استمع إلى الملخص
- تداعيات اقتصادية وجيوسياسية: تثير احتمالية حرب العملات قلقاً بين الاقتصادات الكبرى، حيث تخفض الدول قيمة عملاتها لزيادة حصتها التجارية، مما قد يؤدي إلى تدابير انتقامية وعدم استقرار اقتصادي عالمي.
- ردود الفعل العالمية والتوقعات المستقبلية: تدرس دول مثل بريطانيا والاتحاد الأوروبي تداعيات سياسات ترامب، وقد تلجأ الصين ودول أخرى لخفض قيمة عملاتها، مما قد يؤدي إلى التلاعب بالعملات وزيادة حصة الصين في التجارة العالمية.
أعطت بكين هذا الأسبوع إشارات إلى احتمال شنّها حرب عملات ضد الدولار، في حال إقدام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب على خوض حرب تجارية ضدها، حيث كشفت مصادر صينية أن كبار القادة وصناع السياسات النقدية والمالية في البلاد يدرسون السماح لقيمة اليوان بالانخفاض خلال عام 2025، تأهباً لمخاطر فرض إدارة ترامب تعريفات جمركية إضافية على صادرات البلاد. ورغم أن البنك المركزي الصيني لن يعلن صراحة على الأرجح أنه لن يدعم سعر صرف العملة، لكنه سيترك مساحة أكبر لقوى السوق في تحديدها، وهو ما يعني احتمالية شنّ بكين حرب عملات، بهدف زيادة جاذبية الأسواق العالمية لمنتجاتها وسلعها، وعدم تأثرها سلباً برسوم ترامب التجارية.
حرب تجارية مع قدوم ترامب
ولا يستبعد مصرفيون غربيون أن تندلع حرب عملات في عام 2025، إذا نفّذ ترامب وعوده بفرض تعريفات جديدة أو تبنّى سياسات تجارية عدوانية ضد الشركاء التجاريين، خصوصاً في ضوء ردود الصين السابقة خلال فترة ولايته الأولى. ويثير هذا الاحتمال قلقاً كبيراً بين الاقتصادات الكبرى في ظل المناخ الجيوسياسي الحالي المضطرب والظروف الاقتصادية التي تعاني منها الدول في أوروبا. وتحدُث حرب العملات عادة عندما تخفّض الدول قيمة عملاتها بشكل تنافسي، للحصول على ميزة تمنحها زيادة حصتها في التجارة الدولية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تدابير انتقامية وزيادة عدم الاستقرار الاقتصادي العالمي.
ويعني مصطلح حرب العملات تدخّل دولة ما في تغيير سعر عملتها المحلية مقابل عملات الدول الأخرى، وفي مقدمتها الدولار، إما بخفض سعر العملة، في حال كونها دولة مصدرة، مثل الصين واليابان، وتريد أن تكون سلعها أرخص سعراً عند تقويمها بالعملة الأميركية من أجل زيادة التنافسية في الأسواق العالمية، وإما بزيادة سعر العملة إن كانت دولة محتكرة لسلع استراتيجية.
وسلط الخبير الاقتصادي فريد نيومان، كبير الاقتصاديين الآسيويين في مصرف "إتش إس بي سي" البريطاني في تحليل، الأربعاء، الضوء على احتمال حدوث حرب عملات، وقال إن "تعديلات العملة مطروحة على الطاولة كأداة يمكن استخدامها للتخفيف من آثار التعريفات الجمركية التي يتوعد بها ترامب". ولم يستبعد مصرف "دويتشه بنك" الألماني، في تحليل في 5 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، احتمالية "تدخّل الحكومات في العملة لحماية تجارتها"، إذا شعرت بالتهديد من التغيرات السريعة في أسعار الصرف، بسبب الضغوط الخارجية أو التحديات الاقتصادية المحلية.
في ذات الشأن، قال مصرف سيتي غروب الأميركي، بعد فوز ترامب في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي: "إذا استمرت الاقتصادات الكبرى في السير في مسارات متباينة مع السياسة النقدية، فإن هناك احتمالاً متزايداً لاستخدام استراتيجيات خفض قيمة العملة التنافسية من قبل أولئك الذين يسعون لمزايا التصدير". من جانبه، حذر مصرف مورغان ستانلي، في تقرير في بداية ديسمبر الجاري، من أن "التوترات الجيوسياسية المتزايدة يمكن أن تؤدي إلى سباق نحو القاع في أسعار الصرف" في ما يتعلق بالعملات، حيث تتفاعل الدول بشكل دفاعي ضد التهديدات المتصورة من المنافسين.
ويشير مصرفيون وخبراء اقتصاد إلى عوامل عدة تهدد التجارة العالمية، وربما تحدث هزة في الاقتصاد العالمي، أولها السياسات التجارية والتعريفات الجمركية التي يمكن أن تدفع الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين إلى تخفيضات تنافسية في قيمة العملة. وتراجعت قيمة العملة الصينية خلال تعاملات أمس الخميس في السوق المحلية، بعد تقرير نقلته "رويترز" هذا الأسبوع حول عزم الحكومة السماح لسعر صرف اليوان بالتراجع في عام 2025، وفقاً لتخفيف آثار الرسوم الجمركية الأميركية المحتملة خلال ولاية الرئيس المنتخب دونالد ترامب. وورد في تقرير "رويترز" نقلاً عن مصادر مطلعة، أن صناع القرار في الصين يدرسون السماح لقيمة اليوان بالانخفاض خلال عام 2025، في محاولة لتعويض الأثر السلبي المتوقع على تجارة البلاد الخارجية، حال تنفيذ ترامب تهديداته بفرض رسوم جمركية إضافية.
وعانى اليوان ضغوطاً إضافية، الأربعاء، بسبب تراجع عوائد السندات السيادية لأجل 30 عاماً إلى 2.058%، لتسجل أدنى مستوى على الإطلاق، قبل أن ترتد بصورة طفيفة وترتفع 0.5 نقطة أساس عند 2.065. وعلى مستوى ردود الشركاء التجاريين للولايات المتحدة على رسوم ترامب، تدرس بريطانيا كيفية التنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي للتعامل مع التداعيات السالبة لجمارك ترامب. ويلاحظ أن اليورو يواصل الانخفاض، وهناك توقعات بأنه قد يتراجع إلى دولار أو أقل من ذلك في العام المقبل، في حال تطبيق ترامب وعوده الحمائية.
وإذا ظلت التعريفات الجمركية مرتفعة أو زادت، فقد تسعى الصين وبلدان أخرى مثل دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وكندا ودول النمور الآسيوية لخفض قيمة عملاتها المحلية، للحفاظ على القدرة التنافسية للصادرات.
أما العامل الثاني الذي يقلق الأسواق الدولية، فهو فروق أسعار الفائدة، إذ في حال استجابة البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم لتعديل أسعار الفائدة لمكافحة الضغوط التضخمية وتوقعات النمو الاقتصادي، فيمكن للفوارق الكبيرة في أسعار الفائدة أن تحفز تدفقات رأس المال التي تؤثر في قيم العملات المحلية. وعلى سبيل المثال، إذا استمر بنك الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) في خفض أسعار الفائدة، بينما تحافظ الدول الأخرى على أسعارها أو ترفعها، فقد يؤدي ذلك إلى ضعف الدولار مقارنة بالعملات الأخرى.
أما العامل الثالث، فهو اتجاهات التضخم، فمع استقرار معدلات الغلاء على مستوى العالم، قد تتبنى البلدان سياسات نقدية مختلفة يمكن أن تؤثر بقيمة عملاتها المحلية. وإذا شهدت بعض الدول تضخماً أعلى من غيرها دون تعديلات مقابلة في السياسة النقدية، فقد يؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة العملة.
والعامل الرابع هو التوترات الجيوسياسية، إذ يمكن للصراعات الجيوسياسية المستمرة أن تخلق حالة من عدم اليقين في الأسواق المالية، ما يدفع الدول إلى التلاعب بعملاتها المحلية، في وسيلة لتحقيق الاستقرار في اقتصاداتها أو اكتساب النفوذ على الشركاء التجاريين.
وأعرب مصرف غولدمان ساكس عن مخاوفه بشأن تزايد الحمائية التي ينوي ترامب تنفيذها على التجارة العالمية. ولم يستبعد أن تؤدي إلى تخفيضات تنافسية في قيمة العملات بين الاقتصادات الكبرى إذا فشلت المفاوضات التجارية.
وأشار البنك، في تحليل منتصف نوفمبر الماضي، إلى أن "خطر نشوب حرب عملات يزداد كثيراً إذا نُفِّذت التعريفات الجمركية التي وعد بها ترامب على نطاق واسع". كذلك أبرز مصرف "جي بي مورغان"، في تحليل في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن "البنوك المركزية قد تلجأ إلى سياسات نقدية غير تقليدية" إذا تباطأ النمو الاقتصادي كثيراً في عام 2025، ما قد يؤدي عن غير قصد إلى التلاعب بالعملة، بينما تحاول الدول تعزيز الصادرات.
وكانت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين قد حذرت، يوم الأربعاء الماضي، من تداعيات حدوث حرب عملات على ارتفاع معدل التضخم في السوق الأميركي. وعلى صعيد الاقتصاد الصيني، فإن التأثيرات المباشرة لضعف اليوان ستعزز الصادرات الصينية، إذ يجعل السلع الصينية أقل تكلفة في السوق العالمية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الطلب من المستهلكين الأجانب.
وهذا أمر بالغ الأهمية بشكل خاص بالنسبة إلى الصين، حيث يعتمد اقتصادها في النمو كثيراً على الصادرات. وبالتالي، سياسات ترامب قد تنتهي إلى زيادة حصة الصين في التجارة العالمية، خصوصاً أنها تقود كتلة "بريكس" ولديها علاقات تجارية قوية واستثمارات في كل من أفريقيا وأميركا الجنوبية. وأشار المحللون إلى أنه إذا سمحت الصين لعملتها بالضعف بشكل كبير، فقد يساعد ذلك في تعويض آثار الرسوم الجمركية الأميركية.