جنون الأسعار في الجزائر: الغلاء والمضاربات تمحو زيادة الأجور

18 مارس 2023
التضخم يطاول غالبية السلع (Getty)
+ الخط -

تحقق السيناريو الذي يخشاه الجزائريون عشية رمضان كل سنة، فأسعار المواد واسعة الاستهلاك سجلت قفزات كبيرة، فاقت المائة في المائة على بعض الأنواع، ويحدث ذلك رغم تطمينات الحكومة المتواصلة بإغراق السوق بالمواد لكبح جشع المضاربين.

"كل شيء زاد ثمنه إلا كرامة المواطن رخصت في الجزائر"، يشتكي المواطن عبد الله تواتي، الذي التقته "العربي الجديد" في سوق "الحراش" الشعبي، شرق العاصمة الجزائرية، والذي يضيف قائلا "هذا كثير، قالوا لنا إنه لن تكون هناك زيادات في الأسعار والعكس هو الذي وقع، أصحاب المداخيل المحدودة لن يستطيعوا شراء أي شيء".

التذمر ذاته كان في كلام رابح ربوش (متقاعد)، والذي تساءل في حديث مع "العربي الجديد": "أين هي الرقابة، كل شيء في السوق سعره مرتفع، الجزائري لم يعد يعرف ماذا يشتري ولا ماذا يأكل، والحكومة لا تهتم لحالنا".

ويتزامن انفلات الأسعار مع ضخ الحكومة الزيادات التي أقرتها على أجور عمال القطاع العام ومعاشات المتقاعدين، وذلك بأوامر من الرئيس عبد المجيد تبون، بهدف حماية قدرة الجزائرية الشرائية وامتصاص جزء من التضخم الذي هوى بقيمة الدينار الجزائري.

في أسواق الجزائر العاصمة، عرفت أسعار الخضر والفواكه واللحوم ارتفاعاً جنونياً منذ دخول شهر شعبان، حيث قفزت أسعار اللحوم الحمراء من 1800 دينار (13 دولاراً)، للكيلوغرام الواحد من لحم الخروف، إلى 2200 دينار (16.29 دولارا)، رغم تعهد الحكومة بتوفيره بسعر 1200 دينار، ومن 300 دينار (2.2 دولار) للكيلوغرام الواحد من لحم الدجاج إلى 400 دينار (2.9 دولار). وعلى المنحى نفسه ارتفعت أسعار الخضر، حيث قفزت أسعار الطماطم من 80 دينارا (0.59 دولار)، إلى 150 دينارا (1.1 دولار)، ومن 50 إلى 70 دينارا للكيلوغرام الواحد من البطاطا، والشيء نفسه بالنسبة لأسعار الجزر التي قفزت من 40 إلى 80 دينارا خلال 73 ساعة فقط.

ولعل أبزر ما ميز فترة ما قبل رمضان هي ندرة مادة زيت المائدة، ما أدى بأسعارها للارتفاع، رغم تحديدها بموجب قرارٍ وزاري سنة 2011، بعد دعمها من خزينة الدولة، حيث قفزت أسعار الزيت من 620 ديناراً (4.59 دولارات)، إلى 650 ديناراً. وككل مرة، يتقاذف التجار كرة المسؤولية حول ارتفاع الأسعار، فتجار الجملة يبرئون ذمتهم بتوفر العرض، وتجار التجزئة يردون بتحميل تجار الجملة الغلاء، بل ويتهمونهم بالمضاربة قبل بدء شهر رمضان. إلى ذلك، يؤكد رئيس الجمعية الجزائرية للتجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار، أن "الأسواق الجزائرية شهدت ارتفاعاً متوسطاً في الأسعار بسبب ارتفاع الطلب واستقرار العرض في أسواق الجملة، لا سيما بالنسبة للخضر والفواكه".

ويضيف بولنوار، متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن "أسعار الخضر والفواكه وكل أنواع السلع الاستهلاكية ستعرف تراجعاً ملحوظا يزيد عن الـ50 في المائة بداية من اليومين الرابع والخامس من شهر رمضان، وذلك بسبب بداية تراجع مستوى الطلب والتهافت على الأسواق". ويعتبر بولنوار أن "أسواق الرحمة" التي قررت الحكومة فتحها، والتي ستكون من المنتج إلى المستهلك مباشرة، ليست كافية لكسر المضاربة وضمان استقرار الأسواق، مؤكدا أهمية تعميمها عبر كل البلديات في شكل أسواق شعبية، لحماية القدرة الشرائية للمواطنين، ومحاربة أي تلاعبات بالأسعار من قبل المضاربين في السوق.

وكانت الحكومة الجزائرية قد اتخذت جملة من القرارات تحسبا لحلول شهر رمضان، حيث قررت إغراق الأسواق بالسلع وفتح غرف التخزين الخاصة بالخضر والفواكه، بالإضافة إلى تسقيف الأسعار وتحديد هوامش ربح لا تتجاوز 20 في المائة، على السلع واسعة الاستهلاك، بالإضافة إلى منح رخص استيراد استثنائية لـ20 مستوردا للحوم الحمراء من اسبانيا، بصفة استعجالية لمواجهة المضاربة.

كما أمرت حكومة أيمن بن عبد الرحمن بفتح أسواق طيلة شهر رمضان في كل محافظة تُعرف بـ"أسواق الرحمة"، تُعرض فيها السلع من دون وسيط وبنسبة فوائد لا تتجاوز 10 في المائة، شرط أن تكون المنتجات المعروضة مصنعة أو منتجة محليا، مع تكثيف الرقابة عن طريق مضاعفة عدد موظفي الرقابة ومرافقتهم بعناصر من الشرطة لحمايتهم من أي اعتداءات محتملة.

ومن جانبها، قررت وزارة التجارة الجزائرية إلغاء الرسم الوقائي المؤقت المطبق على العديد من المنتجات المستوردة، حتى منتصف شهر رمضان، ويطاول القرار اللحوم المجمدة والفواكه المجففة التي يزداد عليها الطلب في رمضان، بالإضافة إلى المكسرات بكل أنواعها، والأجبان البيضاء وغيرها.

وكانت الحكومة قد فرضت رسماً جمركياً وقائياً في مطلع 2019، على عمليات استيراد السلع، بنسبة تراوحت بين 30 في المائة و200 في المائة، حيث يرتفع الرسم الوقائي بالتزامن مع الإنتاج المحلي، ويأتي هذا الإعفاء الجمركي ضمن سلسلة إجراءات أقرتها الحكومة، بهدف الحد من ارتفاع الأسعار وتخفيف الأزمات المعيشية التي يعاني منها الجزائريون، علماً أن هذه المشكلات كانت إحدى أسباب اندلاع الاحتجاجات الشعبية في البلاد.

المساهمون