ابتداء من يوم غد الجمعة الأول من يناير/ كانون الثاني يتم تفعيل اتفاقية بريكست، التي تؤسس لانفصال بريطانيا عن دول الاتحاد الأوروبي، وتقنن الترتيبات التجارية والإجراءات التي تحكم العلاقات بين لندن ودول الاتحاد الـ 27 في المستقبل. وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون قد طلب من أعضاء البرلمان أمس الأربعاء، تمرير الاتفاق التجاري مع الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من أن اتفاقية بريكست أسست لاتفاق تجاري وترتيبات تسمح بمرور السلع بين دول الكتلة الأوروبية والسوق البريطاني دون حصص وجمارك، إلا أن الاتفاقية لم تشمل قطاع الخدمات المالية الذي يكتسي أهمية كبرى للاقتصاد البريطاني ومركز لندن المالي، وبالتالي يثار التساؤل حول تنازلات الانفصال على بورصة لندن ومصارف ومؤسسات حي المال البريطاني عندما تبدأ أسواق المال التداول في العام الجديد.
يرى خبراء ماليون وقانونيون أن عدم تضمين الخدمات المالية في اتفاقية بريكست سيؤثر على ثلاث أنشطة مالية في بريطانيا، هي: المصارف الاستثمارية البريطانية والعالمية التي تتاجر من حي المال البريطاني مع أوروبا، وبورصة لندن، وتجارة المشتقات المالية.
على صعيد بورصة لندن، يتوقع خبراء أن تخسر لندن جزءاً لا يستهان به من عمليات التداول الأوروبية التي كانت تتم عبر منصات تداول فرعية بحي المال، إذ إن بورصة لندن هي الأكبر في أوروبا من حيث قيمة الأصول المتداولة، وكذلك من حيث عدد الشركات المسجلة في مؤشرات فوتسي.
وبحسب بيانات حي المال، فإن 45% من تجارة الأسهم الأوروبية تتم في بورصة لندن، عبر 9 منصات بديلة للتداول. وهذه المنصات تنافس البورصات الرئيسية في الدول الأوروبية، مثل بورصة باريس وفرانكفورت وأمستردام. وهذه المنصات يفضلها المستثمرون لأنها تجمع التداول لجميع الأسهم العالمية في مكان واحد، كما أنها أرخص للمستثمرين من حيث رسوم التداول مقارنة بالبورصات الأوروبية.
وبحسب بيان سلطة الرقابة المالية في لندن، فإن بورصة لندن ستخسر هذه المنصات ببداية العام الجديد. وكان وزير الخزانة البريطاني سوناك ريشي قد عرض على المفوضية الأوروبية في نوفمبر/ تشرين الثاني اتفاقاً لتكافؤ الإجراءات بين بورصة لندن وبورصات دول الاتحاد الأوروبي، لكن دول الاتحاد رفضت بوضوح العرض البريطاني.
لكن اتفاقية بريكست للترتيبات التجارية بعد الانفصال تضمنت فقرة تنص على فتح حوار مستقبلي بين بريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي بشأن الخدمات المالية. وتأمل الحكومة البريطانية أن يتم التوصل لاتفاقية منفصلة لتسوية الخدمات المالية.
ونظام تكافؤ الإجراءات المالية يقضي بمطابقة قواعد إجراءات التداول في كل من البورصات الأوروبية وبورصة لندن، وبالتالي يضمن تبادل سلس في بعض الخدمات المالية. وهي أسس أضيق بكثير مما كان جارياً التعامل به قبل الانفصال، ولكنه يفيد قطاع الخدمات المالية في بريطانيا، وبالتالي فستكون منصات التداول الأوروبية في لندن أولى ضحايا الاتفاقية التجارية.
وتأمل الحكومة البريطانية من تسوية قضايا الخدمات المالية خلال الثلاثة أشهر المقبلة، حسب ما صرح بذلك مسؤول بريطاني في فريق مفاوضات بريكست، إلا أن خبراء قانونيين يشكون في إمكانية حدوث ذلك في المستقبل القريب بسبب التباين الكبير بين الأهداف الأوروبية والبريطانية من إجراءات التكافؤ.
وبحسب بيانات شركة "سي بي أو إي يوروب" فإن منصات التداول البديلة في لندن تاجرت في أسهم أوروبية بلغت قيمتها اليومية في المتوسط 8.6 مليار يورو، أو ما يعادل نحو 26% من إجمالي تجارة الأسهم اليومية في البورصات الأوروبية.
على صعيد المصارف الاستثمارية في حي المال اللندني، فإن العديد من المصارف الاستثمارية وضعت خططاً للتعامل مع انفصال بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، حيث أنشأ بعض منها منصات تداول في حي المال الفرنسي، مثل مصرف "غولدمان ساكس".
كما فتحت العديد من المصارف فروعاً في دول الاتحاد الأوروبي حتى لا تفقد زبائها بعد الانفصال. ولكن سيعني ذلك تقليص دور حي المال البريطاني في التمويلات الأوروبية. إذ كان مركز لندن يلعب الدور الرئيسي في تمويل الحكومات الأوروبية والشركات عبر ما تقدمه المصارف الاستثمارية بحي المال من قروض وسندات، ولكن بريطانيا ستفقد جزءاً كبيراً من هذه الخدمات بعد الانفصال.
على صعيد سوق المشتقات المالية، التي تبلغ قيمتها في بورصة لندن نحو 20 ترليون دولار، فإن هناك ترتيبات جارية بين بنك إنكلترا "البنك المركزي البريطاني" وسوق المال الأميركي لترتيب كيفية المتاجرة في المشتقات المالية وبعض المنتجات الآجلة.
ومن المتوقع أن تنهي هذه الترتيبات بعض الاضطرابات المتوقعة، ولكنها بالتأكيد لن تكون كافية وفق مراقبين. ويأمل خبراء ماليون أن تتمكن الحكومة البريطانية من الوصول إلى تسوية تميط اللثام عن الغموض في أوروبا وبريطانيا بشأن مستقبل التجارة في أسواق المال البريطانية والأوروبية.
ويعترف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون أن الترتيبات التجارية لم تكن كافية لتغطية الخدمات المالية وربما ستظهر العديد من الثغرات خلال الشهر المقبل في اتفاقية الترتيبات التجارية الأخرى مع بدء التطبيق الفعلي للانفصال.