استمع إلى الملخص
- رغم العقوبات الدولية، تحايلت عائلة الأسد عبر تسجيل الأصول بأسماء مقربين واستخدام مؤسسات خيرية، ولعبت أسماء الأسد دورًا محوريًا في إدارة الشبكات المالية.
- يعاني الشعب السوري من أزمات اقتصادية خانقة، حيث يعيش 90% تحت خط الفقر، مما يبرز تأثير الفساد على الاقتصاد الوطني ويستدعي ضغطًا دوليًا لاسترداد الأموال وتحقيق العدالة.
تُعد ثروة بشار الأسد وعائلته واحدة من أبرز القضايا التي تسلط الضوء على الفساد واستغلال الموارد في سورية، حيث تُقدَّر قيمتها بما يتراوح بين مليار وملياري دولار وفقًا لبيانات الخارجية الأميركية وتقارير دولية غير مؤكدة. واعتمدت هذه التقديرات على معلومات غير مكتملة، بسبب صعوبة تتبع الأصول التي جرى توزيعها عبر شبكة واسعة من الشركات الوهمية، والعقارات، والحسابات المصرفية في ملاذات ضريبية خارجية، ما يصعب من مهمة تحديد الحجم الحقيقي للثروة ومصادرها.
واعتمدت عائلة الأسد بشكل أساسي على الأنشطة غير المشروعة لتكوين ثروتها، بما في ذلك تجارة الأسلحة وتهريب المواد الأساسية والاتجار بالمخدرات. وسيطرت على قطاعات اقتصادية حيوية مثل النفط والغاز، لضمان تدفق مستمر للأموال. وجرى غسل هذه الأموال على مدار سنوات من خلال استثمارات في مشاريع تجارية وعقارية بدول مثل روسيا ولبنان والإمارات، ما أتاح للنظام تأمين أصوله بعيدًا عن الرقابة الدولية.
وفي عام 2021، أعد مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) دراسة تحت عنوان "كيف يستولي نظام الأسد بشكل منهجي على عشرات الملايين من المساعدات"، أظهر فيها تلاعُب نظام الأسد بسعر صرف الليرة السورية من أجل توجيه ما أمكنه من أموال المساعدات الدولية إلى خزائنه. وقالت الدراسة إن نظام الأسد الخاضع لعقوبات أميركية وبريطانية امتص ما يتراوح ما بين 60 و100 مليون دولار من أموال المساعدات الدولية في عام 2020، من خلال الاستفادة من 51 سنتًا من كل دولار من تلك المساعدات التي أُنفِقَت في سورية في العام ذاته.
وفي عام 2022، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرًا قدّر صافي ثروة الرئيس السوري بشار الأسد وعائلته بما يتراوح بين مليار وملياري دولار، إلا أنها أوضحت أن هذا التقدير ربما يكون غير دقيق، نظرًا لصعوبة تتبع الأصول التي يُعتقد أنها موزعة ومخفية في حسابات مصرفية ومحافظ وشركات وملاذات ضريبية خارجية.
وفي حين رجحت الوزارة أن يكون بعض هذه الأصول مسجلًا بأسماء مستعارة أو بأسماء أفراد آخرين للتهرب من العقوبات، فقد أوضحت أن عائلة الأسد تدير نظام رعاية معقدًا يشمل شركات وهمية وواجهات تستخدم كأدوات للوصول إلى الموارد المالية، وغسل الأموال الناتجة عن أنشطة اقتصادية غير مشروعة، مثل التهريب، وتجارة الأسلحة، وتجارة المخدرات. وأشارت وزارة الخارجية الأميركية إلى أن بشار الأسد وزوجته أسماء يمارسان نفوذًا واسعًا على جزء كبير من ثروة سورية، من خلال شبكات تخترق مختلف قطاعات الاقتصاد السوري.
ورغم العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على النظام السوري، فقد تمكنت عائلة الأسد من التحايل بطرق متعددة، حيث أشارت تقارير دولية إلى تسجيل الأصول بأسماء أفراد مقربين أو شركات وهمية، مع استخدام المؤسسات الخيرية واجهة لتأمين حركة الأموال. ولعبت أسماء دورًا محوريًا في إدارة هذه الشبكات المالية، حيث أشرفت على العديد من الشركات والمنظمات التي تساهم في تأمين أموال النظام، وفقًا لتقارير صادرة عن منظمة الشفافية الدولية ومنظمات دولية أخرى معنية بمكافحة الفساد.
وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، التابع لوزارة الخزانة الأميركية، بشار الأسد على قائمة العقوبات في 2011، وأسماء الأسد في يونيو/حزيران 2020، ومع ذلك، فقد حافظ آل الأسد على علاقات وثيقة مع أكبر اللاعبين الاقتصاديين في سورية. وقالت شبكة "سي أن أن" الإخبارية إن أسماء واصلت ممارسة نفوذها على صندوق سورية للتنمية، الذي أسسته عام 2001، وإنها وجهت التمويل إلى المبادرات الخيرية والإنسانية في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة النظام في سورية.
وفي عام 2019، أسست أسماء أيضًا شركة الاتصالات إيما تيل مع رجل الأعمال السوري خضر طاهر بن علي. ومن جهة أخرى، يدير ابن عم أسماء الأسد مهند الدباغ وشقيقها فراس الأخرس شركة تكامل، التي تدير برنامج البطاقة الذكية الإلكترونية المستخدمة لتوزيع المواد الغذائية المدعومة في سورية، وفقًا لتقارير استندت إليها "سي أن أن". أما ماهر الأسد، شقيق بشار، فقد كان قائدًا للفرقة المدرعة الرابعة في سورية، ومن خلالها عمل رئيسًا لشبكة متورطة في أنشطة غير مشروعة، من خلال أعمال تجارية في قطاعات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والهندسة والطاقة والسياحة.
وفي مارس/ آذار 2023، أفادت روزي دياز، الدبلوماسية البريطانية والناطقة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بأنّ تجارة الكبتاغون درَّت أرباحًا على نظام الأسد وصلت إلى 57 مليار دولار، واصفة هذه التجارة بشريان الحياة المالي للأسد الذي يعادل ما يقرب من ثلاثة أضعاف تجارة المخدرات التي تنشط فيها الكارتلات المكسيكية مجتمعة والذي يفوق أيضًا الناتج المحلي الإجمالي للأردن المُقدَّر بـ 47.45 مليار دولار.
وبالتزامن مع هذا، اعتمد النظام السوري المنهار على دعم دولي من حلفائه، مثل إيران وروسيا، لضمان استمرار عملياته المالية، وهو ما لم يقتصر على التغطية الدبلوماسية، بل شمل أيضًا تسهيلات مالية وإمكانيات لتهريب الأموال. وفي مناسبات عدة سابقة، قالت "رويترز" إن هذا الدعم ساهم في حماية النظام اقتصاديًّا، رغم التدهور الكبير الذي عانى منه الاقتصاد السوري نتيجة الحرب والعقوبات.
ثروة الأسد وفقر السوريين
وعلى الجانب الآخر، أشارت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة على مدار السنوات الأخيرة إلى أن الشعب السوري واجه أزمات اقتصادية خانقة، مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. وتدهورت الظروف المعيشية بشكل كبير في مختلف أنحاء سورية بسبب استنزاف موارد البلاد من قِبل النظام، حيث جرى استخدام هذه الموارد لتمويل العمليات العسكرية وقمع المعارضة بدلًا من تحسين مستوى حياة المواطنين، الأمر الذي عَكَسَ الفجوة الهائلة بين النخبة الحاكمة وسكان البلاد، الذين كافحوا لتلبية احتياجاتهم الأساسية.
وعلى عكس ما روّج له النظام، لم يكن تردي الأوضاع في سورية مرتبطًا بتحركات الربيع العربي التي بدأت في عام 2011، وما أعقبها من حروب في البلد الذي خضع لسيطرة جهات متعددة، حيث تشير الأرقام الرسمية إلى سوء أحوال معيشية أصاب ملايين السوريين، قبل 2011. ووفقًا لبيانات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP، فقد بلغ إجمالي عدد الأشخاص الذي كانوا تحت خط الفقر الأعلى (90 ليرة سورية للفرد في اليوم) أكثر من ستة ملايين شخص في عام 2010.
وقالت المنظمة الدولية أيضًا إن تراجع دور الدولة في توفير فرص العمل، وتقلّص الاستثمارات العامة، أديا إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر. ووفقًا للتقارير المتفائلة آنذاك، بلغ معدل الفقر في سورية حوالي 33.5% في عام 2007، بينما وصلت النسبة إلى 62% في المناطق الريفية التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة.
وفي مارس/آذار الماضي، أشارت تقديرات أممية إلى أنه من بين سكان سورية، البالغ عددهم نحو 23.46 مليون نسمة، كان هناك نحو 7.25 ملايين نسمة تقريبًا يعيشون حالة نزوح داخلي، ونحو مليونين من هؤلاء النازحين يعيشون في مخيمات. وأكدت تقارير الأمم المتحدة أن نسبة واسعة جدًّا من البنية التحتية الأساسية لسورية لا تزال مدمرة، وأن نحو 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
وقالت الأمم المتحدة إن ملايين السوريين لا يزالون يعيشون حالة النزوح داخلي، بما يقدر بنحو 31% من إجمالي السكان، وأنهم يعانون من نقص وفقدان الوثائق المدنية، فضلًا عن نقص وفقدان أو تلف وثائق الإسكان والأراضي والممتلكات. وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إن ما يقارب 7.5 ملايين طفل سوري يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، وإن أكثر من 650 ألف طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية المزمن.
إجمالًا، تُظهر قضية ثروة عائلة الأسد مدى عمق الفساد في النظام السوري، وتأثيره المدمر في الاقتصاد الوطني. ويمثل استرداد هذه الأموال وتحقيق العدالة الاقتصادية تحديًا كبيرًا، خاصة مع التردي المتوقع في الأوضاع الأمنية والرقابية، بعد انهيار النظام وهروب بشار إلى موسكو. ويظل الضغط الدولي والمحاسبة القانونية خطوات أساسية للحد من استغلال الموارد العامة وضمان مستقبل أكثر عدلًا للشعب السوري.