طاول التخريب كل شيء في السودان وامتد للبنوك ومجمع الذهب والمتاجر والمصانع، وسط غياب شبه كامل للدولة وفوضى المليشيات المسلحة.
ولم تسلم البنوك السودانية في الخرطوم والعديد من الولايات من تداعيات الحرب الدائرة بين الجيش والدعم السريع فى الخرطوم.
وفي هذا السياق، تعرضت عدة بنوك للحرق والسلب والنهب، ما قد يؤثر سلبا على أداء القطاع المصرفي، خلال الفترة القادمة، خاصة وأنها تعرضت خلال السنوات الماضية إلى عقوبات وتحديات أقعدتها عن القيام بدورها بشكل كامل.
وتعاني البنوك أصلاً من ضعف رؤوس الأموال وعدم ثقة العملاء نتيجة سياسات بنك السودان المركزي، ما جعل كثيرا منها يتجه للعمل في مجالات غير مصرح بها قانونا، وفق مراقبين لـ"العربي الجديد".
لم تشر الجهات الرسمية إلى إحصائية دقيقة للبنوك المتضررة والمنهوبة والمحترقة، لكن البنك المركزي أكد فى بيان له أول من أمس تضرر عدد من البنوك.
ووفق متابعات "العربي الجديد" فقد تعرضت ثلاثة فروع لبنك الخرطوم لنهب وسرقة، إضافة إلى فرع بنك فيصل الإسلامي، كما تعرض مبنى بنك الجزيرة السوداني/ الأردني وبنك أم درمان الوطني فرع القيادة العامة لحريق وتلف في مرافقه المختلفة، في وقت شهد بنك السودان فرع الخرطوم محاولات للسرقة بجانب بنك السلام فرع السوق الشعبي.
وترى مصادر في حديثها لـ"العربي الجديد" أن البنوك التي تعرضت لنهب وسلب أعدادها كبيرة، ولكن عمليات الحصر ليست دقيقة بسبب العديد من الإغلاقات المترتبة على اندلاع المعارك المسلحة.
فى بيان توضيحي من بنك السودان المركزي قال: انتظم يوم الأحد الماضي العمل في معظم فروع بنك السودان المركزي بالولايات، كما باشرت فروع المصارف التجارية بتلك الولايات تقديم خدماتها المصرفية بما في ذلك خدمات السحب والإيداع النقدي.
وأفاد بيان المركزي بأن هناك حريقا جزئيا ومحدودا نشب ببنك السودان المركزي فرع الخرطوم قبل ثلاثة أيام وتمت السيطرة عليه، وأحدث أضرارا في الجزء الخارجي للمبنى ولم تقع أي أضرار كبيرة تذكر.
وطمأن البنك جمهور المودعين وأصحاب الحسابات المصرفية إلى أن أموالهم في الجهاز المصرفي بأمان، وأن ما تم تداوله من عمليات نهب أو سرقة لبعض فروع البنوك التجارية لن يؤثر على ودائع الجمهور طرف تلك البنوك.
ويقول الخبير المصرفي شوقي عزمي لـ"العربي الجديد" إن للحرب آثارا سالبة على كل مجالات الحياة، مشيرا إلى أن الجهاز المصرفي هو الشريان الذي يغذي كل مناحي الحياة بالمال الذي من خلاله يتم تغطية احتياجات الناس المختلفة.
ويضيف: الحرب تؤثر على قيمة العملة وتفقدها قيمتها حيث إن الطلب على العملات الحرة سوف يرتفع إما بغرض الهروب من الواقع المرير أو عند البدء في التعمير.
ويتابع: كما أن الحركة التجارية تتعطل فلا اعتمادات مستندية أو عمليات صادر تغذي ميزانية المدفوعات، فالحرب دمار يجب أن تقف لنبدأ من جديد تحريك الاقتصاد.
وتساءل عضو مجلس إدارة الغرف التجارية قاسم الصديق لـ"العربي الجديد": هل كانت خزائن تلك البنوك مليئة بالعملات؟ موضحا أن البنوك كانت تشكو من انعدام السيولة لديها في أحيان كثيره كما أنها أصلا لم يكن لها دور يذكر في تنمية الاقتصاد المحلي.
أستاذ الاقتصاد محمد زين قال لـ"العربي الجديد": سنرى في الأيام المقبلة ارتفاعات كبيرة في أسعار الصرف ونشاطا للسوق الموازية كما ستمتد الآثار إلى ضعف عمليات الادخار والإيداع في البنوك.
ومن جانب ثان، شهد مجمع الذهب الرئيسي في الخرطوم عمليات تخريب ونهب تأثر بها تجار. وقدر عاملون في المجمع تحدثوا لـ"العربي الجديد" حجم الضرر الذى تعرض له مجمع الذهب بمليارت الجنيهات. وقالوا إن أقل متجر يمتلك حوالى 30 كيلوغراماً من الذهب ما يعني أن الخسائر كبيرة.
ويوجه مراقبون أصابع الاتهام إلى عملية إطلاق المجرمين من السجون، في حين يؤكد آخرون أن عصابات مسلحة منظمة بدأت تنشط وسط الخرطوم تعمل على نهب وسلب المناطق والمؤسسات والشركات ذات الأثر الاقتصادي المهم للدولة.
وفي هذا السياق، أكد السكرتير الإعلامي لشعبة مصدري الذهب عاطف عبد القادر أن ما حدث عمل منظم لأنه استهدف جميع مجمعات الذهب بالخرطوم وأم درمان وبحري ومتاجر شرقي الخرطوم.
ويوجه عبد القادر في حديثه لـ"العربي الجديد" تهمة للسجناء والمجرمين الذين هربوا أو أطلق سراحهم عن عمد من السجون والذين استغلوا انشغال القوات المسلحة والدعم السريع في الحرب والاختفاء التام للأجهزة الشرطية، وقاموا بأعمال نهب وسرقة واسعة طاولت أغلب المتاجر في سوق الذهب.
ويضيف أن هذه الفوضى تشجع على إنعاش عمليات التهريب إلى الخارج وخاصة في ظل إغلاق المجمع الرئيسي للذهب في الخرطوم. وأكد أن هناك 15 متجراً للذهب تعرضت للسرقة بالإضافة إلى محاولات أخرى للسلب.
صاحب متجر بمجمع سوق الذهب عمر بخيت، يقول: "من الصعب الآن تقدير الخسائر" لكنه يضيف لـ"العربي الجديد ": "ظللنا نتابع مع قسم الشرطة الشمالي الذي يقع وسط الخرطوم إذ كانت هنالك دوريات شرطية بالإضافة إلى شرطة المباحث التي كانت تعمل على حراسة المجمع، لكن اتخذ قرار بانسحاب جميع الأجهزة الشرطية من المرافق الحكومية والاستراتيجية والشركات والمؤسسات المهمة وسط الخرطوم. كثير من التجار أخذوا ذهبهم من المجمع إلى مناطق أخرى آمنه إلى أن تستقر الأوضاع".