تستعر حرب الموانئ التجارية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين في القارة الأوروبية، وتظهر خريطة الملاحة الدولية تطويق بكين مياه القارة العجوز بعد إبحار هادئ استمر لأعوام ماضية، حتى تمكنت من فرض نفوذها هناك، لتستيقظ واشنطن في وقت متأخر على واقع ليس من السهل تغييره.
وأضحت الصين تستحوذ على حصص أغلبية أو أقلية في موانئ حيوية في العديد من الدول منها اليونان وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وهولندا وإسبانيا ومالطا والسويد وبولندا وبلجيكا، بعضها يوصف ببوابة التجارة الأوروبية مثل هامبورغ في ألمانيا.
وقبيل زيارة مهمة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين لبكين ولقاء الرئيس الصيني شي جين بينغ، والتي تراقبها الولايات المتحدة عن كثب، في ظل تبني دول أوروبية مواقف تؤيد التقارب الاقتصادي مع الصين، سلطت صحيفة "وول ستريت جورنال" الضوء لأول مرة على إفشال واشنطن صفقة مهمة بالنسبة للصين تتعلق بالتمدد في الموانئ الأوروبية، لتسلط الضوء على حرب تدور فوق الأرصفة وبين رافعات الشحن العملاقة.
وأفشلت واشنطن مناقصة كرواتية رست بالفعل قبل نحو عامين على ثلاث شركات صينية تتعلق ببناء وتشغيل محطة حاويات في ميناء رييكا لمدة 50 عاماً بقيمة 3 مليارات دولار، لافتة إلى أن الضغوط الأميركية وبمساعدة أوروبية نجحت في إلغاء الصفقة دون إبداء أسباب من كرواتيا، كما دعم المسؤولون الأميركيون سراً عرضاً بديلاً قدمته شركة "إي بي إم تيرمينالز"، التابعة لمجموعة "ميرسك" الدنماركية بالتعاون مع شركة "إينا لوجيك" الكرواتية للخدمات اللوجستية.
وقال أوليج بوتكوفيتش، وزير النقل الكرواتي، في مقابلة أجرتها الصحيفة الأميركية في العاصمة زغرب: "لم يكن هناك تدخل مباشر، ولكن كانت هناك بعض الإشارات، فهذه قضية حساسة للغاية".
ميناء رييكا يقلق واشنطن
وأثارت خطط الصين للسيطرة على ميناء رييكا قلقاً لدى واشنطن، لأن حلف "الناتو" استخدمه لنقل المعدات العسكرية داخل وخارج أوروبا، كما استخدمته البحرية الأميركية لصيانة السفن وإصلاحها، بحسب "وول ستريت جورنال".
وقال السفير الأميركي لدى كرواتيا، حين طُرحت المناقصة، روبرت كورست، إن سيطرة الشركات الصينية على ميناء رييكا كانت ستزيد من صعوبة نقل الأشياء عبر الميناء على "الناتو" والدول الأخرى. وأعرب مسؤولو الأمن القومي في الولايات المتحدة عن قلقهم الشديد بشأن توسع الدور الصيني في الموانئ البحرية الاستراتيجية.
ويتمتع ميناء رييكا، الذي يعود تاريخه إلى قرون، بقيمة استراتيجية بسبب قربه النسبي من قناة السويس في مصر. وواجه الميناء فترات عصيبة عندما اندلعت الحرب وتفككت يوغوسلافيا في عام 1991.
وتوضح الجهود التي بُذلت لمنع الصين من دخول ميناء رييكا كيفية عمل المسؤولين الأميركيين في إطار استراتيجية أوسع نطاقاً لمواجهة نفوذ بكين في أوروبا، اتبعتها إدارتا الرئيسين الحالي جو بايدن والسابق دونالد ترامب، وفقاً للصحيفة، لافتة إلى أن المسؤولين الأميركيين في عهدي بايدن وترامب ضغطوا على الحكومات الأوروبية لوقف الاستثمارات الصينية في البنية التحتية الاستراتيجية، مثل الموانئ والسكك الحديدية وشبكات الطاقة ومصانع أشباه الموصلات.
بيد أن الضغوط الأميركية الواسعة لم تؤت ثمارها في الكثير من الحالات، إذ حققت الصين تقدماً حقيقياً على الأرض وفق صفقات جرت بالفعل وإن كانت بحصص أقل مما كانت تأمله بكين، منها الاستحواذ على حصة في ميناء هامبورغ الحيوي في ألمانيا في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والذي ينظر إليه على أنه بوابة أوروبا التجارية.
ويُعرف ميناء هامبورغ باسم "بوابة ألمانيا إلى العالم"، وهو أكثر الموانئ ازدحاماً في البلاد. وكان ثالث أكبر ميناء في أوروبا من حيث إجمالي إنتاجية الشحن البحري وحجم الحاويات التي تمت مناولتها في عام 2021.
وفي ذلك العام، عالج ميناء هامبورغ ما يقرب من 129 مليون طن متري من البضائع وأكثر من 6.9 ملايين حاوية مكافئة من الحاويات، وسجل في ذلك العام أعلى إيرادات له في سبع سنوات، حيث بلغت قرابة 1.5 مليار يورو.
وانتقدت الولايات المتحدة خطة الصين للاستحواذ على حصة مسيطرة في هذا الميناء، الأمر الذي عارضه أيضاً بعض أعضاء الحكومة الائتلافية للمستشار الألماني أولاف شولتز، لينتهي الأمر بتقليص حصة مجموعة كوسكو الصينية (COSCO) من 35% إلى 24.9%، ومنعها من التدخل في قرارات إدارة الموانئ.
النفوذ الصيني العنكبوتي
ويبدو أن الولايات المتحدة استيقظت في وقت متأخر لمواجهة النفوذ الصيني العنكبوتي في الموانئ الأوروبية، إذ يظهر تقرير صادر عن خدمة الأبحاث البرلمانية الأوروبية (EPRS) ونشر في 28 فبراير/شباط الماضي تمدد الوجود الصيني في موانئ حيوية بالكثير من البلدان منها اليونان وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وهولندا وإسبانيا ومالطا والسويد وبولندا وبلجيكا.
وبدأت الصين من خلال ذراعها الملاحية "كوسكو" في الوصول إلى أوروبا قبل نحو 15 عاماً لتحط رسمياً في اليونان عبر تشغيل ميناء حاويات في بيرايوس عام 2008. ومنذ ذلك الحين، توسعت الشركات الصينية لتبحر نحو العديد من الموانئ الأوروبية.
ووفق تقرير خدمة الأبحاث البرلمانية الأوروبية، الذي جاء بعنوان "المصالح الاستراتيجية الصينية في الموانئ الأوروبية"، فإنه منذ إطلاق الصين مبادرة الحزام والطريق في عام 2013، تعمل الشركات الصينية على تطوير مصالح اقتصادية في الموانئ في البلدان الأوروبية.
أضحت الصين تستحوذ على حصص أغلبية أو أقلية في موانئ حيوية في العديد من الدول الأوروبية
واللاعبان الرئيسيان لتطبيق هذه الاستراتيجية هما شركتان حكوميتان صينيتان "كوسكو"، أكبر شركة شحن في العالم، وثالث أكبر شركة في قطاع نقل الحاويات، وخامس أكبر مشغل لمحطات الموانئ، وشركة China Merchants Port Holdings، التي تعد سادس أكبر مشغل لمحطات الموانئ على مستوى العالم، بالإضافة إلى شركة Hutchison Port Holdings التابعة لمجموعة CK Hutchison Holdings، وهي شركة خاصة مقرها في هونغ كونغ ومدرجة في بورصة هونغ كونغ، وتعد ثاني أكبر مشغل لمحطات الموانئ في العالم.
ويظهر التقرير الذي اطلعت عليه "العربي الجديد" تشعب السيطرة الصينية على موانئ حيوية في أوروبا على مدار السنوات الماضية؛ ففي ألمانيا استحوذت شركة "كوسكو" في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، على 24.9% من محطة حاويات ميناء هامبورغ رغم الضغوط الأميركية والأوروبية والداخلية في ألمانيا. بالإضافة إلى ذلك، تقوم شركة Hutchison Port Holdings الصينية بتشغيل محطة داخلية متعددة الوسائط في ميناء دويسبورغ بولاية شمال الراين.
ووفقاً لدراسة أجريت عام 2019، تمتلك شركة "كوسكو" أيضا حصة أغلبية في المحطات بميناء بيرايوس في اليونان، وتقوم بتشغيل محطتين عبر شركة تابعة، ولديها سيطرة تشغيلية عبر حصة أغلبية في هيئة ميناء بيرايوس. علاوة على ذلك، تمتلك China Merchants Port Holdings حصة أقلية في مدينة ثيسالونيكي.
وفي بلجيكا، تمتلك "كوسكو" حصة مسيطرة في محطة حاويات في زيبروغ وحصة أقلية في محطة حاويات في أنتويرب. كذلك تمتلك China Merchants Port Holdings حصة أقلية في أنتويرب، وتدير Hutchison Port Holdings محطة داخلية في ويلبروك.
وبالنسبة لهولندا، يمتلك كل من "كوسكو" وHutchison Ports حصصاً في محطات الحاويات في ميناء روتردام. كما تدير Hutchison Port Holdings محطتين في الميناء، مما يجعلها أكبر مشغل لمحطة الحاويات في روتردام.
وفي إسبانيا، تمتلك "كوسكو" حصصاً مسيطرة في أكبر المحطات في موانئ فالنسيا وبلباو، فيما تمتلك Hutchison Port Holdings أيضًا حصة في برشلونة. وبالنسبة لفرنسا، تمتلك China Merchants Port Holdings حصص أقليةٍ في محطات في موانئ "مونتوار" و"دونكيرك" و"لوهافر". وفي مالطا، تمتلك China Merchants Port Holdings حصة أقلية في "مارساشلوك".
وفي السويد وبولندا، تمتلك Hutchison Port Holdings حصصاً في استوكهولم وغدينيا، على التوالي. وفي إيطاليا اشترت كوسكو في عام 2016 حوالي 40% من ميناء فادو ليغور.
وكانت هناك تكهنات أيضا من بعض وسائل الإعلام حول اهتمام صيني محتمل في موانئ باليرمو وتارانتو، التي تستضيف قاعدة بحرية إيطالية مهمة، وفق تقرير خدمة الأبحاث البرلمانية الأوروبية.
وأعربت مؤسسات بحثية وحكومية عن مخاوفها في السنوات الأخيرة في ما يتعلق بالاستخدام المحتمل للشركات المملوكة للصين للتأثير السياسي في أوروبا. وتشمل المخاطر التي تم تسليط الضوء عليها تغيير تدفق البضائع من ميناء أوروبي إلى آخر والوصول إلى الأعمال الداخلية لمحطات الحاويات الأوروبية.
مصدر غير مباشر للضغط السياسي
ولفتت إلى أن استثمارات الموانئ يمكن أن تكون مصدراً غير مباشر للضغط السياسي، فكلما استفاد اقتصاد الدولة من وجود مشغلي الموانئ الصينيين، زاد اعتماده على العلاقات الجيدة مع الصين.
كما أثار البعض مخاوف بشأن الاستثمارات واسعة النطاق من قبل الشركات الصينية في الموانئ الأوروبية، وبعضها عبارة عن محاور لوجستية لمعدات الناتو، بحسب خدمة الأبحاث البرلمانية الأوروبية.
وعام 2019، أعلنت المفوضية الأوروبية، في توقعاتها الاستراتيجية، أن الصين "منافس اقتصادي في السعي وراء الريادة التكنولوجية، ومنافس منهجي يروج لنماذج بديلة للحكم". وفي نفس العام، اعتمد الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة لفحص أفضل للاستثمار الأجنبي المباشر في الاتحاد الأوروبي، والتي بموجبها يتعين على الدول النظر في الآثار المترتبة على الاستثمار الأجنبي المباشر في البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الموانئ.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2022، اعتمد الاتحاد الأوروبي قواعد جديدة لضمان مرونة الكيانات الحيوية، بما في ذلك الموانئ، حيث يتم الاعتراف بالتهديد المحتمل الذي يشكله الاستثمار الأجنبي المباشر في البنية التحتية الحيوية في الاتحاد الأوروبي. وتؤكد القواعد أن الخدمات والاقتصاد وحرية الحركة وسلامة مواطني الاتحاد الأوروبي تعتمد على الأداء السليم للبنية التحتية الحيوية.
يتزايد حجم الاستثمارات الصينية في مشروعات البنى التحتية في أوروبا، خاصة في أوروبا الشرقية ودول الجنوب الأقل تطوراً
ووفق مؤسسة CHOICE البحثية، ومقرها براغ، إن هناك مخاطر من الوجود الصيني في الموانئ الأوروبية، منها أن هناك إمكانية لتغيير تدفق البضائع من ميناء أوروبي إلى آخر، وقد تعيد الشركات مثل "كوسكو" توجيه حركة مرورها إلى الموانئ أو المحطات التي لها مصلحة فيها، مما يؤدي إلى تشويه السوق.
كما يمكن استخدام المعرفة بالأعمال الفنية الداخلية لمحطات الحاويات الأوروبية كمعلومات استخباراتية قيّمة، ويمكن أن تؤدي أيضاً إلى تعطيل عمليات الشحن وسلاسل التوريد، فضلا عنه أنه قد يكون للمساهمين الصينيين تأثير طويل المدى على زيادة تطوير البنية التحتية للموانئ وربطها بشبكات النقل المحلية. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يوفر هذا لقوة أجنبية الفرصة للتأثير على تطوير البنية التحتية للنقل الأوروبي لصالحها، وفق تقرير للمؤسسة البحثية اطلعت عليه "العربي الجديد".
ولفت التقرير إلى أنه على الرغم من أن الاستثمارات الصينية في الموانئ الأوروبية يمكن أن تحسّن البنية التحتية، وخلق فرص عمل، ومزايا اقتصادية أخرى، والتي تعتبر جذابة بشكل خاص للمناطق الأفقر في جنوب وجنوب شرق أوروبا، إلا أنه لا ينبغي التقليل من المخاطر الجيوسياسية التي تشكلها هذه الاستثمارات. لذلك، من الضروري الموازنة بين المصالح المشروعة في تكوين الاستثمارات التي تدفع التنمية الاقتصادية في الدول الأوروبية وحماية البنية التحتية الاستراتيجية الأوروبية.
أدوات للتجارة البحرية والتوسع الاستعماري
وتاريخياً، لعبت الموانئ في أوروبا دوراً أساسياً في التنمية الاقتصادية للقارة، حيث كانت بمثابة أدوات للتجارة البحرية والتوسع الاستعماري. ومنذ القرن الخامس عشر، نمت الموانئ البحرية على ساحل أوروبا من حيث الأهمية والحجم، حيث تتعامل مع حجم متزايد من البضائع المنقولة بحراً.
وبين اعتماد حاويات الشحن في منتصف القرن العشرين ونهاية القرن، كانت الموانئ في أوروبا، ولاحقاً في الاتحاد الأوروبي، من بين الموانئ الرائدة من حيث إنتاج الحاويات في جميع أنحاء العالم. وعام 2020، مر ما يقرب من 700 ألف سفينة عبر موانئ الاتحاد الأوروبي، لنقل ما مجموعه 3.3 مليارات طن متري من البضائع المنقولة بحراً.
وفي نفس العام، تمت معالجة حوالي 94.3 مليون حاوية مكافئة في موانئ الاتحاد الأوروبي، إذ كان ميناء روتردام في هولندا أكبر ميناء في الاتحاد الأوروبي من حيث البضائع المنقولة بحراً في 2020، يليه ميناءا أنتويرب في بلجيكا وهامبورغ في ألمانيا، وفق تقرير صادر عن شركة "ستاتستا" الألمانية المتخصصة في بيانات السوق والمستهلكين.
وعلى الرغم من مساعي الولايات المتحدة خلال سنوات الرئيس السابق دونالد ترامب لمحاصرة مشروعات مبادرة "الحزام والطريق"، فإن حجم الاستثمارات الصينية في مشروعات البنى التحتية في أوروبا يتزايد، خاصة في أوروبا الشرقية ودول الجنوب الأقل تطوراً مثل اليونان والبرتغال وإسبانيا.
في هذا الشأن، قالت دراسة تحليلية نشرتها وكالة بلومبيرغ أخيراً، وتناولت 679 صفقة مكتملة أو قيد التنفيذ أبرمت في 30 دولة أوروبية منذ العام 2008، إن الشركات الصينية المدعومة من الدولة أو الخاصة شاركت بصفقات لا تقل عن 255 مليار دولار، مستحوذة بذلك على 360 شركة في مختلف المجالات.
وفي ذات الشأن، أشارت دراسة لـ"مجلس العلاقات الخارجية الأميركية"، إلى أن ثلثي دول الاتحاد الأوروبي انضمت لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية حتى عام 2020.
قد يكون للمساهمين الصينيين تأثير طويل المدى على زيادة تطوير البنية التحتية للموانئ وربطها بشبكات النقل المحلية
وموّلت بكين خلال الأعوام الأخيرة مجموعة كبيرة من مشروعات البنى التحتية في منطقة البلقان وأوروبا الشرقية التي كانت بحاجة ماسة لاستثمارات جديدة. كما تواصل الصين تصدير بضائعها إلى أوروبا عبر القطارات والموانئ والمطارات ضمن مبادرة "الحزام والطريق".
وعام 2021، صدّر الاتحاد الأوروبي 223 مليار يورو من البضائع إلى الصين واستورد بضائع بقيمة 472 مليار يورو.
وبالتالي فإن الصين هي الشريك التجاري الأول لأوروبا. وفي 2020، تجاوز حجم تجارة البضائع بين دول الكتلة الأوروبية والصين، حجم تجارة الكتلة مع الولايات المتحدة.
تجسس الرافعات... واشنطن تتهم وبكين تنفي
لم تقتصر محاولات التقويض الأميركية في ممارسة ضغوط على الدول الأوروبية لكبح تعاونها اقتصادياً وتجارياً مع الصين، بل وصل الأمر إلى اتهام بكين، الشهر الماضي، بالتجسس من خلال رافعاتها الموجودة في موانئ الولايات المتحدة وغيرها من الدول، وهو ما نفته بكين، على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماو نينغ.
وقالت في مارس/ آذار الماضي إن "ادعاء بعض المسؤولين الأميركيين، أن الرافعات صينية الصنع التي تعمل في الموانئ الأميركية أدوات تجسس محتملة، لا أساس لها تماماً، وتضلل الرأي العام الأميركي"، وفقاً لصحيفة "غلوبال تايمز" الحكومة الصينية.
وفي مقابلة له مع صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية أخيراً، قال سفير الصين لدى بروكسل، فو كونغ، إن الولايات المتحدة "لن تدخر جهداً" في تخريب العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن بكين لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الإضرار بمصالحها، وأن الدول الأوروبية التي تستجيب للضغوط الأميركية وتوقف علاقاتها ببكين أو تفرض عليها قيوداً يجب أن تتوقع رداً.
وفي مقابل المحاولات الأميركية المتأخرة، وكذلك التخوفات الأوروبية المتصاعدة من الهيمنة التجارية والاقتصادية الصينية، يبدو أنه لا يمكن تقويض هذه الهيمنة بسهولة، ولا سيما في ظل تحكم بكين بسلاسل التوريد، خصوصاً في ظل سيطرتها الواسعة على الموانئ الأفريقية، فضلاً عن موانئ آسيوية عدة، بجانب موانئها الضخمة في عموم الصين.
ووفقاً للأمم المتحدة، يُنقل أكثر من 80% من البضائع من طريق السفن. وتؤكد الفجوة بين الموانئ الصينية ومنافسيها كيف أن الاستثمار من قبل بكين قد مكّن من هيمنة الصين باعتبارها الشركة المصنعة الرئيسية في العالم.
واستثمرت الصين ما لا يقل عن 40 مليار دولار بين عامي 2016 و2021 فقط في البنية التحتية للموانئ الساحلية، وفقاً لمعهد Qianzhan للبحوث الصناعية، ومقره شينزين جنوبيّ الصين.
وكان توجه الصين في أواخر التسعينيات لما يُسمى "استراتيجية الخروج" جزءاً من استراتيجية الدولة لتشجيع الشركات الصينية سياسياً وتحفيزها مالياً للبحث عن أسواق أجنبية لتنمية الصادرات الصينية، وجرت هذه العملية بكثافة، وخصوصاً في أفريقيا وأوروبا.
ووفق تصنيف صادر عن مؤسسة Statista للأبحاث الألمانية، تستحوذ موانئ الصين على 6 مراتب ضمن أكبر 10 مراكز شحن في العالم، فيما يتضاءل الوجود الأميركي ضمن قائمة العشرة الكبار، بينما يوجد ميناء أوروبي واحد بالقائمة. ويأتي ميناء شنغهاي في المرتبة الأولى، وميناء نيغبو ـ زهوشان في المركز الثالث، يليه ميناء شنغن في المرتبة الرابعة، وجوانزو بالمركز الخامس، وتشيغداو في الترتيب السابع، وميناء تاينغين في المركز التاسع.