ربما تكون الرصاصات الأولى في حرب المياه بآسيا الوسطى قد أطلقت بالفعل في مايو/ أيار الماضي، حينما أدى الخلاف حول حصص المياه من نهر هلمند الاستراتيجي في أفغانستان لتفجير نزاع عسكري على الحدود بين إيران وأفغانستان.
لكن تقارير أممية ترى أن التغير المناخي والطقس الجاف يتجهان لإشعال المزيد من النزاعات بين دول آسيا الوسطى التي تعاني بشدة من ندرة المياه أثرت بشدة على قطاعات حيوية، منها الزراعة ومياه الشرب. وانطلقت احتجاجات شعبية في عدة عواصم بسببها. ففي تركمانستان، جفت صنابير المنازل وأكل الجراد المحاصيل.
وفي كازاخستان، تم إعلان حالة الطوارئ مع تحول بحر قزوين إلى بركة. وفي أوزبكستان، تعاني زراعة القطن من شح المياه، وهو محصول رئيسي بالبلاد، استنزف معظم مياه بحر الآرال.
كما تشق حركة طالبان الأفغانية قناة لتحويل المياه من نهر آمو داريا، الذي يعبر الحدود لخمس دول في آسيا الوسطى. ويتوقع خبراْء أن تثير هذه القناة نزاعات مع دول آسيا الوسطى الأخرى.
ونقلت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية عن أكرم عمروف، الأستاذ المساعد في جامعة الاقتصاد العالمي والدبلوماسية في العاصمة الأوزبكية طشقند، قوله إنه لا سبيل لإعادة الازدهار إلى بحر آرال، الذي كان في يوم من الأيام أكبر بحر داخلي في العالم، وتتقاسمه أوزبكستان وكازاخستان، "فقد هلك بحر آرال، ولا أمل في إنقاذه".
وقبل أسبوعين نشرت فورين بوليسي تقريراً سلّط الضوء على أزمة المياه القادمة في آسيا الوسطى، والتي يتوقّع أن تتفجر قريباً ما لم تستطع تلك الدول إدارة خلافاتها بخصوص المياه بشكل حكيم.
ووفق التقرير فإن "دول آسيا الوسطى؛ كازاخستان وتركمانستان وأوزباكستان، تواجه شحاً في مصادر المياه"، في وقت تحاول طالبان أن تحفر قناة لتحويل المياه من نهر "أمو داريا" الذي يشكّل الحدود النهرية لخمس دول في آسيا الوسطى.
وأضاف "دخلت إيران وأفغانستان في خلافات وتوترات على تقاسم المياه عبر الحدود، في وقت سابق، واليوم يخشى بعض الخبراء من أن تكون شرارة "حروب المياه" المتوقّعة منذ فترة طويلة، قد اشتعلت بالفعل.
وحسب تقديرات المجلس النرويجي للاجئين، فإن أفغانستان التي عانت من صراعات حادة وحروب طويلة تفتقر إلى إمدادات مياه مستقرة، ولكن مصادر المياه تتعرض لضغوط متزايدة بسبب الجفاف الشديد.
ويعتمد ما يقرب من ملياري شخص على الأنهار التي تنبع من هضبة التبت وهندوكوش، من بينها الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى.
ويقدر المجلس النرويجي أن مقاطعتين من أصل ثلاث مقاطعات تتأثر حالياً بالجفاف، مما يعرض مليوني شخص لخطر الجوع. وفي ذات الصدد، يقول تقرير لـ"شبكة العمل المناخي" الدولية إن العواصم الكبرى في دول آسيا الوسطى والعديد من المدن تعاني مشكلة حادة تتعلق بمياه الشرب.
ويشير التقرير إلى أن أزمة المياه الحادة التي تواجهها دول آسيا الوسطى لم تعد تهدد التنمية الاقتصادية والأنشطة المهمة، ومنها القطاع الزراعي فحسب، ولكنها امتدت لتهدد حياة الملايين من الناس، إذ تفاقمت أزمة المياه العذبة في الصيف الجاري بسبب تغير المناخ وسوء إدارة المياه لتشكل تحديات كبيرة لبلدان المنطقة. وربما تؤدي أزمة المياه المتصاعدة لتفجير نزاعات بين دولها في المستقبل، على الرغم من التحالفات القوية القائمة بينها.
ويرى تقرير "شبكة العمل المناخي" الدولية أن الطريق الوحيد لتفادي تحول أزمة المياه إلى حروب بين دول المنطقة، هو وجود آليه مشتركة لإدارة المياه وطريقة تقاسمها في الأنهار العابرة للحدود، خاصة مياه نهري أموداريا وسير داريا، العابرة لحدود دول آسيا الوسطى الخمس.
ولاحظ خبراء أن ندرة مياه الشرب في المدن الكبرى في دول المنطقة باتت تثير الاحتجاجات والسخط الشعبي ضد الحكومات وتضغط تدريجياً على الأنظمة الضعيفة التي عانت في الماضي من مجموعة من الاضطرابات السياسية.
ففي كازاخستان تشهد العاصمة أستانة أزمة مياه تسلط الضوء على التفاوت في الوصول إلى مياه الشرب في المدينة، منذ مايو/أيار 2023. واندلعت هذا الصيف احتجاجات ضد انقطاع المياه في العاصمة.
وفي بداية شهر أغسطس/ آب الجاري، أغلق بعض السكان في العاصمة إحدى الطرق للفت انتباه السلطات إلى المشكلة. وحسب تقرير "شبكة العمل المناخي"، تزامنت الاحتجاجات مع ارتفاع درجات الحرارة بالبلاد التي وصلت بالعاصمة إلى 38-40 درجة.
وحسب التقرير، تغطي المياه نسبة 2.8% فقط من أراضي كازاخستان، بينما تمثل المناطق القاحلة الثلثين. ويأتي جزء كبير من موارد المياه بالبلاد من الدول المجاورة، ولهذا السبب تعتبر مسألة تسوية الخلافات حول حصص المياه بالأنهار العابرة للحدود أمراً حيوياً لكازاخستان.
ويتوقع التقرير أنه "بحلول عام 2030 قد ينخفض حجم المياه العذبة بمقدار خمس مرات ليصل إلى 23 كيلومتراً مكعباً، وهو ما يعادل معدل الاستهلاك السنوي". واضطرت شركة إدارة وتوزيع المياه في العاصمة أستانة منذ نهاية 28 مارس/ آذار الماضي إلى إدخال إجراءات لتنظيم ضغط المياه ووضع جدول زمني للاستهلاك. وأشارت إدارة المياه بالمدينة إلى أن السكان يستخدمون مياه الشرب بشكل نشط لسقي المساحات الخضراء وأن هذا قد يفاقم من أزمة مياه الشرب بالمدينة.
وفي عاصمة قرغيزستان، بيشكك، وجد السكان أنفسهم محرومين من الحصول على مياه الشرب النظيفة لعدة أيام خلال الشهر الجاري، مما تسبب في موجة من السخط وأدى إلى احتجاجات شعبية، بما في ذلك إغلاق الطرق الرئيسية في العاصمة. وتتخذ سلطات المدينة تدابير لمنع تفاقم الأزمة، حيث دعت السكان إلى استخدام كميات أقل من المياه في الحياة اليومية، وعدم استخدام مياه الشرب لري الحدائق الخلفية بالمنازل، كما دعت الشركات التي ترتبط أعمالها باستهلاك كميات كبيرة من المياه إلى التوقف عن استخدام المياه لفترة من الوقت. وبيشكك مدينة رئيسية في آسيا الوسطى حيث تتزايد الانتقادات الموجهة للسلطات بشأن إدارة المياه الجوفية، خلال الصيف الجاري.
أما في أوزبكستان، حسب تقرير "يونسون غروب"، وهي منظمة غير الحكومية، تراقب الحكومة ندرة المياه في آسيا الوسطى، كما انقطعت مياه الشرب عن جميع مناطق أوزبكستان، كبرى الدول في آسيا الوسطى، عدا العاصمة طشقند.
وتحتل أوزبكستان المركز الـ25 في قائمة 164 دولة تعاني من نقص المياه، بحسب تقرير معهد الموارد العالمية. وبحسب دراسة المنظمة الصادرة في بداية أغسطس/ آب الجاري، فإن أوزبكستان مدرجة في قائمة 27 دولة تعاني من ندرة عالية في المياه.
وتشكل موارد الطاقة الكهرومائية في أوزبكستان من المصادر الرئيسية في توليد الطاقة الكهربائية، ويبلغ إجمالي موارد المياه في البلاد 50-60 كم مكعب سنوياً، منها 12.2 كيلومتراً مكعباً فقط تتشكل من مصادر المياه المحلية والباقي يأتي من الخارج، وتحديداً من جبال "تيان شان" و"بامير – ألتاي"، ومن ذوبان الثلوج والأنهار الجليدية في الصيف.
ويذهب الجزء الكبير من الموارد المائية في أوزبكستان إلى ري حقول القطن. وبحلول عام 2030، من المتوقع أن يرتفع عدد سكان أوزبكستان إلى ما يقرب من 40 مليون نسمة، مما سيؤدي إلى انخفاض في موارد المياه المتاحة بمقدار 7-8 كيلومترات مكعب.
وفي ظل هذه الظروف، من المتوقع أن يزداد النقص في الموارد المائية بحلول عام 2030 من معدل 13-14% الحالي إلى 44-46%، الأمر الذي سيؤدي إلى إبطاء تطوير الزراعة والصناعات الأخرى في البلاد.