في الوقت الذي يعاني فيه اليمن من انزلاق خطير لأزمة المياه وتأثيراتها بالقطاعات الإنتاجية، ارتفعت حدة النزاعات على الأراضي والمياه بشكل كبير، خلال الفترة الماضية، في ظل انقسام مؤثر للسلطات في البلاد، وتراكم التحديات الاقتصادية، وانعكاساتها الواسعة على المواطنين.
وأدت الصراعات على الأراضي والمياه إلى صراع أودى بحياة الآلاف كل عام في العقود الأخيرة، مع ازدياد هذه النزاعات تعقيداً إلى مستويات يصعب التعامل معها، بالنظر إلى الأولويات الضخمة التي تركتها هذه الحرب بين أطرافها المعنية.
ويواجه اليمنيون أيضاً سوء تنظيم وتوزيع المياه، نتيجة تزايد تأثير تغير المناخ، بما في ذلك استنزاف منسوب المياه الجوفية والجفاف والفيضانات.
في السياق، أعلنت الولايات المتحدة الأميركية في 13 إبريل/ نيسان الماضي، من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، عن برنامج جديد يمتد لعامين لمساعدة المجتمعات اليمنية المتضررة من النزاع على إدارة وحل النزاعات على الأراضي والمياه بشكل عادل وسلمي.
وحسب بيان حديث صادر عن الوكالة الأميركية للتنمية، فإن البرنامج الذي تبلغ تكلفته 1.2 مليون دولار يهدف إلى بناء السلام في اليمن، من خلال معالجة الانقسامات المتأصلة والتي استفحلت كما يلاحظ في قطاع المياه والأراضي، إضافة إلى تعزيز القدرة على الصمود مع تغير المناخ، والمساعدة على الحد من النزاعات العنيفة الناشئة عن الموارد الشحيحة.
ويؤكد السفير الأميركي في اليمن ستيفن فاجن، لـ"العربي الجديد"، أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الشعب اليمني في هذه الظروف الصعبة التي تركتها الحرب، وتركز جهودها على تحقيق السلام والتقدم في مجتمعات يمنية مختارة من خلال هذا البرنامج الجديد، الذي يوضح مدى قوة الشراكة بين البلدين وفق اعتقاده. وأشار إلى قدرة هذا البرنامج على زيادة المرونة في مواجهة تغير المناخ في اليمن، والمساعدة على تقليل النزاعات على الموارد المحدودة، في ظل تضخم الآثار الناتجة على انهيار الأمن الغذائي في البلاد.
ومثّلت أزمة المياه الصدمة الحادة التي كانت لها آثار خطيرة على إنتاج المحاصيل في التدهور وانعدام الأمن الغذائي.
يظهر ذلك في انخفاض كمية السلع الزراعية الاستراتيجية بصورة كبيرة، فقد انخفض إنتاج القمح، وفق بيانات زراعية رسمية بنسبة 56.9% عام 2020 مقارنة مع عام 2013، إضافة إلى انخفاض الحبوب الأخرى بحوالي 43.5%، بينما انخفضت كميات السلع الزراعية ذات الأهمية الغذائية للسكان، كالبقوليات والخضراوات والفواكه بحوالي 3.7% و14% و4.6% على التوالي.
وتشدد الوكالة الأميركية للتنمية الدولية على أن المجتمعات المحلية في اليمن أصبحت معرضة للنزاعات على الأراضي والمياه بسبب تغير المناخ بشكل متزايد، الأمر الذي يتطلب المساعدة والشراكة مع اليمنيين لإعداد قادة المجتمع لحل المزيد من هذه النزاعات بشكل سلمي وآمن.
كما يتطلب هذا الوضع المتفاقم العمل مع المجتمعات المحلية في ريف اليمن لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع على الأراضي والمياه، وخاصة ندرة المياه، من خلال تعزيز الحفاظ عليها، وخاصة في الزراعة، وتسهيل التخطيط لمواجهة تغير المناخ بقيادة المجتمع المحلي.
ويرى المحلل الاقتصادي حاشد الشوكاني، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الصراع المحتدم على المياه من أكثر المشاكل التي تعصف باليمنيين الذين يتخذون منها وسيلة للبقاء والصمود في وجه الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتضخمة، إضافة إلى الربح والتكسب وجني الأموال من عائدات بعض المحاصيل التي تستخدم المياه بكثافة لريها، خصوصاً القات.
وتترك المشاكل والنزاعات المحتدمة مساحات شاسعة من الأراضي دون أي استغلال واستخدام، سواء ما كان منها صالحاً للزراعة أو للاستخدامات الاقتصادية الأخرى، في حين تتراكم القضايا الخاصة بهذه النزاعات لدى الجهات القضائية والعقارية المختصة التي تجد صعوبة في عملية البت فيها.
ويتابع الشوكاني أن صنعاء تأتي في طليعة المناطق اليمنية التي تكثر فيها النزاعات على المياه والأراضي، بسبب التوسع والتمدد في زراعة نبتة القات التي تعتبر مصدر دخل رئيسياً تجني من ورائه أموالاً طائلة، ثم محافظة ذمار جنوب العاصمة اليمنية، وهناك محافظة تعز جنوب غربي البلاد التي تعاني من حفر متواصل وعشوائي للآبار، وسط تصاعد حدة النزاعات على المياه والأراضي، خصوصاً الصالحة منها للزراعة.
يتطلب هذا الوضع المتفاقم العمل مع المجتمعات المحلية في ريف اليمن لمعالجة الأسباب الجذرية للنزاع على الأراضي والمياه
ويحتاج قطاع المياه إلى إعادة بناء وصيانة البنى التحتية التي تدمرت بفعل الحرب، ونقص الإمكانيات، وتخفيف فجوة التوازن بين الموارد المحددة والاحتياجات المتزايدة، سواء للاستخدام المنزلي أو للقطاعات الزراعية والصناعية.
ويربط الباحث الزراعي فهمي الجولحي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، بين الفجوة الغذائية المتسعة في اليمن ومشكلة المياه، فالطلب المتزايد على الغذاء يزيد استهلاك المياه بشكل كبير، لذا فإن العجز في تلبية هذا الطلب يشكل تحدياً خطيراً على الأمن الغذائي المتفاقم والمتدهور في البلاد.
ويعتبر اليمن من أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه على مستوى العالم، إذ يواجه السكان خطر نضوب المياه الجوفية، وانخفاض منسوب الأحواض الاستراتيجية الخمسة في البلاد، وفق تقارير رسمية.