ثلاثة مخاطر تواجه الاقتصاد الإسرائيلي... شبح 1973 في الأفق

30 أكتوبر 2023
القلق يتواصل في بورصة تل أبيب من خسائر الحرب (Getty)
+ الخط -

هل تستطيع إسرائيل الصمود الاقتصادي أمام حرب برية طويلة في قطاع غزة؟ بات السؤال يتردد وسط خبراء الاقتصاد، مما حدا بهم لمقارنة ما تمر به إسرائيل من أزمة اقتصادية ومالية بخسارة الاقتصاد الإسرائيلي في العام 1973، حينما أدت تكلفة الأسلحة وتجنيد 200 ألف جندي احتياطي في الجيش للحرب إلى دفع إسرائيل إلى حافة الانهيار المالي.

ويعتقد البنك المركزي في البلاد أنه في العام 2002، كلفت سنة واحدة من الانتفاضة الثانية، 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب تقرير بمجلة ذا إيكونوميست. ومن أجل تجنب الكارثة، يرى محللون أنه يتعين على المسؤولين الإسرائيليين أن يواجهوا ما يصل إلى ثلاثة تحديات.

وهذه التحديات، هي أولاً: النقص في العمالة. إذ ليس هناك عدد كافٍ من العمال لدعم الاقتصاد والحرب معاً. ومنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حشدت القوات المسلحة الإسرائيلية أكثر من 360 ألف جندي احتياطي، أو 8% من القوة العاملة في البلاد، وهو استدعاء أكبر مما كان عليه عام 1973. وقد ترك معظمهم وظائفهم، مما أدى إلى فجوة هائلة في الاقتصاد الإسرائيلي.

ويقول التقرير إنّ الأسوأ من ذلك أن المجندين هم من أكثر العمال إنتاجية في إسرائيل. وتعتقد مؤسسة "ستارت أب نيشن" وهي مؤسسة خيرية إسرائيلية، أنه تم استدعاء عُشر العاملين في مجال التكنولوجيا. ونحو ربع العاملين في الصناعات الأكثر إنتاجية. وعلى النقيض من ذلك، فإنّ أولئك الذين يعملون في بقية الاقتصاد أقل إنتاجية بنسبة الخمسين. وعدد قليل فقط من جنود الاحتياط هم من المجتمعات الأرثوذكسية المتطرفة التي يتم تجنب التوظيف فيها.
 وإلى ذلك، يشير التقرير إلى أن هناك مصدراً آخر لكارثة نقص العمالة، وهة أن العديد من الوظائف التي تتطلب مهارات منخفضة في إسرائيل يتولاها فلسطينيون من الضفة الغربية، ويعمل حوالي 200 ألف منهم إما في إسرائيل أو في مستوطناتها. لكن الاضطرابات في الضفة الغربية تعني أنه لا يُسمح للعديد من العمال بعبور الحدود، وقد يبدأون في الإضراب. وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي استمرت من عام 2000 إلى عام 2005، كان العمال الفلسطينيون المفقودون من أكبر أزمات النمو الإسرائيلي، وفقاً لصندوق النقد الدولي.

علاوة على ذلك، يقول التقرير إنّ هناك عدداً قليلاً من العمال يمكن أن يحل محل جنود الاحتياط والفلسطينيين، لأنّ سوق العمل في إسرائيل ضيق للغاية. ووفقاً للبنك المركزي الإسرائيلي، الذي أمضى الأشهر القليلة الماضية في رفع أسعار الفائدة لتهدئة الاقتصاد، فإنّ معدل البطالة يبلغ 3.2%. وتعني قوانين العمل الصارمة في إسرائيل أن الشركات لا يمكنها سوى توظيف بدائل مؤقتة للعاملين في الخدمة العسكرية. ويشعر المستثمرون في قطاع التقنية بالقلق من توقف تدفق رؤوس الأموال إلى البلاد. وتعتقد "ستارت أب نيشن" أن 70% من شركات التكنولوجيا تكافح من أجل أداء وظيفتها. ويكمن الخطر في أنه عندما تنتهي الحرب، سيكون هناك عدد أقل من الوظائف التي يمكن للموظفين العودة إليها.
أما التحدي الثاني الذي يواجه صناع السياسات المالية في إسرائيل، فهو في انهيار الاستهلاك الخاص وتدني القوة الشرائية. وفي ظل حالة عدم اليقين والخوف من تكرار الهجمات الفلسطينية، غيّر الناس في إسرائيل من عاداتهم الاستهلاكية بالبقاء في منازلهم. ومنذ ما يقرب من ثلاثة أسابيع، ظلت المطاعم ومراكز التسوق فارغة. وبحسب "ذا إيكونوميست، اكتشف أولئك الذين لديهم متاجر أنّ هناك عدداً قليلاً من العملاء. كما توقفت السياحة التي تعد من مصادر الدخل المهمة للعملة الصعبة. وبحسب تقارير حكومية، درّت السياحة نحو 6 مليارات دولار على الاقتصاد الإسرائيلي في النصف الأول من العام الجاري. 
وتضاف إلى هذا التحدي كلَف إخلاء بلدات بأكملها على طول الحدود مع غزة ولبنان، مما أدى إلى وقف النشاط الاقتصادي. ومن أجل دعم الشركات، ستحصل جميع الشركات التي تعاني بسبب الحرب، باستثناء الشركات الكبرى، على منح، على غرار منح جائحة كورونا. كما تم تأجيل دفع ضريبة القيمة المضافة. وكل هذه الكلَف ستضاعف من عجز الميزانية الإسرائيلية.
والتحدي الثالث والأخير، الذي تشير إليه "ذا إيكونوميست" هو إدارة التكاليف المالية المترتبة على الحملة العسكرية على غزة. وتقول إن إنقاذ الشركات ودفع رواتب جنود الاحتياط وإيواء سكان قرى بأكملها في الفنادق سيكون لها أثرها. وبحسب التقرير، سوف يتطلب الأمر زيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي من أجل تمويل الغزو البري الذي ينوي الجيش الإسرائيلي تنفيذه على قطاع غزة.

 وتواجه إسرائيل حالياً أزمة في ارتفاع عائد السندات الذي يعني عملياً ارتفاع كلفة الاستدانة الحكومية. ويبلغ دين إسرائيل حالياً نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي.

 لكن حتى مع افتراض استمرار الحرب حتى نهاية العام، من المتوقع أن ترتفع نسبة الدين إلى 62%، حسب بيانات البنك المركزي الإسرائيلي. وعلى افتراض أن الرئيس الأميركي جو بايدن قادر على تحرير مبلغ 14 مليار دولار الذي يطلبه من الكونغرس كمساعدات عسكرية، فإنّ ذلك لن يكون كافياً إذا طال أمد الحرب وقفز العجز في إسرائيل من 3% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 8%.

وحتى قبل عملية طوفان الأقصى، تراجعت إيرادات الحكومة بنسبة 8% في سبتمبر/أيلول الماضي، والآن ترتفع تكلفة الاقتراض وتنهار القاعدة الضريبية. وبذلك، فإنّ حرباً أطول أمداً ستعني المزيد من الدمار، ولن تكون عملية إعادة الإعمار رخيصة الثمن بدورها.

المساهمون