خريطة طريق لفقراء مصر... البحث عن ممر آمن للعيش وسط انهيار الدخول والغلاء

03 نوفمبر 2024
صبي يعمل في توزيع الخبز في حيّ الدرب الأحمر بالقاهرة، 28 مايو 2024 (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- اقترح خبراء الاقتصاد في مصر مشروع "الطريق الثالث" لإعادة توزيع الدعم باستخدام مؤشر وطني للفقر، بهدف تحسين توزيع المواد الغذائية والخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية للأسر الفقيرة.
- يهدف المشروع إلى معالجة الأزمة الاقتصادية وتقليل البيروقراطية من خلال نظام ديناميكي يركز على القوة الشرائية، بالتعاون مع وزيرة التنمية الاقتصادية ومنظمات دولية.
- تواجه الحكومة تحديات اقتصادية وضغوطاً من صندوق النقد الدولي لرفع الدعم، وتسعى لتحويل الدعم العيني إلى نقدي مع معايير صارمة، وسط مخاوف من تأثير السياسات على الفقراء.

قدم خبراء الاقتصاد المشاركون في مناقشات الحوار الوطني في مصر مشروعاً بخريطة "طريق ثالث" لإعادة توزيع الدعم على المواطنين، يعتمد على وضع مؤشر وطني للفقر، يحدد على أساسه عدد الأفراد المستحقين للدعم يجمع بين المالي والعيني من الدولة، وخدمات تعليمية وصحية واجتماعية، وكمية المواد الغذائية التي ستوزع على الأسر الفقيرة، بما يتوافق مع الدراسات الاقتصادية والطبية والأمراض الناتجة من ندرة التغذية وسوئها، بكل محافظة، وسبل توفيرها من البيئة المحيطة، والجهات التي يمكن أن تساهم في تدبيرها وتوزيعها.

 

يشمل المقترح إيجاد نظام يسمح بخروج ودخول فئات جديدة لمنظومة الدعم، في أي مرحلة زمنية، بمجرد خضوعها لمقاييس مؤشر الفقر الوطني. وأنهى فريق ما يعرف بـ"الطريق الثالث" مشروعه برئاسة وزير المالية الأسبق أحمد جلال، ليشق طريقه إلى رئاسة الجمهورية، مشمولاً بمخططات تسمح لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية، حصر محدودي الدخل على أساس القوة الشرائية للجنيه، دون اعتبار لرقم الدخل المحقق للعاملين في الدولة والقطاعين العام والخاص دون غيرهم من أغلبية أفراد المجتمع غير المسجلين بمنظومة العمل الرسمي وغير المشمولين بمظلة التأمين الاجتماعي، والفئات غير القادرة على الكسب، من ذوي الإعاقة والأمراض المزمنة، وأرباب الأسر المعيلة وغير المدرجين في سن العمل، تحت 16 عاماً.

قالت مصادر في فريق العمل لـ"العربي الجديد" إن مشروعهم يمثل مخطط إنقاذ للدولة من الغرق بأزمة اقتصادية طاحنة، ويكبح جدلاً بشأن توجه الحكومة لإلغاء الدعم السلعي، وإسراعها المفرط نحو تطبيق الدعم النقدي، دون أن تمتلك معلومات ميدانية وشاملة عن الفئات المستحقة للدعم وأماكن إقامتهم، بما يوقف تدخل جهات حكومية عديدة في إدارة منظومة الدعم السلعي وتحديد المستفيدين، بطريقة قائمة على البيروقراطية والمحسوبية ودون معايير علمية تحقق الرقابة المجتمعية والعدالة بين المواطنين.

أجرى فريق "الطريق الثالث" مشاورات مع وزيرة التنمية الاقتصادية رانيا المشاط، على مدار الأسابيع الماضية، لإطلاق المؤشر الوطني للفقر، واستخدام أدواته في خفض معدلات الفقر متعدد الأبعاد، وضمان إصدار مؤشرات كمية ونوعية ذات دقة عالية، بالتعاون مع الأمم المتحدة والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي والدول المانحة للمساعدات، لتحديد المستفيدين من منظومة الدعم التي تشمل التعليم والصحة والعمل اللائق والحماية الاجتماعية، مسجلين اعتراضهم على الإحصاءات الرسمية، التي تضع نحو 29.7% من المصريين فقط، منذ عام 2019، عند حد الدخل المنخفض، دون مراعاة التدهور الشديد الذي أصاب الجنيه وتراجع الدخل الحقيقي للأفراد، خلال السنوات الخمس الماضية. ولم تعلن مصر نتائج بحوث الإنفاق والدخل التى أجراها الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء عن العامين 2021 و2022، بتأخير نحو سنة عن موعده الأصلى. لكن البنك الدولى أشار في تقرير له نهاية مارس/آذار الماضي إلى ارتفاع معدل الفقر فى عام 2022 وفق بيانات قدمتها الحكومة له إلى 32.5%.

وأضافت المصادر أن إثارة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أخيراً، مراجعة أهداف برنامج صندوق النقد الدولي، للحد من تأثير ارتفاع الأسعار على المواطنين، لا تتماشى مع مطالبة مؤسسة الرئاسة للحكومة بمراجعة ضغوط صندوق النقد التي يمارسها لرفع الدعم عن السلع التموينية بالتوازي مع زيادة أسعار الوقود والكهرباء، التي تسببت في انتشار حالة من الضيق الشديد لدى المواطنين، لعدم قدرتهم على مواجهة أعباء المعيشة.

وأوضحت المصادر المشاركة في الحوار الوطني، أن حالة الاضطراب الجيوسياسي في المنطقة، وتراجع موارد الدولة من العملة الصعبة جراء الحرب، تمنح الحكومة حق طلب تأجيل إلغاء الدعم السلعي، لحين استقرار الأوضاع الأمنية في المنطقة، التي أدت إلى تراجع عائدات قناة والسويس وتذبذب حركة السياحة، بينما ستظل مجبرة على بيع المحروقات (المنتجات البترولية) والكهرباء بسعر التكلفة الاقتصادية، حيث تعتبر بعثة المراجعة التابعة لصندوق النقد دعم المحروقات والطاقة إحدى أدوات الفساد المالي وتبدد موارد الموازنة العامة، فيما يخدم بعض الأفراد وأطراف حكومية وسيادية بالدولة، دون غالبية المجتمع، بما يضيع مبدأ تكافؤ الفرص بين القطاع الخاص القطاع والحكومي الذي يحصل على مميزات سعرية وتسهيلات ضريبية وفقاً لنوعية الملكية، مستبعداً لقواعد الشفافية وكفاءة الأداء.

جاءت المطالبة الرئاسية بدعوة الحكومة بمراجعة الاتفاق مع صندوق النقد الذي يقضى بإلغاء الدعم مقابل الحصول على قرض بقيمة 8 مليارات دولار، في مارس/آذار 2024، لمواجهة غضب شعبي واسع وبروز تحركات جماهيرية وبرلمانية ساخطة، في ظل زيادة قياسية بأسعار السلع والخدمات كافة، خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، حدّت من قدرة غالبية المواطنين على الوفاء باحتياجاتهم الأساسية.

عكست تصريحات وزير التموين شريف فاروق أمام مجلس النواب الشهر الماضي، عدم إعلان رسائل مطمئنة تزيل مخاوف الناس من خطورة تخلي الحكومة عن الدعم، والحد من الأعباء التي تحبطهم منذ بدء تعويم الجنيه عام 2016، وإصرار الحكومة على إلغاء الدعم السلعي، حيث أكد في كلمته أن الحكومة استقرت على التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، أو الدعم النقدي المشروط، بصرف سلع محددة للمواطنين، مقابل قيمة الدعم النقدي.

وسربت الحكومة معلومات عن مشروع الدعم المقترح، حيث ترغب في صرف مبالغ تراوح ما بين 500 جنيه (10.2 دولارات) وبحد أقصى 1200 جنيه (24.4 دولاراً) لكل أسرة مستحقة حائزة لبطاقة الدعم الرقمية، التي تتيح لحاملها شراء عدد محدد من السلع والخبز من مراكز توزيع معتمدة، من قبل الأجهزة الرقابية.

وتصدر بطاقات الدعم عند تجديدها، باسم الزوجة أو المرأة المعيلة، ليستفيد منها 4 أفراد بحد أقصى داخل الأسرة الواحدة، ولنحو 20 مليون مواطن، من بين 106 ملايين نسمة يمثلون التعداد العام للسكان. وتموّل الحكومة مصروفات الدعم من الحصيلة الموجهة بالموازنة العامة للدولة، التي بلغت 636 مليار جنيه خلال العام المالي الجاري (بدأ في الأول من يوليو/ نموز)، مع دراسة زيادتها بنسبة 15% خلال العام المقبل.

وأسندت الحكومة إلى وزارة التموين، مهمة تلقي كشوف الأجهزة الأمنية والرقابية بشأن المطلوب حذفهم من قوائم الدعم، وفقاً لمعايير فضفاضة، تتعلق بحيازة الأسرة سيارة حديثة أو دخل يزيد على 20 ألف جنيه شهرياً وتعليم أحد الأبناء في مدارس أو جامعات خاصة، تزيد مصروفاتها على 20 ألف جنيه سنوياً، أو العمل بعقد عمل بالخارج أو سرقة التيار الكهربائي وارتكاب مخالفة لقانون البناء أو حيازة أكثر من 10 أفدنة.

وأثارت كلمات الوزير حول المشروع الحكومي، حفيظة برلمانيين، الذين تباروا بالحديث، تحت قبة البرلمان حول موجات الغلاء، مؤكدين ارتفاع مؤشرات الفقر ومعدلات بعد أن عصف الغلاء بالطبقة الوسطى، وفقد الفقراء القدرة على البقاء، دون الاعتماد على السلع الغذائية المحدودة التي توفرها الدولة، وبخاصة الخبز والزيوت والسكر والدقيق (الطحين)، بينما تلتزم الحكومة رفع أسعار تلك السلع، تنفيذاً لشروط صندوق النقد، دون مراعاة الأوضاع القاسية التي يمر بها المصريون، والتراجع الكبير بقيمة الجنيه مقابل الدولار، جراء زيادة أعباء الدين العام وفوائده، وتبديد الحكومة الموارد المالية للدولة، بمشروعات عديمة الجدوى.

وأكدت المصادر أن الحكومة ماضية نحو إلغاء الدعم النقدي للسلع التموينية، اعتباراً من يوليو/تموز المقبل، وبيع المحروقات والكهرباء بسعر تكلفة غير معلومة القيمة، وتأجيل رفع الدعم عن الخبز لمدة عام، محذرة من إثارة موجات الغلاء في اضطرابات اجتماعية خطيرة.

يبرر رئيس الوزراء رغبته في زيادة أسعار الوقود إلى ارتفاع أسعاره عالمياً، وأن الدولة مضطرة إلى تحريك أسعار الوقود تدريجياً، حتى نهاية 2025، معترفاً بأن "الخطوة مؤلمة للمواطنين، ولكن الحكومة ليس لها بديل آخر للوصول إلى سعر التوازن في تكلفة المحروقات، مع مراعاة استمرار تحمّل الدولة الفرق بالتكلفة لأصحاب الشرائح الدنيا من الدخل".

لكن اقتصاديين دعوا الحكومة إلى استغلال حالة "القوة القاهرة"، لمطالبة صندوق النقد تأجيل تنفيذ بعض شروط تمويل برنامجه الاقتصادي، لخفض حالة الاضطراب الاجتماعي جراء صدمات الأسعار التي تجاوزت 25%، عقب رفع أسعار المحروقات للمرة الثالثة في عام 2024. وتوقع الخبراء ارتفاعاً بمعدلات التضخم ومزيداً من التراجع بالقوة الشرائية للجنيه، في وقت تفشل الحكومة في ضبط الأسواق، والقضاء على الاحتكارات.

في سياق متصل، قال حازم المنوفي، عضو شعبة المواد الغذائية باتحاد الغرف التجارية لـ"العربي الجديد"، إن تحويل الدعم العيني إلى نقدي أصبح على بعد خطوات من تطبيقه، مؤكداً دعمه للمشروع الحكومي المعروض على الحوار الوطني ومجلس النواب، الذي يعتمد على التحول إلى الدعم النقدي وزيادة عدد المنافذ لطرح المنتجات الغذائية لمن سيستفيد بالدعم ليحصل على السلعة التي يرغب فيها، بسعر محدد، بما يحول دون التلاعب في صرف الدعم أو تسريب السلع المستهدفة للسوق السوداء.

المساهمون