اتخذت مجموعة الدول المصدرة للنفط (أوبك+) في مطلع الأسبوع الحالي (الاثنين الموافق 5 سبتمبر/ أيلول) قراراً بتخفيض الإنتاج النفطي اليومي بمقدار بسيط قدره مائة ألف برميل في اليوم. وقد أبدت روسيا معارضتها للتقليل من كمية الإنتاج، ولكن باقي أعضاء الأوبك أقنعوا ممثليها بأن من الأفضل في الظروف الراهنة أن يوجهوا رسالة بعدم رضاهم عن الهبوط الذي جرى على أسعار النفط الخام بسبب التوقعات بالانكماش الاقتصادي أوروبياً وعالمياً.
ووفقاً لمصادر صندوق النقد الدولي، فإن عدد الدول التي يخشى أن تعاني من الانكماش قد ازداد بنسبة تقارب 50% عما كان عليه الحال في تقديرات النمو الاقتصادي التي نشرها الصندوق في شهر إبريل/ نيسان من هذا العام.
ولو أضفنا عناصر المناخ المجنون والذي سبب أعاصير وفيضانات في العديد من دول العالم مثل الولايات المتحدة وباكستان والسودان، وانقطاع الغاز الروسي عن أوروبا، وإصرار الصين على أن تصل إلى تصفير حالات كورونا، فإن التراجع الاقتصادي صار له ديناميكية خاصة تعمل بمعزل عن الحرب الأوكرانية، بل وتعطي نتائج تلك الحرب على الاقتصاد الدولي زخماً وتأثيراً أكبر.
تراجع مؤشرات الاقتصاد الصيني
وقد لاحظنا لأول مرة أن الاقتصاد الصيني قد تراجع هذا العام. وبحسب مقال كتبه " رالف جيننغز"، بعنوان " ما هو القادم بالنسبة للاقتصاد الصيني؟"، يقول الكاتب إن الاقتصاديين الصينيين يتحدثون عن تراجع واضح في النمو الاقتصادي خلال الربع الثاني من هذا العام ( إبريل - يونيو) بالمقارنة مع الربع الأول ( يناير-مارس) من هذا العام، علماً أن معدل النمو في الربع الثاني كان أعلى منه في نفس الربع من العام الماضي 2021 بنسبة قليلة جداً.
وفي نفس السياق، فإن اقتصاد الصين المقدر ناتجه المحلي الإجمالي بمقدار ( 18) تريليون دولار قد تراجع في شهر حزيران/ يونيو بنسبة 2.6٪ بالمقارنة مع شهر ابريل/ نيسان الماضي. وهذا تراجع واضح. ولذلك، فإن الطلب على النفط في الصين ودول آسيوية أخرى مهمة كأسواق نفطية لمجموعة الدول المصدرة للنفط (أوبك) سوف يشهد تراجعاً، مما عزز التوقعات بانخفاض أسعار النفط، وفَرَضَ على دول منظمة أوبك القرار بضرورة تخفيض الإنتاج لا زيادته.
ويأتي هذا الحدث النفطي بعد عدة أيام من تهديد مجموعة السبع التي تمثل أكبر الدول الصناعية في العالم بوضع سقف
(price cap) سعري على النفط الروسي. وهذا الإجراء يأتي في حُلة جديدة من أجل حرمان روسيا من أكبر قدر ممكن من مبيعاتها لكل من الغاز والنفط الخام. وبمجرد الإعلان عن هذا السقف السعري، ثار الجدل الكبير حوله. وشكك كثيرون بإمكانية تطبيقه، ولم تقم منظمة أوبك بالتعليق عليه.
ولكن كثيراً من المؤسسات المالية العالمية، وفي طليعتها مؤسسة جي.بي. مورغان الاستثمارية الأميركية التي سارعت إلى التصريح بأن وضع سقف سعري على صادرات الروسية النفطية سوف يشجع روسيا على وقف البيع ما سيدفع سعر النفط الخام إلى سقوف لم يشهدها العالم من قبل. وفي أسوأ سيناريو ممكن، نبهت المؤسسة المالية إلى أن سعر البرميل من النفط الخام قد يصل إلى ( 380) دولاراً أميركياً.
ولا أدري كمحلل اقتصادي ما هو الحافز الذي أقنع وزراء مالية مجموعة السبع الكبار ( G-7) على التصريح بوضع مثل هذا السقف على النفط الروسي، بل قام وزير المالية البريطاني الحالي نديم الزهاوي بالبحث عن أفضل طريقة فعالة لتطبيق هذا القرار. ولكن الذي يبدو، أن الأمر إما كان محاولة إعلامية لفحص ردة فعل روسيا، أو أنه مجرد خطاً فادح في التقدير.
مخاطر إيقاف النفط الروسي
ولعل الإدارة الأميركية راجعت نفسها، وتساءلت عن السبب الذي يمكن أن يَحول دون قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإجراء مضاد قوي يصل إلى حد إيقاف تصدير النفط الروسي، أليس هذا ما فعله بوقف تصدير الغاز الطبيعي عبر أنبوب شركة (غاز بروم) إلى أوروبا لمدة كافية لإجراء صيانة على الخط؟ لكنه يتحدث الآن عن وقف طويل الأجل يلح من خلاله على أن عودة الغاز إلى التدفق عبر الأنبوب لن تتم حتى ترفع أوروبا عقوباتها الاقتصادية التي فرضتها على روسيا.
إن الخطورة في هذه السيناريوهات أنها تذهب إلى الحدود القصوى وبدون تدرج. وإذا نجح وزراء مالية مجموعة السبعة في تحديد سعر النفط الخام الروسي، وقامت روسيا نكاية بهم في إيقاف تصدير النفط، فإن هذا سيحدث فجوة بين عرض النفط والطلب عليه لن تقل عن ( 3-5) ملايين برميل يومياً. ولو افترضنا جدلاً أن توقيع اتفاق نووي مع إيران قد حصل، وسمح لها بتصدير نحو (2.5) مليون برميل يومياً، فإن العجز سيستمر لأشهر قبل أن تتمكن إيران من الوصول إلى رقم التصدير الذي يحق لها بموجب اتفاق (أوبك+).
ولو افترضنا أنه تمت ممارسة ضغوط على دول الخليج لكي تزيد إنتاجها من النفط الخام، فإن الحد الأقصى الممكن سيكون في حدود (1.5-2) مليون برميل يومياً سيأتي معظمه من المملكة العربية السعودية.
ولكن للسعودية حساباتها مع روسيا، ومع الصين، ولا تريد أن تجازف من أجل دولارات إضافيه بهذه العلاقات الإستراتيجية. والدليل على ذلك، أنه لما تبين أن فكرة فرض سقف سعري على النفط الخام الروسي غير ممكنة، أو قد تنطوي على نتائج وخيمه على الرأي العام الأميركي الذي يشتكي من ارتفاع أسعار البنزين والسولار، والذي قد يصوت ضد الحزب الديمقراطي بعد شهرين تقريباً، قامت السعودية ودول الخليج وإيران بإقناع روسيا بقبول فكرة خفض الإنتاج داخل (أوبك+) بمقدار مئة ألف برميل في اليوم، كدلالة رمزية على عدم رضاهم عن سلوكيات مجموعة السبع، ولا عن خططها.