تبدلت الأحوال، واتفقت المصالح، فانتقلت العلاقات التركية – المصرية من مرحلة الاضطراب إلى الاستقرار، ومن المودة إلى الحميمية والتوجه نحو شراكة استراتيجية عميقة.
بعد 11 عاماً من القطيعة السياسية، عكست زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر نهاية الأسبوع الماضي، انتصار لغة المصالح بين أنقرة التي أصبحت أكبر سوق مستورد للمنتجات المصرية، والقاهرة التي تحتفظ أسواقها بمكانة رفيعة للواردات التركية جعلتها الشريك الأول للأتراك بقارة أفريقيا.
في أروقة الوزارات ومجتمعات الأعمال يجري العمل على قدم وساق، لإحداث نقلة نوعية، في العلاقات الاقتصادية، لرفع قيمة التبادل التجاري بين البلدين من 10 مليارات دولار إلى 15 مليار دولار وفقاً للآمال التي أعلنها أردوغان في القاهرة، بينما يستهدف المصريون رفعها إلى 20 مليار دولار خلال 5 سنوات.
ارتفعت وتيرة الاجتماعات بين المسؤولين ورجال الأعمال المصريين والأتراك، فور انتهاء قيادة البلدين من بيانهما المشترك بالقصر الجمهوري الأربعاء الماضي، وشهدت وسائل الإعلام تحولات كبرى، فقد خرجت عن صمتها المطبق على أنباء الزيارة، قبل لقاء الرئيسين، إلى الإشادة بنتائجها.
توقفت الصحف عن ذكر النظام التركي بسوء، وخصصت مساحات واسعة للتحليلات ومقالات الرأي تركز على إيجابية التعاون بين البلدين، عبر ملفات وزعتها جهات سيادية على الصحف التابعة للدولة والخاصة.
صرح رئيس لجنة الطاقة بجمعية رجال الأعمال المصريين، محمد هلال، لــ"العربي الجديد" أن تبنّي رجال الأعمال لغة المصالح الوطنية المشتركة، أوقف كل محاولات القطيعة بين الشعبين التركي والمصري، خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن التقارب مع الأتراك أصبح مهماً من الناحيتين السياسية والاقتصادية، مع ظهور متغيرات جيو- سياسية، أدت إلى ضغوط على البلدين دفعتهما إلى تخفيض العملة، وزيادة معدلات التضخم وصعوبة تصدير المنتجات المحلية للخارج مع ارتفاع تكاليف الإنتاج ونُدرة الدولار.
يؤكد هلال سهولة تحقيق رغبة أردوغان في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، إلى 15 مليار دولار عام 2027، مع زيادة التقارب بين البلدين، وزيادة معدلات التصنيع المشترك، ومضاعفة الاستثمارات التركية التي بلغت 2.5 مليار دولار.
أشار هلال إلى اهتمام الطرفين بمشاركة كل منهما في تحقيق الأرباح، لافتاً إلى تمتع تركيا بالقدرة على استيراد السلع المصرية خاصة الزراعية وإدخالها إلى السوق الأوربية بدون جمارك، وإمكانية دخول بضائعها وفقاً لاتفاقية التجارة الحرة إلى مصر بدون جمارك، بما يسمح لها بالنفاذ للأسواق الأفريقية وأميركا الشمالية بدون جمارك أو قيود كمية.
قال هلال إن الفترة المقبلة ستشهد حملات ترويجية مكثفة لرجال الأعمال المصريين، في الأسواق التركية، لدعوة الأتراك إلى المساهمة في إقامة مشروعات الطاقة والسيارات والصناعات الهندسية، وإنشاء منطقة صناعية تركية أسوة بالصينية والروسية، بما يساهم في ضخ استثمارات جديدة، يحتاج إليها البلدان.
ويراهن هلال على إزالة الحكومة الإجراءات الروتينية التي تعرقل المستثمرين، والتي تدفع إلى التباطؤ الاقتصادي، وزيادة المدة الزمنية والتكاليف، مشيراً إلى حساسية المستثمرين الأتراك لعامل الوقت، الذي يهدر بدون داع في المنافذ الجمركية ومناطق الاستثمار والرقابة الصناعية والأجهزة الرسمية، التي تتجاهل أن "الوقت من ذهب، والروتين إذا زاد عن حده يحوّل الذهب إلى تراب".
يذكر رئيس مجلس الأعمال المصري- التركي، عادل اللمعي، أن عام 2024، سيكون عام الاستثمارات التركية في مصر، مؤكداً لــ"العربي الجديد" أن الحكومة تعهدت بحلحلة بعض السياسات النقدية التي تشكل عقبة أمام المستثمرين الأتراك، المتعلقة بأزمة الدولار وتعدد سوق الصرف وإعادة تصدير وتوزيع الأرباح المستحقة للمستثمرين.
وأوضح اللمعي أن تنظيم الجانب المصري في مجلس الأعمال المشترك، لقاء مع هيئة الاستثمار والمناطق الحرة والصندوق السيادي خلال أيام، للتعرف على الفرص الاستثمارية والمشروعات التي تمثل أولوية للدولة، بهدف جذب المزيد من المستثمرين الأتراك.
ويشير اللمعي إلى اهتمام الأتراك ببرنامج طرح الشركات الحكومية للبيع، والتي يمكن أن تجذب المستثمرين إلى الاستحواذ على شركات قائمة في مصر.
يستهدف مجلس الأعمال المصري- التركي تنفيذ الاتفاقيات التجارية بين البلدين بالعملة المحلية، باعتبارها أهم النقاط التي ستدفع إلى زيادة حجم التبادل السلعي غير النفطي، إلى 9 مليارات دولار، العام المقبل، وتخفف أزمة العملة، والطلب على الدولار في البلدين.
دعا رجال الأعمال الحكومة إلى إزالة القيود التي فرضتها جهات أمنية، على تشغيل الخط الملاحي البري، بين تركيا ومصر عام 2014، وإعادة تشغيله ليساهم في زيادة الحركة التجارية بين البلدين، مع تغيير سياسات التشغيل، بحيث يجري تصدير البضائع التركية المتجهة إلى بورسعيد والإسكندرية بحراً، ونقلها براً عبر البحر الأحمر إلى الخليج، في نقل البضائع المصرية، بدلاً من استعادتها فارغة في رحلة العودة إلى الموانئ التركية.
يؤكد مستثمرون أهمية توظيف الخط في إدخال المنتجات الزراعية إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا التي تفرض شروطاً قاسية، وكميات محددة على المنتج المصري، مقابل تسهيلات واسعة للأتراك.