جورجيا المزدهرة بأموال الروس الهاربين من الحرب يقلقها الهدوء وعودتهم إلى بلادهم

05 نوفمبر 2022
أكبر موجات نزوح الروس إلى جورجيا كانت مع بداية حرب أوكرانيا وعند إعلان التعبئة (الأناضول)
+ الخط -

يبدو أن اقتصاد جورجيا على موعد من ازدهار كبير وقفزة في النمو مستفيدا من مليارات الدولارات التي جلبها معهم نحو 112 ألف روسي فروا إليها من تداعيات حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو، فيما تسود مخاوف من تدهور اقتصادي جورجي إذا ما غادر الروس البلاد لاحقا.

فما الحكاية؟

في حين تترنح معظم دول العالم متجهة نحو الركود، من المتوقع أن تسجل الدولة، البالغ عدد سكانها 3.7 ملايين نسمة والمطلة على البحر الأسود، نموا قويا تصل نسبته إلى 10% عام 2022، وسط طفرة يقودها الاستهلاك، وفقا لما نقلته "رويترز" عن المؤسسات الدولية.

وسيشهد الاقتصاد المتواضع البالغ حجمه 19 مليار دولار في بلد معروف بجباله وغاباته ووديان النبيذ فيه، نموا يتجاوز الأسواق الناشئة مثل فيتنام وبعض الدول المصدّرة للنفط مثل الكويت مدعومة بأسعار الخام المرتفعة.

الرئيس التنفيذي لأكبر بنك في البلاد "تي بي سي" TBC فاختانغ بوتشريكيدزه قال، لرويترز، في تبليسي: "على الجانب الاقتصادي، تعمل جورجيا على نحو جيد للغاية"، مضيفا أن "هناك نوعا من الازدهار، فكل القطاعات أداؤها أفضل، ولا أستطيع التفكير في أي قطاع قد يعاني من مشكلات هذا العام".

في غضون ذلك، أظهرت إحصاءات عبور الحدود أن 112 ألف روسي على الأقل هاجروا إلى جورجيا هذا العام، ووصلت أول موجة كبيرة ضمت 43 ألف شخص بعد غزو أوكرانيا في 24 فبراير/شباط، كما ظهرت موجة ثانية بعد إعلان الرئيس فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية أواخر سبتمبر/أيلول الفائت.

ومع ذلك، أربك الازدهار الاقتصادي في جورجيا العديد من الخبراء الذين رأوا عواقب وخيمة من الحرب على الجمهورية السوفييتية السابقة، التي ترتبط ثرواتها الاقتصادية ارتباطا وثيقا بجارتها الأكبر من خلال الصادرات والسائحين.

من هؤلاء "البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية" EBRD الذي توقع في مارس/آذار أن توجه حرب أوكرانيا ضربة كبيرة للاقتصاد الجورجي. كما توقع "البنك الدولي"، في إبريل/نيسان، انخفاض النمو عام 2022 إلى 2.5% من 5.5% في بداية السنة.

في السياق، قال كبير الاقتصاديين في "البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية" ديميتار بوغوف: "رغم كل توقعاتنا بأن الحرب ستكون لها آثار سلبية كبيرة على الاقتصاد الجورجي، إلا أننا حتى الآن لا نرى تجسيدا لهذه المخاطر، بل على العكس من ذلك، نرى الاقتصاد ينمو بشكل جيد هذا العام وبأرقام مضاعفة".

مباعث القلق تسود في جورجيا رغم ازدهار الاقتصاد

ورغم هذه الإيجابيات التي فاجأت الخبراء، إلا أن النمو الممتاز لا يستفيد منه الجميع، لأن وصول عشرات آلاف الروس والعديد من المتخصصين في التكنولوجيا جالبين معهم أموالا هائلة، أدى إلى ارتفاع الأسعار وإخراج شرائح من الجورجيين من قطاعات اقتصادية، مثل سوق إيجار المساكن والتعليم.

ويشعر قادة الأعمال بالقلق أيضا من أن البلاد قد تواجه هبوطا صعبا في حالة انتهاء الحرب وعودة الروس إلى ديارهم حاملين معهم أموالهم وأرباحهم أيضا.

وقد خاضت جورجيا نفسها حربا قصيرة مع روسيا عام 2008 بشأن أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، وهما أراض يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا.

والآن يجني اقتصاد جورجيا فوائد قربه من القوة العظمى، علما أن الطرفين يشتركان في معبر حدودي بري، مع وجود سياسة هجرة ليبرالية تسمح للروس والأشخاص من العديد من البلدان الأخرى بالعيش والعمل وإنشاء الأعمال في البلاد من دون الحاجة إلى تأشيرة.

أموال الروس المهاجرة إلى جورجيا بالأرقام

موجة الفارين من الحرب الروسية لا تحمل الأشخاص فقط، بل أموالهم أيضا. فبين إبريل/نيسان وسبتمبر/أيلول، حوّل الروس أكثر من مليار دولار إلى جورجيا عبر البنوك أو خدمات تحويل الأموال، وهو رقم أعلى بخمس مرات قياسا بالفترة نفسها من عام 2021، وفقا للمصرف المركزي الجورجي. وقد ساعد هذا التدفق في دفع اللاري الجورجي إلى أعلى مستوياته في 3 سنوات.

تجدر الإشارة إلى أن نحو نصف الوافدين الروس هم من الناشطين في قطاع التكنولوجيا، وفقا للرئيس التنفيذي لمصرف "تي بي سي" بوتشريكيدزه ووسائل إعلام محلية، بما يتناغم مع استطلاعات وتقديرات من أرقام هذا القطاع في روسيا، أشارت إلى نزوح عشرات آلاف عمال تكنولوجيا المعلومات الذين يتمتعون بقدرة عالية على التنقل بعد غزو أوكرانيا.

وفي هذا الإطار، قال كبير الباحثين في الكلية الدولية للاقتصاد في جامعة ولاية تبليسي ISET دافيت كيشيلافا إن "هؤلاء أشخاص راقون وأثرياء ويأتون إلى جورجيا ببعض الأفكار التجارية ويزيدون الاستهلاك بشكل كبير"، مضيفا: "كنا نتوقع أن يكون للحرب الكثير من الآثار السلبية، لكن اتضح أن الأمر مختلف تماما، وأن الأمر إيجابي".

أزمة سكن في جورجيا ومنافع تكنولوجية مع توافد الروس إليها

حاليا، أكثر ما يتجلى تأثير الوافدين الجدد في سوق تأجير المساكن في العاصمة، حيث يؤدي الطلب المتزايد إلى تفاقم التوترات، لدرجة أن ارتفع عدد سكان مدينة تبليسي 75% هذا العام، وفقا لتحليل أجراه بنك "تي بي سي"، بينما يجد بعض أصحاب الدخل المنخفض والطلاب أنفسهم في قلب ما يقول النشطاء إنه "أزمة إسكان متنامية".

وفي جانب آخر، قال بوتشريكيدزه إنه يرصد إمكانات الوافدين الجدد في سد فجوات مهارات الاقتصاد الجورجي، مضيفا، "إنهم صغار السن، تلقوا تعليما تكنولوجيا ولديهم المعرفة، وبالنسبة لنا ولشركات جورجية أخرى، هذه فرصة مفيدة جدا".

 

لكنه أضاف أن "التحدي الرئيسي بالنسبة لنا هو التكنولوجيا. ولسوء الحظ في هذا الجانب نحن نتنافس مع شركات التكنولوجيا الفائقة في الولايات المتحدة وأوروبا، ولتحقيق فوز سريع، هؤلاء المهاجرون مفيدون للغاية".

مخاوف اقتصادية في جورجيا من احتمال مغادرة الروس

ومع ذلك، لا يزال الاقتصاديون والشركات قلقين بشأن الآثار السلبية طويلة المدى للحرب، وما قد يحدث إذا عاد الروس إلى ديارهم راحلين مع كفاءاتهم وأموالهم.

على هذا الصعيد، يقول شيو ختسورياني، الرئيس التنفيذي لشركة "آركي"، وهي إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في جورجيا: "نحن لا نبني خططنا المستقبلية على الوافدين الجدد".

اقتصاد دولي
التحديثات الحية

وحتى مع ارتفاع أسعار الإيجارات، يقول ختسورياني إن شركات التطوير ليست حريصة على الإفراط في الاستثمار في سوق الإسكان، خاصة مع ارتفاع أسعار المواد والمعدات. وقال إنه في حين أن الملاك ربما يستفيدون من ارتفاع الإيجارات، فإن هوامش الربح لمبيعات الشقق قد تغيرت بالكاد.

كما يحذر اقتصاديون من أن الطفرة قد لا تدوم، ويشجعون الحكومة الجورجية على استخدام عائدات ضريبية جيدة لسداد الديون وتكوين احتياطيات من العملات الأجنبية ما دامت تستطيع ذلك.

وقال بوغوف من "البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية": "علينا أن ندرك أن كل هذه العوامل التي تدفع النمو هذا العام مؤقتة، ولا تضمن النمو المستدام في السنوات التالية، لذلك يجب توخي الحذر".

(رويترز، العربي الجديد)

المساهمون