خصخصة بنوك الجزائر: خطة طرح الأسهم في البورصة تواجه انتقادات

15 يوليو 2023
أمام مبنى بورصة الجزائر (مونيك جاك/ Getty)
+ الخط -

قطعت الجزائر رسمياً أول خطوة نحو خصخصة البنوك العمومية عبر بحث طرحها في البورصة، وذلك بعدما فتحت الحكومة الملف في اجتماعٍ لها يوم 6 يوليو/ تموز، حين قدم وزير المالية الجزائري لعزيز فايد خطة لفتح رأسمال البنوك الحكومية، بهدف تعبئة الادخار وتمويل الاقتصاد.

وتنتظر الحكومة، عبر الخصخصة، امتصاص كتل مالية تغطي بها عجز السيولة في البنوك التي هوت تحت الخطوط الحمراء، بالرغم من مصاحبة هذه الخطوة للكثير من التساؤلات والمخاوف من ولادتها ميتة.

ويضيق هامش تحرك المؤسسات المالية الجزائرية، فالمصارف دخلت نفق أزمة نقص السيولة رغم تدخلات البنك المركزي لإنقاذها، ودفع شح الموارد غالبية المصارف إلى اللجوء للاحتياطات الإجبارية، وهي أزمة غير مسبوقة لم تعتدها المنظومة المصرفية في البلاد.

حسب آخر أرقام البنك المركزي الجزائري، تهاوت سيولة المصارف من 8 مليارات دولار في منتصف 2020، إلى 4.8 مليارات دولار بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2020، ليتواصل التهاوي إلى 3.7 مليارات دولار، مطلع 2021، وذلك لأول مرة منذ أكثر من 20 سنة.

أزمة سيولة

وتشير مصادر "العربي الجديد" إلى أن أزمة السيولة الحادة باتت تهدد النظام المصرفي، في وقت تحتاج فيه الجزائر إلى موارد مالية لدعم الاقتصاد المتعثر بسبب مخلفات أزمة النفط وتضاف إليها من جهة أخرى إمعان جائحة كورونا في ضرب الآلاف من الشركات، لتضعها على حافة الإفلاس.

الوضعية الصعبة التي تواجهها المصارف تنعكس أيضاً بارتفاع عدد القروض المتعثرة، التي استفاد منها رجال الأعمال، خاصة المقربين من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

يضاف إلى هذه القائمة، تواصل تهاوي قيمة الدينار، الذي فقد بريقه أمام العملات الأجنبية، فيما كشف عضو جمعية البنوك الجزائرية بغداد عمار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "نسبة العجز في السيولة قفزت من 55 في المائة بنهاية مايو/ أيار 2020، إلى 80 في المائة في نهاية 2022".

وحسب عمار، "يكشف تقرير المركزي الجزائري أن البنوك خسرت أكثر من 300 مليار دينار خلال أشهرٍ، وهذه خسارة كبيرة تضع حجم السيولة بمستويات تاريخية متدنية".

وعزا عمار ارتفاع العجز في السيولة إلى "سحب الودائع المالية من طرف المدخرين والمتعاملين الاقتصاديين لمواجهة تداعيات كورونا، بالإضافة لارتفاع حجم القروض المتعثرة بشكل مستمر، بحيث بلغت 10 في المائة عام 2015، لتزيد إلى 13 في المائة في العام التالي، و17 في المائة في 2017، ثم 20 في المائة في العام اللاحق، قبل أن تقفز إلى 25.2 في المائة خلال العام 2019، يضاف إلى ذلك لجوء الحكومة في النصف الثاني من سنة 2020 إلى منح قروض للشركات العمومية والخاصة المتعثرة مع بداية الجائحة".

تعطل المسار

وأمام هذه الوضعية، أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الحكومة، في 8 آب/ أغسطس 2021، ببيع حصص في الشركات والبنوك الحكومية، في إطار إصلاحات اقتصادية تتضمن تسريع إصدار النصوص القانونية الجديدة حول الاستثمار، تحفيزا للشراكة وخلقا لفرص عمل، في خطوة لم تُتبعها الحكومة بتوضيحات إلى يومنا هذا.

واعتبر الخبير الاقتصادي جمال نور الدين أن " فتح رأس مال البنوك العمومية يدخل ضمن الإصلاحات المالية والمصرفية التي تريد وزارة المالية إطلاقها من أجل إضفاء الشفافية على المعاملات المالية، والقضاء على التسيير التقليدي للمؤسسات المالية والبنوك".

وقال نور الدين لـ"العربي الجديد": "يجب أن يرافق عملية خصخصة البنوك فتح فروع لها في الخارج عن طريق وكالات، أو عن طريق فتح فروع إلكترونية في عدة دول، على الأقل لرفع نسبة تدفق أموال الجالية الجزائرية في المهجر، وهو المشروع الذي طال رغم إلحاح الرئيس تبون على فتح فروع للبنوك منذ وصوله إلى الحكم بنهاية 2019".

لكن الخبير المالي والمستشار لدى بنك الجزائر نبيل جمعة قال في المقابل إنه "حتى لو كان خيار فتح رأس المال مثيرا للاهتمام، فإن الوضع الاقتصادي لا يناسب حالياً، فالصدمة الاقتصادية التي أحدثتها الأزمة الصحية أدت إلى وضع العديد من المجموعات المصرفية الدولية على طرق إعادة التموضع وإعادة الهيكلة بدلاً من إعادة شراء الأصول أو الاستثمار في الأسهم".

وأضاف جمعة متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن "بورصة الجزائر بدورها تعتبر عائقا كبيرا أمام نجاح هذه الخطوة، ففي الفترة الأخيرة انسحبت 3 شركات من البورصة بسبب ركودها منذ إطلاقها سنة 1998، وحاليا توجد أقل من 8 شركات متداولة في البورصة، ما يترجم ضعفها، وبالتالي ربما كان الأجدر بالحكومة أن تتحلى بالجرأة السياسية والاقتصادية وتفتح رأسمال البنوك العمومية مباشرة أمام الشراكة الأجنبية أو المحلية إن وُجدت، عوض فتحه في البورصة".

كابوس "الخليفة"

وبالرغم من وجود بنوك خاصة في الجزائر، هي في الأصل فروع لبنوك أجنبية برأسمالٍ مشترك مع الجزائر، إلا أن السلطات الجزائرية لا تزال تتخوف من تكرار سيناريو "بنك الخليفة"، الذي كان بطل ما يُعرف في الجزائر بـ"فضيحة القرن"، بعدما تحول البنك الذي فتحه رجل الأعمال عبد المؤمن خليفة (حكم عليه في 2015 بالسجن 17 سنة)، إلى آلية لتبييض الأموال ونهب المال العام، مستفيدا من قربه من محيط بوتفليقة، وهي التجربة التي وصفها وزير المالية آنذاك مراد مدلسي بـ"الخطيئة" وجعلت الحكومة الجزائرية تضع قطاع البنوك والمصارف في خانة "غير قابلة للمس".

وحسب المستشار الحكومي عبد الرحمن مبتول، فإن "تجارب الجزائر مع خصخصة البنوك جعلتها تتخوف من الخوض في الخصخصة المباشرة للبنوك العمومية أو حتى إنشاء بنوك جزائرية خاصة، وتفضل البورصة، وهذا ما يضيع على الجزائر فرصا لاستمالة الاستثمارات المباشرة، لأننا نتحدث عن بورصة متعثرة وليست نشطة لدرجة تسمح بفتح رأسمال البنوك العمومية فيها للاكتتاب".

وأضاف الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد"، أنه "يجب على الحكومة السماح للقطاع الخاص الوطني والأجنبي بفتح بنوك جديدة، دون بيع بنوك القطاع العام مع التركيز على إصلاحها بشكل جاد، وتكون هناك منافسة بين القطاعين العام والخاص لصالح المواطن والاقتصاد الجزائري، مع إدراج قطاعات أخرى في المجال الإنتاجي أو الخدمي للخصخصة، ما يسمح بإنشاء مؤسسات جديدة تخلق فرصة للقطاع المصرفي في الجزائر ليوسع عملياته، بل قد يلجأ لزيادة رؤوس أمواله لمواجهة المتطلبات الجديدة للقطاع الخاص في المجالات الإنتاجية والخدمية".

المساهمون