استمع إلى الملخص
- تتوقع الحكومة المصرية استمرار الأزمة حتى عام 2030، مما دفعها لاتخاذ إجراءات تقشفية مثل إجبار الشركات على دفع فواتير الغاز بالدولار، وتسعى لتوسيع شبكات الغاز لتلبية الطلب المتزايد.
- تسعى إسرائيل لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة في شرق المتوسط، مستفيدة من التوترات الجيوسياسية، وتحسين علاقاتها مع دول الجوار لضمان تصدير الغاز.
سبّبت أخطاء فنية بجدول وصول شحنات الغاز المسال الوارد من غرب أوروبا بالتوازي مع تراجع معدلات الإنتاج المحلي في استغاثة الحكومة المصرية بإسرائيل لإنقاذها من أزمة غاز تهدد بعودة العتمة وانقطاعات الكهرباء والغاز للمستهلكين، على غرار ما جرى في الصيف الماضي. كشفت مصادر بوزارة البترول عن لجوء المسؤولين المصريين إلى إسرائيل لزيادة ضخ الغاز إلى شبكة الغاز المحلية، وشراء محطة لإعادة إسالة ثالثة، لضمان تشغيل المحطات على مدار الساعة، واستيعاب الكميات الهائلة من الغاز التي ستستوردها مصر، على مدار 6 سنوات مقبلة.
رصدت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، ارتفاع واردات مصر من الغاز الإسرائيلي إلى معدلات قياسية، خلال شهري أكتوبر/ تشرين الأول ونوفمبر/ تشرين الثاني الماضيين، لمواجهة التراجع الكبير في الإنتاج المحلي، وارتباك حركة الواردات الدولية من الغاز المسال، من غرب أوروبا، بعد شهرين فقط من تقليص العجز اليومي من الغاز، خلال شهري أغسطس/ آب وسبتمبر/ أيلول الماضيين، الذين شهدا انخفاضاً بالواردات من حقلي تمار وليفياثان الواقعين شرق البحر المتوسط بدولة الاحتلال، جراء توسع العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد غزة ولبنان وسورية.
بلغت واردات مصر من الغاز الطبيعي من إسرائيل 826 مليون قدم مكعب يومياً، طوال نوفمبر الماضي، بزيادة 326 مليون قدم عن المعدلات التي تستوردها البلاد يومياً، من شبكة غاز الاحتلال الممتدة بالبحر المتوسط.
يقدر خبراء طاقة تراجع انتاج مصر من حقول الغاز المحلية إلى معدل 4.3 مليارات قدم مكعب يومياً، بينما تبلغ الاحتياجات اليومية في فصل الشتاء نحو 6 مليارات قدم، تزيد إلى 6.3 مليارات قدم في ذروة أشهر الصيف. يتوقع خبراء أن تواصل أزمة الغاز ضغوطها على الحكومة حتى عام 2030، متأثرة بانخفاض الإنتاج المحلي وزيادة الاستهلاك وشح النقد الأجنبي الذي لا يمكن الحكومة من دفع مستحقات الشركاء الدوليين بانتظام.
دفعت الأزمة الحكومة إلى إصدار قرار في 24 نوفمبر الماضي، يجبر شركات صناعة الأسمدة والكيماويات والمصانع المقامة بالمناطق الحرة والمناطق الاقتصادية على دفع قيمة فواتير استهلاك الغاز بالدولار، وتحصيل عوائد ضرائب القيمة المضافة بالعملة نفسها على المنتجات المخصصة للتصدير، بعد أن قلصت كمية الغاز المتجهة إلى مصانع الأسمدة الآزوتية بنسبة 80%، منذ أغسطس الماضي.
أحدثت القرارات المفاجئة صدمة بين المستثمرين وشركات القطاع الإنتاجي غير النفطي، الذي يواجه ركوداً مزمناً، بسبب ارتفاع تكلفة التشغيل مع زيادة معدلات التضخم وسعر الدولار والعملات الصعبة مقابل الجنيه، تدفعهم إلى تقليص الإنتاج والتشغيل.
ارتفاع وتيرة استيراد غاز الاحتلال
يتوقع الخبراء أن ترتفع وتيرة اعتماد مصر على الغاز الإسرائيلي، لمدة عامين على الأقل، متأثرة بتراجع الإنتاج المحلي وزيادة استهلاك وتفضيل الهيئة العامة للبترول شراء الغاز عبر الأنابيب من إسرائيل، لانخفاض أسعاره وتكلفة الغاز المسال وفقاً للأسعار الأوروبية.
تتفاوض الشركات المصرية مع نظيراتها الإسرائيلية على رفع الإنتاج من الحقول بدولة الاحتلال، للاستفادة من إعلان إسرائيل التشغيل التجاري لحقل "كاريش" الجديد، بالتوازي مع ما تجريه وزارة البترول من إجراءات لرفع إنتاجية الآبار المملوكة لمصر بمياه البحر المتوسط وشمال وغرب منطقة دلتا النيل.
تسرع الحكومة منذ توقف الحرب الإسرائيلية على لبنان، التفاوض مع تل أبيب على إحياء خطط توسعة قدرات الإنتاج بحقول ليفياثان وكاريش وتمار، لمضاعفة التصدير لشبكة الغاز المصرية، لتصل إلى 2.5 مليار قدم مكعب يومياً بحلول عام 2028.
رصدت مؤسسات دولية، تأثر شحنات الغاز التي تعاقدت الحكومة على شرائها بواقع 50 شحنة، منذ إبريل/ نيسان 2024، عبر شركات هولندية من غرب أوروبا بمشكلات فنية في وحدة التخزين العائمة بالعين السخنة، المخصصة لاستيراد 20 شحنة من الغاز المسال في الربع الأخير من العام الجاري، مؤكدة أن الأعطال جاءت بسبب التقديرات الخاطئة للطلب على الغاز، وتأجيل وزارة البترول وصول بعض الشحنات إلى الربع الأول من عام 2025.
سجل إنتاج الغاز الطبيعي عجزاً قياسياً بين الإنتاج والاستهلاك، بلغ 1.85 مليار قدم مكعب يومياً، في أغسطس 2024، حيث وصل الإنتاج إلى 4.58 مليارات قدم مكعب يومياً، بينما الاستهلاك زاد عن 6.3 مليارات قدم مكعب.
مصر تسعى للحصول على شحنات جديدة
تدفع أزمة الغاز إلى سعي مصر للحصول على شحنات جديدة من الغاز المسال حتى عام 2030 مع توقع استمرار الفجوة بين الإنتاج المحلي وزيادة الاستهلاك الصناعي والنمو السكاني، الذي يتطلب توسعاً في مد شبكات الغاز للمنازل ومحطات الوقود والكهرباء.
أسرعت وزارة البترول بتوقيع اتفاق لشراء وحدة تحويل الغاز السائل إلى غازي "تغويز" المستقرة بميناء العقبة الأردني، منذ عامين، بنظام التأجير التمويلي المنتهي بالتمليك، لتستخدم ميناءً للغاز المسال، وتأجير وحدة تغويز ثالثة لتأمين تزويد خطوط أنابيب الغاز الممتدة بين البلدين، بالغاز الطبيعي.
وقعت وزارتا البترول في البلدين اتفاقية نهاية نوفمبر الماضي، تسمح للجانب الأردني بالحصول على خدمات التخزين وإعادة التغويز لمدة عامين تنتهي في ديسمبر/ كانون الأول 2026، مع تقسيم حصة الشحن مناصفة بين البلدين، بما يوفر لهما ضمانة لتوافر الغاز بصفة دائمة وتخفيض التكلفة.
تبحث الحكومة عن موارد بالدولار لاستيراد 20 شحنة إضافية من الغاز المسال، لسد احتياجات محطات الكهرباء، لتغطية احتياجات البلاد، خلال موسم الشتاء الحالي، والحد من ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي، طوال عام 2025.
يذكر خبير اقتصاديات الطاقة، نبيل رشوان، أن اكتشاف القدرات الفعلية الهائلة للحوض الشامي بمنطقة شرق المتوسط، تقدر هيئة المساحة الجيولوجية الأميركية، بنحو 345 تريليون قدم مكعب من الغاز وملياري برميل من النفط، من حوض يمتد بين حقل "ظهر" في مصر إلى سواحل غزة و"ليفياثان" و"تمار" بدولة الاحتلال و"أفروديت" في قبرص وسواحل لبنان وسورية.
وعاد الدفء بين كل من إسرائيل من ناحية وقبرص واليونان، وذهب اللبنانيون إلى التفاوض مع إسرائيل على ترسيم الحدود البحرية والاقتصادية، وحرصت تل أبيب على تحسين علاقاتها مع مصر والأردن لضمان تصدير منتجاتها المتعاظمة.
يؤكد رشوان في تحليل نشره في صحيفة محلية أن تل أبيب تسعى للاستفادة من أجواء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والحرب على حماس والسلطة الفلسطينية في غزة، للسيطرة على ثروات سواحل غزة من النفط والغاز، كي تصبح مركزاً للطاقة في شرق المتوسط بدلاً من مصر.
يذكر خبير الطاقة، أحمد سلطان، أن أسعار النفط والغاز الطبيعي لم تعد محصنة ضد التوترات الجيوسياسية، التي تتصاعد في المنطقة، بما يجعلها عرضة للتقلبات، ومع حالة الحرب التي تشنها إسرائيل على كل من لبنان وغزة، واستمرار حالة الحرب بين روسيا وأوكرانيا تدفع حالة عدم اليقين إسرائيل إلى اعتبار حقول الغاز كنزاً تطمح من خلاله إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً لتصديره. يبين سلطان في دراسة فنية حصلت عليها "العربي الجديد" مضاعفة إسرائيل لصادراتها من الغاز بنحو 20 مرة في السنوات الخمس الأخيرة، والتي تدفع نسبة كبيرة منها إلى شبكة الغاز المصرية.