خسائر اقتصادية باهظة، خلفها الزلزال المدمر الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سورية، أمس، واستمرت توابعه، تاركة آلاف المباني المنهارة في تركيا، بالإضافة إلى تعطل شبكة الغاز الطبيعي وتدفقات النفط، وتضرر خدمات الاتصالات وقطاعات إنتاجية مختلفة في الولايات التي ضربها الزلزال في مشهد غير مسبوق منذ نحو 84 عاما، فيما فاقم بؤس المواطنين شمال سورية الذين أنهكهم القصف والنزوح على مدى 12 عاما في الحرب التي شنها النظام.
تأتي أرقام الخسائر المتتالية في تركيا، وسط مخاوف من تفاقمها في ظل استمرار الهزات العنيفة، التي تقترب في قوتها من الزلزال المدمر الذي وقع فجر الاثنين وبلغت قوته 7.4 درجات على مقياس ريختر لمدة 30 ثانية، متسبباً في انهيار نحو 3 آلاف مبنى ومقتل أكثر من ألف شخص، وفق إحصاءات أولية.
وحذر رئيس مرصد قنديلي لرصد الزلازل في إسطنبول، هالوك أوزينر، من خطر تسونامي في 14 محافظة ساحلية تركية بعد الزلزال الذي ضرب جنوب البلاد، مضيفاً خلال تصريحات صحافية أن "هناك ارتفاعاً طفيفاً بمستوى المياه في بعض المحافظات الساحلية". ووفق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فإن زلزال أمس، يعد أكبر كارثة تشهدها البلاد منذ عام 1939.
يقول المحلل الاقتصادي التركي، سمير صالحة، "الخسائر المادية والبشرية في ازدياد.. المناطق التي طاولها الزلزال فجراً هي الأكثر إنتاجاً للحبوب والقمح والزيتون والفستق الحلبي، كما فيها مشروع جنوب شرق تركيا والأناضول لتوليد الطاقة الكهرومائية من أكبر مشاربع توليد الطاقة في العالم والذي يلبي نحو 22% من احتياجات تركيا من الكهرباء، فضلاً عن ري الأراضي ومد المنطقة بالمياه، نظراً لوجود 21 سداً على مجريي نهري دجلة والفرات".
ويضيف صالحة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن هناك مخاوف من زلازل أخرى تزيد من الخسائر. وأدى الزلزال إلى توقف الاتصالات والخدمات في الولايات المتضررة، طاولت ميناء اسكندرون ومطاري أضنة وهاتاي، ليتم بحسب مصادر، تحويل الرحلات الجوية إلى مطار غازي عنتاب وميناء جانب اسكندرون.
كما أوقفت السلطات التركية تدفق الغاز الطبيعي لأغراض احترازية في ولايات هاتاي، ومنطقة كيراخان، ومركز مقاطعة كهرمان مرعش بازارجيك ونارلي، ضمن الإجراءات الأمنية والاحترازية، بحسب بيان لشركة الغاز الحكومية (بوتاس)، مشيرة إلى أن بعض أجزاء شبكة الغاز المحلية تعرضت لأضرار بعد الزلزال.
وأوضحت الشركة في بيان على موقعها الإلكتروني أن الأضرار طاولت خط "كهرمان مرعش-غازي عنتاب" لنقل الغاز. وتوقفت إمدادات الغاز إلى مقاطعات غازي عنتاب، وهاتاي، وكهرمان مرعش، وبازارجيك، ونارلي، وبيسني، وجولباشي، ونورداجي، وإصلاحية، وريحانلي. كما تأثر خط "كيليس" للغاز الطبيعي لكن الإمداد مستمر، وفق البيان.
في حين أكدت الشركة أن توريد الغاز للمنشآت الحيوية مثل المستشفيات والأفران في المنطقة سيتواصل من خلال شركات إمداد الغاز الطبيعي المسال.
وتزامنت أضرار الزلازل مع عاصفة ثلجية، لتعلن السلطات تأجيل العديد من الرحلات الجوية، خاصة في إسطنبول. كما كان للزلازل تداعيات على الليرة التركية التي تراجعت من نحو 18.765 ليرة مقابل الدولار، يوم الأحد الماضي، إلى 18.830 للدولار، أمس.
ويقول المحلل الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو، إن عدد المباني التي تضررت ما بين تهديم وتصدع زادت عن 3 آلاف مبنى، مشيراً إلى أن قطاع العقارات والإسكان هو أكثر القطاعات الاقتصادية المتأذية بعد الخسائر البشرية.
ويلفت أوغلو في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أن ثلاثة مطارات بالمنطقة توقفت ولحق الأذى بمدرج مطار هاتاي، ليبقى مطار غازي عنتاب يخدم الحالات الإنسانية والطارئة فقط، ليتوقف النقل الجوي والشحن بشكل مؤقت إلى جنوبي البلاد ومنها، إضافة إلى توقف ميناء مرسين، بشكل مؤقت وهو أكبر الموانئ جنوبي تركيا.
كما اتخذت السلطات التركية أمس، قراراً بإغلاق مطار أضنة للرحلات الجوية ووقف الحركة الجوية، وأضافت أن إغلاق المطار بسبب الزلزال المدمر ولن يعاد فتحه حتى إشعار آخر.
ويضيف أن سوء الأحوال الجوية يؤثر على عمليات الإنقاذ وتأهيل القطاعات المتأذية، مقدراً خسائر الزراعة والصناعة بمئات ملايين الدولارات، فالمنطقة الجنوبية برأيه، هي شريان تركيا بالصادرات التي تعتمد عليها تركيا لزيادة النمو وتحسين سعر صرف الليرة التي تراجعت.
الخسائر تطاول كردستان العراق
وتخطت الخسائر حدود تركيا، إذ أعلنت حكومة إقليم كردستان العراق تعليق صادرات النفط عبر تركيا، بعدما ألحق الزلزال أضراراً جسيمة بالبنية التحتية التركية.
وأفاد بيان صادر عن وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم "بسبب الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية ومن أجل ضمان سلامة الصادرات النفطية ومنع أي أحداث غير مرغوب فيها، تم تعليق صادرات النفط من خط أنابيب حكومة إقليم كردستان وتركيا صباحاً" .
ويصدّر إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي، حوالى 450 ألف برميل يومياً عبر تركيا وهي صادرات غير قانونية بنظر السلطات الاتحادية العراقية. وكتب لاوك غافوري مسؤول التواصل مع الإعلام الأجنبي في إقليم كردستان على تويتر أن "حكومة إقليم كردستان تؤكد وقف تصدير النفط عبر (ميناء) جيهان بسبب الزلزال الذي ضرب عدة مناطق من البلاد". وأضاف أن "الصادرات ستستأنف بعد فحص دقيق لخط الأنابيب".
بؤس السوريين يتفاقم
وبينما تبدو مشاهد انهيار آلاف المباني وتعطل الكثير من الخدمات في تركيا صادمة، فإن الواقع في شمال سورية أكثر بؤساً، ما يفاقم آلام السوريين الذين أنهكتهم الحرب والنزوح على مدى 12 عاماً. وأضعف قصف النظام على مدار سنوات أساسات العديد من المباني حتى أضحى الكثير منها هشاً وعاجزا عن الصمود في وجه مثل هذا الزلزال العنيف.
وتسبب الزلزال في إيقاف العمل في مصفاة بانياس النفطية ليومين، لمعالجة أضرار لحقت بها، وفق وزارة نفط النظام السوري، مضيفة في بيان نشرته وكالة الأنباء السورية "سانا"، أن معالجة الأضرار والعودة للتشغيل المتوقع خلال 48 ساعة.
وأشارت إلى أن ضواغط الغاز في معمل جنوب المنطقة الوسطى توقفت أيضا، لكن جرى إعادة تشغيلها، لافتة إلى أنها زودت جميع المحافظات بكميات إضافية من المشتقات النفطية، من أجل تعزيز عمليات الإنقاذ والإسعاف وإزالة الركام.
ويواجه السوريون صعوبات معيشية بالغة. إذ قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان في تقرير له في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن تفشي الفقر في سورية أثر بشكل كبير على قدرة السكان على تأمين احتياجاتهم اليومية من الغذاء والسلع الأساسية، خصوصاً في ظل الارتفاع الحاد وغير المسبوق في الأسعار.
وأضاف المرصد أن النزاع في سورية وما رافقه من أزمة نزوح، وانكماش اقتصادي حاد، وانخفاض قيمة العملة المحلية، أدى إلى إفقار السكان وزيادة أعبائهم المعيشية، إذ بات نحو 90% منهم يعيشون تحت خط الفقر، وسط ارتفاع قياسي في الأسعار تعدى 800% خلال عامي 2020 و2021 فقط.
وأشار إلى أن تدهور الوضع الإنساني لا يقتصر على محافظة أو منطقة معينة ولكنه يشمل تقريباً جميع المحافظات السورية، ولا سيما محافظات شمالي البلاد التي تستضيف ملايين النازحين الذين يعانون أكثر من غيرهم على مستوى الفقر والأمن الغذائي.