"خريف غضب" بين بايدن وعمالقة النفط في أميركا... هل يخسر الرئيس؟

07 نوفمبر 2022
الإدارة الأميركية تخشى غضب الناخبين بسبب الغلاء الناجم عن ارتفاع أسعار الوقود (Getty)
+ الخط -

تمرّ العلاقة بين إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وشركات النفط في الولايات المتحدة بـ"خريف غضب متبادل"، ما يعمّق أزمة الثقة بين الجانبين، ليخسر الرئيس معركة خفض أسعار النفط مع مواصلة المنتجين سياسة كبح الإنتاج وتقليل المخزونات للحفاظ على الأرباح المحققة من ارتفاع الأسعار، لكن في المقابل سيكون عمالقة النفط في مرمى ضرائب انتقامية من جانب بايدن.

وبينما كان شهر أكتوبر/ تشرين الأول يوشك على نهايته، كان البيت الأبيض يشهد نقطة اشتعال مع شركات الطاقة الأميركية على خلفية انخفاض مخزونات الديزل وزيت التدفئة في شمال شرق الولايات المتحدة، إذ تزايد قلق إدارة الرئيس جو بايدن، الذي يخشى حزبه الديمقراطي عقاب الناخبين في الانتخابات النصفية للكونغرس، المقررة في الثامن من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، بسبب الغلاء الناجم عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية.

وأسرع المسؤولون في البيت الأبيض إلى إجراء سلسلة من الاتصالات بين وزيرة الطاقة جنيفر غرانهولم والعديد من أكبر مصافي النفط الأميركية لمناقشة استراتيجيات زيادة المخزونات. وجرت المحادثات بالفعل في إطار ودي، وفقاً لأشخاص على دراية بها.

لكن في اليوم التالي، أُصيبت صناعة النفط بصدمة. وخلال مؤتمر صحافي جرى الترتيب له على عُجالة في 31 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شن بايدن هجوما على شركات النفط الكبرى بسبب تسجيلها أرباحاً "خيالية" لصالح المساهمين والمديرين التنفيذيين، بدلاً من خفض الأسعار في محطات التزود بالوقود.

المزيد من الضرائب

وحذر بايدن من أنه ما لم يتغير هذا الأمر، فإن شركات النفط ستواجه المزيد من الضرائب، مشيرا إلى أن أرباحها جاءت بسبب "الصراع الوحشي الذي يجتاح أوكرانيا ويضر بعشرات الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم".

وجاءت انتقادات بايدن لتعمق حالة عدم الثقة المتبادلة بين الإدارة الأميركية وصناعة الوقود الأحفوري في الولايات المتحدة التي تحظى بنفوذ قوي. وبينما كان فريق بايدن على خلاف بالأساس مع قطاع النفط منذ الحملة الانتخابية لعام 2020 بسبب سياسته التي تميل إلى تقويض الوقود الأحفوري، إلا أنه طلب منها المساعدة لاحقا مع ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً هذا العام في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.

وقد دعا البيت الأبيض شركات النفط الكبرى للمساعدة، غير أنه شعر بالإحباط المتزايد نتيجة إقدام هذه الشركات على خفض الإنتاج بينما تجني أرباحاً قياسية، وفق وكالة "بلومبيرغ" الأميركية.

وقال المتحدث باسم البيت الأبيض عبد الله حسن: "حققت هذه الشركات أرباحاً قياسية شهراً تلو الآخر، واستفادت منها بعد ذلك لملء جيوب المساهمين بدلاً من زيادة الإنتاج وخفض أسعار الغاز. وعلى مدار شهر تلو شهر قدمنا ​​لها جميع الفرص والحوافز من أجل تغيير طريقتها تلك".

ويقول المطلعون على صناعة النفط إن شركات الطاقة غير راضية بشكل متزايد عن سلسلة من السياسات المتضاربة، ومنها على سبيل المثال تحوّل إدارة بايدن في غضون أشهر من وقف تأجير الأراضي للتنقيب عن النفط، إلى المطالبة بمزيد من الإنتاج، والطلبات غير الواقعية، مثل إنفاق مليارات الدولارات لسرعة إضافة المزيد من طاقة التكرير.

سياسة الطاقة الأميركية مشتتة

وقال مارشال ماكريا، الرئيس التنفيذي المشارك لشركة "إنرجي ترانسفير"، في وقت سابق من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، إن سياسة الطاقة الأميركية مشتتة للغاية، بحيث أصبحت مثل مسرحية "ساترداي نايت لايف الهزلية".

ويتوقع عمالقة الطاقة ردودا انتقامية من إدارة بايدن. ففي الأسبوع الماضي، أصدر الرؤساء التنفيذيون لشركة "إكسون موبيل" وشيفرون" تحذيرات خطيرة بشأن ضرائب غير متوقعة محتملة.

وتأتي التوترات في لحظة عصيبة للبلاد وبقية أنحاء العالم، فقد جعل استخدامُ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الغازَ الطبيعي الروسي كسلاحٍ أوروبا تواجه شتاءً محفوفاً بالمخاطر، كما اتجهت منظمة "أوبك" إلى خفض الإنتاج خشية تضرر الأسعار من تباطؤ الطلب العالمي بفعل ركود على الأبواب بسبب السياسة الأميركية التي ترمي إلى كبح التضخم من خلال رفع أسعار الفائدة.

وقال ستيفن براون، مستشار الطاقة الذي شغل سابقاً منصب رئيس الشؤون الفيدرالية لشركة التكرير "أنديفورإن": "العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين يستسلمون نوعاً ما للبيت الأبيض. فعندما نتحدث إلى المسؤولين داخل الإدارة، نسمع أشياء تصالحية تجاه إقامة علاقة، وبمجرد أن تدير ظهرك تصاب بصدمة من تغريدة مخالفة لما قيل".

في 20 يناير/كانون الثاني 2020، وهو أول يوم له في منصبه، ألغى "بايدن" تصريحاً رئاسياً لخط أنابيب "كيستون إكس إل"، والذي كان سيسمح بتدفق المزيد من الخام الكندي إلى مصافي ساحل الخليج. وبعد أيام، أصدر قراراً بوقف التأجير الفيدرالي الجديد للنفط والغاز (ألغته المحكمة لاحقاً).

واجتاح الغضب المسؤولين التنفيذيين في مجال النفط الصخري، لأن عدداً من أفضل مواقع الآبار في حوض "بيرميان" يقع على أراضٍ فيدرالية في نيو مكسيكو. وكانت الرسالة واضحة وهي: "بايدن" وحزبه التقدمي لن يكونا صديقين لصناعة النفط.

ومع تجاوز البنزين عتبة 3 دولارات للغالون في منتصف عام 2021، بدأت شخصيات بارزة في الإدارة تولي مزيداً من الاهتمام ليس للأسعار في محطات الوقود فحسب، ولكن أيضاً لدورها في رفع التضخم.

سلوك معاد للمستهلك

في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، حانت لحظة حاسمة، عندما اتهم بايدن الصناعة بـ"السلوك المعادي للمستهلك"، واشتكى من أن أسعار البنزين ظلت مرتفعة على الرغم من انخفاض تكاليف شركات النفط والغاز، وطالب لجنة التجارة الفيدرالية بالتحقيق في ارتكاب "سلوك غير قانوني" محتمل.

قال فرانك ماتشيارولا، نائب الرئيس الأول للسياسة في معهد البترول الأميركي، وهي مجموعة تمثل صناعة الطاقة: "من المرجح أن الثقة بين الصناعة والإدارة قد أخذت في التدهور منذ ذلك الحين. فهناك قصور في فهم أساسيات أسواق الطاقة".

ومع غزو روسيا أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، ما تسبب في ارتفاع النفط إلى أعلى مستوياته منذ عام 2008، كان البيت الأبيض قد غيّر اتجاهه تقريباً منذ الأيام الأولى للرئاسة، وطالب بإنتاج المزيد من النفط والغاز، بدلاً من سياسات تقليص الإنتاج. لكن المنتجين الأميركيين، الذين ما زالوا يعانون من تبعات معركة ذروة الوباء، عندما انهارت أسعار الطاقة، لم يرغبوا في التعاون.

ومع ارتفاع التضخم في النصف الأول من 2022، أصبح من الواضح أن البيت الأبيض يعاني من أزمة اقتصادية، إذ لم تتم إعادة انتخاب أي رئيس للولايات المتحدة في ظل أسعار بنزين تزيد عن 4 دولارات للغالون. وفي يونيو/حزيران الماضي، لامس المتوسط على الصعيد الوطني 5 دولارات، عندها شنّ بايدن هجومه على شركات النفط.

قال بايدن آنذاك في مؤتمر صحافي في لوس أنجليس: "سوف نتأكد من أن الجميع يعرف أرباح إكسون. إلى إكسون: باشِروا بالاستثمار وادفعوا الضرائب المستحقة عليكم، شكراً".

وردت "إكسون موبيل" بالقول إنها تستثمر بكثافة في الولايات المتحدة وتعمل على توسعة مصفاة كبيرة على ساحل الخليج. لكن الرواية أصبحت الآن واضحة: فقد حمّل بايدن شركات النفط الكبرى مسألة ارتفاع أسعار البنزين.

ربما كانت التوترات بين صناعة الوقود الأحفوري الأميركية والرئيس الديمقراطي متوقعة دائماً، لكن المناوشات الحالية بين الجانبين كانت أكثر وضوحاً مما كانت عليه عندما كان باراك أوباما رئيساً.

قال دان إبرهارت، وهو أحد المانحين من الحزب الجمهوري ومدير تنفيذي لشركة خدمات حقول النفط، بشأن إدارة أوباما: "لا أعتقد أن توجههم اتسم بالود والترحاب، لكن تعاملهم مع الصناعة لم يكن فظاً".

رد فعل غاضب من الناخبين

ومع ارتفاع متوسط ​​أسعار البنزين على مستوى البلاد مرة أخرى، قبل يوم من انتخابات التجديد النصفي، يبدو أن التوتر بين الجانبين سيزيد في الفترة المقبلة.

ويفصل يوم واحد الولايات المتحدة عن موعد الانتخابات النصفية للكونغرس، المقررة غداً الثلاثاء، والتي يصوّت فيها الناخبون لتجديد جميع مقاعد مجلس النواب (435 مقعداً)، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (مائة مقعد)، ولـ36 حاكم ولاية، وعدد كبير من المسؤولين المحليين.

ويصوّت الأميركيون، في العادة، لخياراتهم ولمن يجدونهم من المرشحين الأفضل لإدارة شؤون البلاد، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعد عامين من ولاية أي رئيس. وتبدو المعركة الحالية مفصلية، إذ تأتي في ذروة الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تركت أثرها الكبير على الاقتصاد العالمي، وتزايد الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

المساهمون