبة، وهو، في الوقت نفسه، يزور الأردن لتوثيق علاقة العراق معه.
أما الأردن، فقد شهد في الشهرين الآخيرين تعديلاً شبه موسّع لحكومة بشر الخصاونة، بهدف تجديد عمرها، وإيقاف سيل التوقعات حول مستقبلها، ومنحها فرصة لمفاوضة صندوق النقد الدولي، وتمرير قانون الموازنة عبر مجلس الأمة بشقيه، مجلسي النواب والأعيان.
وأجرى الملك عبد الله الثاني تعديلاً على تشكيلة مجلس الأعيان، بعد التجديد لرئيسه فيصل الفايز، وإدخال 30 عضواً جديداً بدلاً من 30 خرجوا.
وبعد ذلك، انعقد يوم الاثنين، الموافق 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي، مجلس الأمة، بناءً على إرادة ملكية. ومع أنّ هذه هي الدورة الثالثة لمجلس الأمة، إلا أنها اعتبرت الدورة العادية الثانية، لأن الأولى لم تُعقد في موعدها الدستوري، فاعتبرت دورة استثنائية.
وقد ألقى الملك خطاب العرش الذي استغرق حوالى 12 دقيقة، غطّى فيه الملك النقاط الأساسية المتعلقة بالسير في عملية الإصلاح الشاملة بأبعادها الثلاثة: السياسية، والاقتصادية، والإدارية.
وأثنى بشكل مقارن على أداء الجيش وإخلاصه، ودعا الحكومة إلى التطوير الإداري والنهوض بالتحديث الاقتصادي، ودعا إلى التعاون الوثيق بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. وتحدّث بلغة جديدة عن القضية الفلسطينية.
وبعد الانتهاء من خطاب العرش، أجريت انتخابات لمكتب الرئاسة في مجلس الأعيان، وبعد ذلك جرت انتخابات مجلس النواب، حيث انتخب رئيس جديد له من المكون الفلسطيني الأردني، حيث فاز أحمد الصفدي. وقد مهّد لانتخابه بإقناع المنافسين للصفدي مثل النائب عبد الكريم الدغمي (رئيس الدورة الماضية)، ونصار القيسي وآخرين بعدم الترشّح. ودخل نائب واحد منافس، نال 13 صوتاً مقابل 104 أصوات فاز بها الصفدي.
وفي فترة الإجازة البرلمانية، كان العمل يسير على قدم وساق، من أجل إيجاد أحزاب جديدة. وبرزت إلى الساحة خمسة أحزاب، تنسّق مع دوائر الدولة المدنية والأمنية. وإذا أضفنا إلى هذا كله اختيار أحمد الصفدي، ليرأس مجلس النواب، وإبقاء حكومة الخصاونة، فإن القرار بات واضحاً، وهو أن القيادة العليا تريد إصلاحاً سياسياً منضبطاً أو (managed democracy).
وقد عبّر بعضهم بأن في الأمر ما يوجب التشكيك في سلامة النيات للسير في الإصلاح السياسي. ولكن هناك إيجابيات لهذا الطرح، حتى ولو لم يكن نابعاً من القواعد نحو الأعلى. والإطار الذي صمّمه الأردن للسير بكامل عملية الإصلاح بأبعادها الثلاثة، تتطلب السير بأسلوب تدريجي ميتاستاتيكي، بمعنى أنك تهزّ الأغصان، وتبقي جذع الشجرة ثابتاً، حتى لا تحصل فوضى غير خلاقة، وتشويش غير محبّذ كالذي عرفه الأردن إبان عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
وقد لمسنا في الخطاب الملكي أموراً مستجدّة، أولها أنّ الملك عبد الله الثاني، صاحب الخبرة العسكرية، أثنى على إخلاص القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وانضباطها، قائلاً لها: "النشامى أخاطبهم اليوم باسم الأردنيين جميعاً، وأقول لهم: هذا عهدنا بكم. أنتم الأصدق قولاً والأخلص عملاً…". ولغة المقارنة هذه قد لا تكون مقصودة، ولكنها تركت الانطباع لدى القرّاء والمستمعين بأن الملك يثق بجيشه أكثر من حكومته.
والنقطة الثانية اللافتة للنظر، أنّ الملك أكّد الموقف الأردني بأنّ الحل للقضية الفلسطينية يكمن في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف.
ولا جديد في هذا النص إلا غياب مصطلح "حل الدولتين اللتين تعيشان جنباً إلى جنب على خطوط الرابع من حزيران".
ويبدو أن النقد الذي ساقه بعض النقاد من دارسي العلوم السياسية وأساتذتها من أن التمسّك بحل الدولتين غير الممكن حالياً يعني منح إسرائيل ضمناً فرصة للاستمرار في قضم الأرض الفلسطينية واستعمارها قد ساهم في حذف الإشارة إلى حل الدولتين. وفي المقابل، فإن الملك، الذي لا يثق ببنيامين نتنياهو الذي يدعو إلى جعل الأردن وطناً بديلاً، يؤكّد أن هذا مرفوضٌ جملة وتفصيلاً من الأردن.
والنقطة الأخيرة المهمة في خطاب الملك، إشارته إلى "غياب أفق للحل السياسي"، و"مواصلة العمل من أجل دعم الأشقاء الفلسطينيين اقتصادياً لتعزيز صمودهم على أرضهم وتثبيت حقوقهم المشروعة". وهذا الربط الاقتصادي لفلسطين عبر الأردن المتمتع بموقع جيواستراتيجي، هو ما يشير إليه الملك الهاشمي في خطابه.
وستكون هناك ضغوط أردنية لزيادة التبادل والتعاون الاقتصادي بين ضفتي نهر الأردن. وهذا يقرّب الموقف الأردني من قبول فكرة التعاون الاقتصادي مع كل من فلسطين، وبالمحصلة وبحكم الأمر الواقع، مع إسرائيل.
يحمل المستقبل للأردن تحدّيات كبيرة. لكن الأردن يرسم سياساته الإصلاحية بخطى مدروسة، توفر عبر التشريع والتنفيذ الأدوات المطلوبة للإصلاح، ولكن دون تعريض الأردن لمخاطر غير محسوبة، أو لمفاجآت أو تحرّكات مشبوهة.
ويبدو أنّ الوصول إلى اتفاق أخيراً مع صندوق النقد الدولي الذي أثنى على سياسة الحكومة النقدية والمالية، قد حسّن من تقييم أهلية الأردن للحصول على قروض طويلة الأجل. وقد رفعت "موديز" تقييم الأردن من B إلى B+. وهذا إنجازٌ لم يتحقق منذ عام 2008.