حوامل التنمية.. خسائر لا تعوّض

30 ابريل 2023
تراجع الإنتاج والطلب السلعي والاستهلاك مع تلاشي الطبقى الوسطى (فرانس برس)
+ الخط -

حتى وإن هرول العالم بأسره، وليس الدول الشقيقة فقط، إلى حضن سورية وقصر بشار الأسد، فمن له أن يعوّض الخسائر أو يعيد التئام جراحات السوريين أو جبر ما تكسّر؟!!

والمقصد هنا ليس خسائر اقتصادية فاقت خسائر الحرب العالمية الثانية، كما ليس البحث، رغم الأهمية والوجع، بخسائر وآثار نحو مليون قتيل ومعاق ومعتقل، بل ولا حتى ما يمكن، عبر جيل أو جيلين، ردم بعض هوته، سواء من يتم الأولاد أو خروجهم من مقاعد الدراسة، بل نرمي بذكرى عيد العمال العالمي إلى حامل التنمية وركن التطوير، أياً بلغ التطور التقني ومحاولات الاستغناء عن العمالة.

فسورية الأسد، وبعد الحرب على ثورة وحلم السوريين عام 2011، خسرت من عمالة القطاع الخاص فقط نحو 900 ألف، بحسب تقرير صادر عن اتحاد غرف الصناعة، ومثلهم على الأقل من عمالة القطاع الحكومي، بعد حملات الفصل التعسفي لكل من يؤيد الثورة أو الاستقالات المستمرة بسبب تدني الأجور المثبتة بنحو 100 ألف ليرة، بواقع أن إنفاق للأسرة لا يقل شهرياً عن 6.5 ملايين ليرة بحسب مراكز بحثية من دمشق.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

لنكون أمام خريطة عمالية تهدد أيّ تطلع تطويري، بواقع ارتفاع عمر القائمين على عملهم ولم يهربوا من جحيم التفقير والاعتقال، إلى أكثر من 50 سنة كمتوسط عمري، وهجرة الشباب والكفاءات إلى غير رجعة.

قصارى القول: لم يصنف علماء الاقتصاد ومنظروه البطالة بموقع "الآفة" عبثاً، بل لأنها أم الأمراض الاقتصادية وربما الاجتماعية، فعدم وجود عمل ودخل دائم يكفي، ولو بالحد الأدنى من المعيشة ومتطلبات الأسرة، سينال من غذاء الأسرة وصحة أفرادها الجسدية والنفسية، ويؤثر على قدرة رب الأسرة على تعليم الأولاد، وتصل عقابيل البطالة إلى الجنوح نحو الجريمة والخطيئة، فكلمة "بابا أنا جوعان" ربما تدفع المعيل حتى إلى ارتكاب الممنوعات والمحرمات.

وسورية اليوم، تتصدر ربما دول العالم في البطالة، بعد ارتفاعها من نحو 11% مطلع عام 2011 إلى أكثر من 83% اليوم، لترفع، كأول أثارها، نسبة الفقر، ربما إلى الأعلى عالمياً اليوم، بعد أن نافت وفق تقارير دولية 90%.

لتأتي الطامة، أو استكمال تهديم المجتمع السوري، عبر ضآلة أجر من تبقى على رأس عمله، ليدور جميع السوريين بدوائر السعي لتأمين قوت اليوم أو الوجبة المقبلة، ويبتعدوا عن المطالبة بحقوقهم بعيش آدمي ويدفعوا ثمن تماديهم بالمطالبة بالحرية والعدالة بتوزيع الثروة.

ويأتي تلاشي الطبقة الوسطى بسورية في مقدمة مخاطر المستقبل، فبعد انحسارها إلى نحو 7% من السكان وتحويل 3% إلى ثراء فاحش و90% إلى فقراء، بينهم 70% يعيشون تحت الخط بفقر مدقع.

خسرت سورية، اليوم وغداً، محرك الاقتصاد والسياسة والمجتمع، إذ بتلاشي الطبقة الوسطى، تراجع محقق للإنتاج والطلب السلعي والاستهلاك، وبالتالي تراجع النمو والغرق بالعجوزات والاستدانة، ما يحول سورية إلى دولة فاشلة كما سعى نظام الأسد خلال اثنتي عشرة سنة، ويعينه على تحقيقه أخيراً، الأشقاء والأصدقاء.

إن غياب الطبقة الوسطى المنتجة للاقتصاديين والمثقفين مؤشر على الخلل البنيوي بتركيبة المجتمع ودخله وإنتاجه واستهلاكه، وتوجه تلك الشريحة نحو الفقر والأكثر فقراً، يعطي مزيداً من اليأس تجاه ما يمكن أن يجري بعد تعطيل الطبقة المفرزة للكفاءات وخسارة نحو 56% من الشعب السوري كانوا يدرجون قبل عام 2011 ضمن الطبقة الوسطى التي يعوّل عليها بالإنتاج والاستهلاك ودفع الضرائب.

نهاية القول: ربما ليس هناك من هم أتعس من العمال السوريين على مستوى العالم، إذ تكفي الإشارة إلى نسبة البطالة الأعلى والأجر الأقل بالعالم لمن تبقّى على رأس عمله، لنعرف أي واقع يكابده العمال السوريون، الذين حوصروا، بعد القتل والاعتقال والتهجير، بلقمة عيشهم واستغلال أرباب العمل حاجتهم، ليغدوا رهائن ما عرفت البشرية من محابس وطرائق إذلال واستعباد.

المساهمون