أثار قرار وزير العمل اللبناني مصطفى بيرم، المتعلِّق بالسماح للاجئين الفلسطينيين بمزاولة مهن حرة كانت محصورة باللبنانيين فقط، جدلاً كبيراً، ليتحوّل إلى مادة خلافية جديدة بين المسؤولين اللبنانيين، فيما أكد قانونيون أن القرار ليس سوى فقاعة ومادة سجالية قبيل الانتخابات النيابية.
واستثنى وزير العمل من حصر المهن الحرة باللبنانيين الفلسطينيين المولودين على الأراضي اللبنانية والمسجلين بشكل رسمي، والأجنبي الذي تكون والدته لبنانية أو يكون متزوجاً من لبنانية، ومكتومي القيد. وبذلك، اعتبر عدد من المحللين أن القرار تخطى سنوات من حرمان الفلسطينيين من 73 مهنة في لبنان.
ولاقى القرار إشادة من عدد من الأحزاب والمنظمات الفلسطينية، وكذلك الحال بالنسبة لعدد من السياسيين، وبينهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، الذي اعلن رفضه "الهجمة التي يتعرض لها قرار وزير العمل الذي يأتي في إطار الصلاحيات المعطاة له بما لا يتعارض مع قانون العمل وجملة من القوانين اللبنانية التي كان للحزب شرف اقتراح بعضها".
فيما ارتفعت الأصوات المعارضة له في لبنان، وخصوصاً أن القرار يشمل مهناً مثل المحاماة والهندسة والطب والصيدلة والنقل العام، ومهناً أخرى، تتطلب عضوية نقابية، هي من المهن التي كان ممنوع على الفلسطينيين ممارستها في لبنان منذ عقود.
واعتبر رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل أن "قرار بيرم توطين مقنّع ومرفوض"، داعياً النقابات لـ"كسره أمام مجلس شورى الدولة، واللبنانيين لعدم الالتزام به"، مشدداً على أن القرار لن يمرّ ولن نسمح بـ"تشليح اللبنانيين وظائفهم بهذه الظروف".
كذلك، أكد "حزب الكتائب" برئاسة سامي الجميل أن قرار وزير العمل يؤدي إلى ضرب فرص اللبنانيين بإيجاد مصدر رزق عبر السماح لغير اللبنانيين بمزاحمتهم على لقمة عيشهم.
فيما قال وزير العمل الأسبق شربل نحاس لـ"العربي الجديد" إن "الأجدى بالوزارة العمل على تصحيح الأجور لتكون أكثر انسجاماً مع حقوق العمل والعمّال".
ولفت إلى أن "هناك تغاضياً منذ زمن ومسافة بين الواقع والكلام في ما خصّ مسألة المهن وتخصيصها التي لها طابع اعلامي أكثر منه واقعي".
كذا، اختلفت آراء النقابات حول قرار الوزير بيرم. إذ اعتبر مجلس نقابة أطباء لبنان في طرابلس شمالاً أنه "جاء ليصحح خطأ تاريخياً ارتكب بحق الزملاء الأطباء الفلسطينيين والمولودين من أم لبنانية أو مكتومي القيد، مع تشديدنا على ضرورة أن يستحصلوا على الشهادات والأذونات الخاصة التي يحصل عليها الطبيب اللبناني".
بينما أكد نقيب أطباء لبنان في بيروت شرف أبو شرف أن "قرار وزير العمل يجب أن يسلك الطريق القانوني عبر مجلس النواب وكفانا مخالفات قانونية، مشيراً إلى أن ما حصل معيب وعلينا أن نخضع للقوانين لنحمي الطبيب اللبناني".
في حين دعا نقيب الصيادلة جو سلوم وزير العمل لأن يصدر بشكل عاجل ملحقاً توضيحياً لقراره، يحصر بموجبه بشكل واضح وصريح مزاولة مهنة الصيدلة في لبنان بالصيادلة اللبنانيين فقط دون سواهم، وذلك لأسباب قانونية وتقنية.
هذه الهجمة استدعت خروج وزير العمل بمؤتمر صحافي الجمعة، أكد فيه أن "ما كان ممنوعاً بموجب القانون والدستور والأنظمة والمراسيم المتعلقة بالمهن، مثل الطب والهندسة والمحاماة وغيرها، ما زال ممنوعاً ولا صلاحية لي بتغيير ذلك، إذ إن القرار لا يعدّل القانون، ولكني حددت المهن المحصورة باللبنانيين، مع توسيع هامش عمل الفلسطينيين، ولكن أضفت عبارة مع التقيد بالشروط الخاصة بالمهن المنظمة بقانون".
ولفت بيرم إلى أنه "في ظل هجرة العمالة الأجنبية من لبنان، يجب سدّ الفراغ في السوق، وذلك من خلال إعطاء الأولوية للعامل اللبناني ومن ثم الفلسطيني فالأجنبي".
وشرح رئيس قسم التحرير والدراسات في المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين أسعد سمور، لـ"العربي الجديد"، أنه "عادة يصدر عن وزارة العمل المهن المحصورة باللبنانيين، ويصدر استثناء يتضمن الفلسطينيين. وذلك ليس جديداً، الجديد هو إضافة المهن الحرة، ولكن لا يمكن مزاولة المهنة إلاّ بإذن من النقابة، وبالتالي، فقرار الوزارة لا يعني أن للفلسطينيين الحق في العمل بالمهن الحرة".
وشدد سمور على أن "المطلوب اليوم هو إعفاء الفلسطينيين من إجازة العمل"، حيث إنه لا يرى مبرراً لكل ما يثار حول قرار الوزير، وهو ما يضعه في إطار "المزايدات للاستثمار الانتخابي، في حين أن حال العمّال الفلسطينيين ستبقى كما هي من دون أي تغيير يذكر". وأشار إلى أن 60 ألفاً هو حجم القوى العاملة الفلسطينية في لبنان من أصل حوالي 170 ألف فلسطيني مقيم في البلاد.
بدوره، قال المحامي والباحث القانوني والعضو في "المفكرة القانونية" كريم نمّور، لـ"العربي الجديد"، إن قرار وزير العمل ليس جديداً، وهو يصدر بشكل دوري عن وزارة العمل". ولفت نمّور إلى أن "الإيجابية الوحيدة في القرار هي أنه ذكر للمرة الأولى بالفم الملآن المولودين في لبنان من حملة بطاقة مكتومي القيد ويستثنيهم من المهن المحصورة باللبنانيين".
في المقابل، وقف نمّور عند عوائق عدّة تفرضها شروط الاستثناء، والمطلوب توفرها للسماح لهؤلاء بالعمل، منها شرط المعاملة بالمثل وهو مستحيل تطبيقه. مع الإشارة إلى أن لبنان أصدر القانون رقم 129 عام 2010 ألغى فيه مبدأ المعاملة بالمثل ورسم إجازة العمل بالنسبة إلى الفلسطينيين فقط، لكنه في المقابل أبقى على وجوب الاستحصال على إجازة العمل، مع ذلك، لم تضع الحكومة اللبنانية المراسيم التطبيقية التي تسمح بتنفيذ القانون.