يعقد البنك المركزي المصري اجتماعا يوم الخميس المقبل لبحث اتجاهات سعر الفائدة على الجنيه وتطورات سوق الصرف. الاجتماع يأتي في ظل ظروف محلية ودولية عصيبة وبالغة التعقيد، وضغوط متزايدة على الجنيه المصري.
عالميا نجد أن البنوك المركزية العالمية الكبرى وفي مقدمتها الفيدرالي الأميركي والمركزي الأوروبي وبنك أوف إنكلترا تواصل سياسة رفع الفائدة لمكافحة التضخم الجامح والحيلولة دون انزلاق الاقتصادات الغربية نحو الركود، ومن المتوقع أن يستمر هذا التوجه حتى نهاية العام الجاري.
وهناك أزمة مصارف متفاقمة داخل الولايات المتحدة وأوروبا يمكن أن تتسع رقعتها لتمتد لآسيا، والقلق بدأ يحوم حول مستقبل "دويتشه بنك"، أحد أكبر المصارف الأوروبية، والمودعون يواصلون سحب أموالهم من البنوك الصغيرة خوفا من انهيارها.
البنوك المركزية الكبرى وفي مقدمتها الفيدرالي والمركزي الأوروبي وبنك أوف إنكلترا تواصل سياسة رفع الفائدة لمكافحة التضخم الجامح
وحرب أوكرانيا لا تزال مستعرة، وبوتين يهدد العالم من وقت لآخر بوقف تدفق القمح الأوكراني للأسواق الدولية، وبالتالي تغذية أزمة غذاء عالمية خاصة في الدول المستوردة للقمح والحبوب والزيوت.
محليا، نجد أن سوق الصرف المحلي في مصر لم تستقر بعد، فالسوق السوداء لا تزال قائمة ومنتعشة، والدولار يواصل ارتفاعه مقابل الجنيه، والتضخم الأساسي تجاوز 40%.
وهناك فجوة في التمويل الخارجي تبلغ نحو 17 مليار دولار ولا يعرف أحد كيفية تغطيتها، وهناك ديون خارجية ضخمة مستحقة في القريب العاجل.
وهناك بعثة صندوق النقد الدولي التي من المرتقب أن تصل إلى البلاد في غضون أيام للتدقيق في الإصلاحات الاقتصادية، ومراجعة مدى التزام الحكومة بالوعود التي قطعتها على نفسها مقابل الحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار.
أضف إلى ذلك مظاهر أخرى منها أن الأموال الساخنة لم تعد بعد لأدوات الدين الحكومية المصرية في ظل مواصلة الفيدرالي الأميركي رفع سعر الفائدة على الدولار وزيادته للمرة التاسعة خلال عام قبل أيام.
وهناك تأخر في وصول أموال الصناديق السيادية الخليجية انتظارا لحصد مزيد من المزايا السعرية والفرص الاستثمارية في حال تراجع قيمة الجنيه، وهناك تأخر في وصول استثمارات خليجية قيمتها 14 مليار دولار والواردة في الاتفاق المبرم بين الحكومة وصندوق النقد، وعدم اتخاذ الحكومة خطوات ملموسة في ملف بيع حصص رئيسية في 32 شركة عامة تم رفع عددها إلى 40 شركة مؤخرا.
تشير كل التوقعات إلى زيادة البنك المركزي المصري سعر الفائدة في اجتماعه المقبل بنسبة بين 2 و3%، وربما السماح بمزيد من الخفض في قيمة الجنيه
في ظل هذا المشهد تشير كل التوقعات إلى زيادة البنك المركزي المصري سعر الفائدة في اجتماعه المقبل بنسبة تتراوح ما بين 2 و3%، وربما السماح بمزيد من الخفض في قيمة الجنيه المصري قبيل وصول بعثة صندوق النقد لتحقيق هدف مرونة سوق الصرف الذي تم التعهد به للصندوق، إلى جانب التزامات أخرى منها الحد من احتكار الدولة والمؤسسات السيادية للمشهد الاقتصادي، ودعم القطاع الخاص، والإسراع في برنامج الخصخصة وبيع أصول الدولة.
رفع متواصل لأسعار الفائدة وخفض متواصل أيضا لقيمة الجنيه، هذا ما يفعله البنك المركزي لاحتواء أزمتي التضخم وسوق العملة في إطار إدارة السياسة النقدية، والحلان لن يجديا نفعا للاقتصاد والدين العام والأسواق والمواطن والعملة، ولن ينهيا الأزمة الاقتصادية والمالية القائمة.
والبنك المركزي هنا معذور، لأنه لا يملك كل أوراق اللعبة الاقتصادية والمالية داخل الدولة، فهي في يد وزارات وهيئات أخرى منها المالية والصناعة والاستثمار والتجارة والزراعة وغيرها. ولذا فإن على الحكومة أن تبحث عن حلول أخرى غير تعويم العملة واستنزاف العملة المستمر وزيادة الدين العام عبر رفع الفائدة المتواصل.
من بين تلك الحلول إعطاء أولوية لملفات أخرى أكثر نفعا، منها زيادة الإنتاج المحلي وتنشيط قطاعات حيوية من بينها الصادرات والسياحة والاستثمار المباشر والصناعة والزراعة، وطمأنة القطاع الخاص وإتاحة الفرصة أمامه للمنافسة.