لا أحد ينكر فداحة الخسائر التي تعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي جراء الحرب الإجرامية على غزة. أحدث الأرقام في هذا الشأن ما كشفه البنك المركزي الإسرائيلي أمس عن حدوث تراجع كبير في احتياطي النقد الأجنبي بقيمة 7.3 مليارات دولار بسبب الحرب على القطاع.
واكب هذا التراجع حدوث قفزة في أعداد العاطلين من العمل وبنسبة زيادة 460% خلال الشهر الماضي.
ومن المتوقع أن يتواصل هذا التراجع في الاحتياطي الأجنبي خلال الشهور المقبلة مع إصابة قطاعات حيوية مدرة للنقد الأجنبي بنزيف حاد، مثل السياحة والطيران والاستثمارات المباشرة والصادرات ونزوح الأموال من القطاع المصرفي، ومواصلة الإسرائيليين والمستثمرين الأجانب على حد سواء تهريب أموالهم إلى الخارج، وزيادة الطلب على حيازة الدولار والتخلص من الشيكل، إضافة إلى التكاليف المباشرة للحرب والتي تتحملها ميزانية الدولة وتقدر بنحو 200 مليار شيكل (51 مليار دولار).
هذه الكلفة مرشحة للزيادة مع طول أمد الحرب، واضطراب الأنشطة الاقتصادية، وفشل جيش الاحتلال في حسم الحرب على المدى القصير، وتعثر الغزو البري، واستمرار تدفق صواريخ المقاومة الفلسطينية على الأراضي المحتلة، واحتمال تراجع الصادرات مع تصاعد حملات المقاطعة، وتجميد مشروعات التطبيع سواء مع بعض دول الخليج مثل السعودية والبحرين أو دول عربية أخرى، منها المغرب والسودان وليبيا.
من المتوقع أن يتواصل هذا التراجع في الاحتياطي الأجنبي خلال الشهور المقبل
ومع تفاقم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي يسارع البعض للتقليل من مخاطرها وكلفتها على دولة الاحتلال، والتأكيد على أن الولايات المتحدة وبعض دول الخليج والدول الداعمة للحرب ستعوض تلك الخسائر، وأن مليارات الدولارات ستتدفق من الخزانة الأميركية والخليجية على خزانة دولة الاحتلال الخاوية لتعيد ترميمها من جديد، وتغطي العجز الناتج عن تكاليف الحرب.
لكن الأمر ليس بهذه البساطة، فالأموال التي وعدت الإدارة الأميركية بتدبيرها لدولة الاحتلال وتبلغ قيمتها 14.3 مليار دولار ستكون على الأغلب في صورة أسلحة وعتاد عسكري ودعم للمجهود الحربي، حيث سيتم تخصيص 4 مليارات دولار لمنظومتي الدفاع الجوي (القبة الحديدية ومقلاع داود)، و1.2 مليار دولار لمنظومة "الشعاع الحديدي" لمواجهة التهديدات الصاروخية قصيرة المدى والقادمة من غزة ولبنان واليمن، ومليارات أخرى لتمويل أمن الحدود الإسرائيلية، بالإضافة إلى بعض عمليات نقل العتاد من المخزونات الأميركية لدولة الاحتلال.
وبالتالي قد لا يكون الجزء الأكبر من المساعدات الأميركية المقدمة لإسرائيل في شكل سيولة نقدية وأموال تضاف للاحتياطي الأجنبي مثلا، علما بن هناك معارضة أصلا لإرسال تلك المساعدات من قبل أعضاء بالكونغرس في ظل العجز الهائل الذي تعاني منه الموازنة الأميركية ووصول الدين الأميركي لمعدلات خطرة، حيث تتجاوز قيمته 35 تريليون دولار، وبلوغ قيمة المدفوعات المستحقة عليه أكثر من تريليون دولار في عام.
إسرائيل بحاجة إلى سيولة نقدية ضخمة وعاجلة تعوضها عن الخسائر الكبيرة التي تلاحقها حاليا وترمم عجز موازنتها الحاد
والأموال التي قد تضخها بعض دول الخليج، وتحديدا الإمارات، في شرايين الاقتصاد الإسرائيلي ربما لن تكون في شكل مساعدات نقدية ومنح وودائع مباشرة، بل ستكون في شكل استثمارات مباشرة في مشروعات وشركات، فقد أعلنت الإمارات في مارس/ آذار 2021 إنشاء صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار في إسرائيل يهدف للاستثمار في قطاعات وصفتها بالاستراتيجية، بينها الطاقة والتصنيع والمياه والفضاء والرعاية الصحية والتكنولوجيا الزراعية، وهذه الاستثمارات تحتاج إلى سنوات طويلة لضخها، خاصة مع هز المقاومة الفلسطينية الصورة الذهنية لدولة الاحتلال واستقرارها الهش وتهديد موقعها كجاذب لقطاع الأعمال والشركات العربية والعالمية.
كما أن الحديث الإماراتي عن مشروعات كبرى، منها تدشين شراكة اقتصادية شاملة بين البلدين، وتنفيذ خطة لزيادة العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل إلى أكثر من تريليون دولار خلال العقد المقبل، وتأسيس مناطق حرة، وإبرام صفقات استحواذ كبرى، منها شراء صندوق أبوظبي السيادي 30% من أسهم شركة "فينيكس غروب" الإسرائيلية مقابل 2.5 مليار دولار، كل ذلك قد يصاب بالجمود في الفترة المقبلة بسبب تدهور الوضع الأمني وربما السياسي لاحقا داخل دولة الاحتلال، وبالتالي فإن استفادة إسرائيل من هذه المشروعات ستظل حبرا على ورق إلى حين.
أما البحرين التي أبرمت اتفاقات تطبيع مع دولة الاحتلال، فإن اقتصادها بحاجة أصلاً إلى مساعدات نقدية ومزيد من الديون الخارجية، وبالتالي فهي غير قادرة على مساعدة دولة الاحتلال في مواجهة تلال الخسائر التي تعرضت لها بسبب الحرب على غزة.
إسرائيل بحاجة إلى سيولة نقدية ضخمة وعاجلة تعوضها عن الخسائر الكبيرة التي تلاحقها حاليا وترمم عجز موازنتها الحاد، وتعوضها عن تهاوي الإيرادات الأجنبية، وهذه السيولة لن تأتي في المستقبل القريب، وقد لا تأتي أصلا إذا ما استمرت الأوضاع الأمنية في التدهور داخل إسرائيل، وتواصل هروب الإسرائيليين للخارج مع استمرار تدفق صواريخ المقاومة على الأراضي المحتلة.