أعادت أسعار النفط المرتفعة للعالم أجواء 1973 والتي شهدت حظرا عربيا واسعا لتصدير الخام الأسود إلى الدول الداعمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي، كما أعادت للذاكرة صدمة عام 2008 حيث تخطت أسعار الخام الأسود وقتها حاجز الـ146 دولارا للبرميل، وقسم الاندفاع الأميركي نحو فرض العقوبات النفطية على روسيا، الغرب إلى معسكرين:
الأول تقوده الولايات المتحدة، التي أعلنت وقف واردات النفط والغاز من روسيا نحو أراضيها، وكذا بريطانيا التي أعطت لنفسها مهلة حتى نهاية العام لإيجاد بدائل عن موارد موسكو، إضافة إلى دول أخرى أقل تأثيراً على السوق، والتي قررت الالتزام بالحظر النفطي.
أما المعكسر الثاني فعلى رأسه الاتحاد الأوروبي، المعني مباشرة بالغزو الروسي لأوكرانيا، والذي لم يستطع حتى اليوم إعلان الحظر النفطي، نظراً لتبعيته المفرطة للغاز والنفط الروسيين. كما انضمت تركيا لهذا المعسكر حيث أعلنت اليوم عدم التزامها بالحظر الأميركي.
وبين المعسكرين الأول والثاني، تبرز منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) التي ترتبط بتحالف مع دول منتجة أخرى على رأسها روسيا، في اتفاق يعرف بـ"أوبك+".
المنظمة قررت اتخاذ طرف في الحرب النفطية الكبرى، وأكدت أنها لن ترفع إنتاجها النفطي، على الرغم من نداء الاستغاثة الذي أطلقه العديد من الدول الأوروبية ومنها ألمانيا، والضغوطات التي تمارسها الإدارة الأميركية.
وموقف أوبك، إضافة إلى المؤشرات المأزومة للاقتصادات التي لم تخرج بعد من تبعات فيروس كورونا، أعاد إلى ذهن الغرب أزمة العام 1973، مع تحذير وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير الأربعاء من أن الارتفاع الحاد في أسعار الطاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا ستنتج عنه آثار مماثلة لصدمة النفط عام 1973. وقال لو مير في مؤتمر في باريس إن أزمة الطاقة الحالية "يمكن مقارنتها في حدتها ووحشيتها بصدمة النفط عام 1973".
وأضاف: "في عام 1973، تسببت الأزمة في حدوث صدمة تضخمية، مما دفع البنوك المركزية إلى زيادة معدلات الفوائد بشكل كبير، ما أدى إلى إعاقة النمو. وهذا له اسم: التضخم المصحوب بالركود، وهذا بالضبط ما نريد تجنبه في عام 2022".
كانت أول صدمة نفطية في أوائل السبعينيات بسبب حرب أكتوبر عندما شنت القوات المصرية والسورية هجومًا على إسرائيل. حينها أعلنت ست دول عربية أعضاء في منظمة أوبك عن حظر الصادرات إلى الدول الداعمة لإسرائيل، ولا سيما الولايات المتحدة. وقتها تضاعف سعر النفط أربع مرات إلى 11.65 دولارًا للبرميل، مما أثار ركودًا في الدول الغربية وتضخمًا حادًا.
اليوم تمتنع منظمة أوبك عن إنقاذ الغرب من الكارثة النفطية، رافضة زيادة إنتاج النفط لتوفير الإمدادات الكافية للأسواق مع بدء العقوبات النفطية على روسيا. لا بل ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أن البيت الأبيض فشل في محاولة إجراء اتصال هاتفي بين الرئيس جو بايدن وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وأوضحت الصحيفة في خبر نقلته عن مسؤولين أميركيين وسعوديين كبار، أن هدف الاتصال كان مناقشة مواضيع تقديم دعم دولي لأوكرانيا وضبط أسعار الوقود المتزايدة في العالم.
تشرح وكالة "بلومبيرغ" الأميركية أنها رصدت التسلسل الشهري لأسعار النفط منذ عام 1970، "وبشكل لا يصدق، من حيث النسبة المئوية، فإن صدمة سعر النفط التي رفعته إلى أكثر من 130 دولاراً اليوم، هي في الحقيقة على نفس النطاق مثل تلك التي حدثت في العام 1973". وتضيف أن "كلتا الصدمتين تنطويان على إعاقة غير طبيعية للتجارة. عام 1973، فُرض الحصار على دول الغرب. الآن، يتفاعل السوق مع الاحتمال المتزايد بأن الغرب سيفرض حظرًا مشابهًا جدًا على نفسه".
كذا، هناك تشابه حرج آخر مع عام 1973، هو مستوى التضخم. في الواقع، تكشف مقارنة معدل التضخم العام على مدى السنوات الخمس الماضية بالتضخم على مدى السنوات الخمس حتى نهاية سبتمبر/ أيلول 1973 عن تشابه مخيف: فقد بلغ تضخم مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة اليوم 7.5%؛ وعشية الحظر النفطي لعام 1973 كانت النسبة 7.4%، علما أن توقعات التضخم على المدى المتوسط عند أعلى مستوياتها في 8 سنوات في الولايات المتحدة وألمانيا.
كذا، تعود "وول ستريت جورنال" إلى التشبيه ذاته بين الحقبتين، وتشير إلى أن الاحتياطي الفيدرالي غير قادر على تخفيف الضربة التي تلقاها الاقتصاد من خلال القفزة المفاجئة في أسعار النفط، حيث كان لا يزال يحاول اللحاق بالتضخم الجامح. وتلفت إلى أنه حتى الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها أكثر قوة من الأوروبيين في فرض الحظر النفطي، قد تطاولها الأزمات الناتجة من العقوبات.
وتشرح أن "الأسهم أغلى بكثير مما كانت عليه في 1973، وكذلك السندات والإسكان وكل استثمار آخر تقريبًا. وهذا يجعلهم عرضة للخط، إذا تبين أن الاقتصاد الأميركي أكثر حساسية لما يمكن أن يكون بسهولة ركودًا في أوروبا والبلدان الناشئة الأكثر اعتمادًا من أميركا على صادرات الطاقة والغذاء الروسية.
ويسود التشاؤم حين يتم الحديث عن قدرة الدول على تحمل الصدمة النفطية الحالية. فقد اعتمدت الولايات المتحدة العام الماضي على روسيا في 8% فقط من وارداتها من النفط الخام البترولية، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
لكن بعض الشركات الصغيرة المستوردة للنفط الروسي لديها انكشاف نسبي كبير على الأزمة، فيما يلحق الحظر الضرر بالمصافي الأميركية، التي ستبحث عن براميل بديلة في سوق خام ضيقة بالفعل.
يتمثل الخطر الأكبر مع وصول أسعار النفط الخام إلى أعلى مستوياتها في 14 عامًا، في أن الحظر الأميركي على واردات النفط الروسي يفرض مزيدًا من الضغط على أوروبا لتحذو حذوها، وسيزيد ذلك من الضغط على أسعار الخام.
وتسارع انخفاض أسعار النفط اليوم الأربعاء، إذ تراجع سعر النفط في الأسواق الدولية الرئيسية بأكثر من 12%. وتراجع سعر نفط برنت 12.4% إلى 112.15 دولارًا عند الساعة 18:49 بتوقيت غرينتش، في حين هبط سعر نفط غرب تكساس الوسيط الأميركي الرئيسي 11.4% إلى 109.59 دولارًا.
عملياً، هددت موسكو بوقف تدفقات الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب نورد ستريم 1، الذي وفر 38% من الغاز المستورد إلى الاتحاد الأوروبي العام الماضي. فيما تعتمد أوروبا على النفط الروسي بنسبة تصل إلى 25%.
ويسود الخوف في أرجاء أوروبا من السير في العقوبات الطاقوية، فقد قالت وزارة الخارجية الألمانية إن فرض العقوبات سيكون "غير مجدٍ إذا اكتشفنا في غضون ثلاثة أسابيع أنه لم يتبق لدينا سوى أيام قليلة من التغذية بالكهرباء في ألمانيا، وأنه سيتعين علينا الرجوع عن هذه العقوبات".
أما المفوضية الأوروبية فلا تزال حذرة جدا حتى اليوم في عدم التطرق الى خيار الحظر التام للنفط والغاز من روسيا، في ظل عدم وجود حلول سريعة وعملية لتعويض النقص. أما عالمياً، حتى قبل الحظر النفطي الأميركي، فارتفعت أسعار النفط بنحو 30% بعد الغزو الروسي. والأسباب مختلفة منها، منها أن عددا كبيرا من المشترين يتجنب النفط الروسي.
وذكر نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أن الحظر سيرفع سعر البرميل إلى 300 دولار، وهو ليس بالأمر المستبعد. والنفط عرف ارتفاعا بنسبة كبيرة وصلت إلى 21% الأسبوع الماضي، وارتفع سعر برنت إلى ما فوق 130 دولاراً للبرميل، ويقترب من أعلى سعر على الإطلاق سجله إبان الأزمة المالية العالمية حين وصل إلى 147 دولاراً في 2008.
وقدر بنك أوف أميركا أنه إذا أوقف الغرب معظم صادرات الطاقة الروسية، فسيرتفع سعر البرميل إلى 200 دولار، مع انخفاض النمو الاقتصادي على مستوى العالم. وقال محللون من مصرف جي.بي. مورغان الأسبوع الماضي، إن النفط قد يرتفع إلى 185 دولاراً للبرميل هذا العام.
ومع تباطؤ الاتفاق النووي مع إيران واستمرار تزايد الطلب على النفط في مقابل هبوط الإمدادات، فإن التوقعات بالمزيد من الارتفاع ليست مستبعدة. وحتى في حال الاتفاق، فإن المحللين قالوا إن إيران ستحتاج عدة أشهر قبل استعادة التدفقات النفطية حتى إذا تم التوصل إلى الاتفاق النووي.
كذا، قال مصدران مطلعان لوكالة "رويترز"، الأربعاء، إن مسؤولين أميركيين طالبوا فنزويلا بتوريد جزء على الأقل من صادرات النفط إلى الولايات المتحدة، لتخفيف عقوبات تجارة النفط على الدولة العضو في أوبك. وتخضع فنزويلا لعقوبات نفطية أميركية منذ 2019، ويمكن أن تؤثر جزئياً على مسار الخام إذا تم رفع تلك القيود.