ثروات سيناء كنز للحكومة.. وأهلها محرومون منها

16 فبراير 2021
سكان سيناء يعانون من أوضاع معيشية صعبة (خالد دسوقي/ فرانس برس)
+ الخط -

يظن الكثير من المصريين أن شبه جزيرة سيناء شرقي البلاد لا تشكل سوى صحراء قاحلة يسكنها البدو وتعاني من الهجمات الإرهابية وعمليات الجيش في محافظة شمال سيناء ووسطها، ولا استفادة منها تذكر، بخلاف بعض المناطق السياحية في محافظة جنوب سيناء.

ولكن في الحقيقة، تمثل سيناء كنزاً ثميناً بالنسبة إلى الدولة المصرية، من حيث الثروات المعدنية والخامات الهامة للصناعة والمحميات الطبيعية، إذ إنها تصدّر آلاف الأطنان من هذه المواد كل عام، في مقابل أن أهلها لا يشعرون بانعكاس ذلك على حياتهم، نتيجة التعامل الخشن الذي تنتهجه أنظمة الحكم في مصر مع سكانها على مدار العقود الماضية.
وتعددت الدراسات المنشورة حول ما تمتلكه سيناء، واطلعت "العربي الجديد" على العديد منها، التي أجمعت على أن ما تملكه سيناء في باطنها يمثل مورداً أساسياً لدعم اقتصاد مصر، في حين أن الدولة لا تكافئ سكانها، ولو بالحد الأدنى من حقوقهم.
وتحوي سيناء الكثير من الثروات المعدنية، مثل خامات صناعة الإسمنت من حجر جيري وطفلة وجبس وأكاسيد حديد ورمال وزلط وخامات السيراميك من فلسبار والباتيت وكاولين، وأحجار الزينة من رخام وغرانيت، التي تستخدم في بناء المنتجعات والقرى السياحية وغيرها من المنشآت، بالإضافة إلى الخامات الفلزية التي تدخل في الصناعات التكنولوجية المتقدمة، مثل النحاس والرصاص والزنك والتنجستن والمولبدنيم والمنجنيز.

واكتشفت هيئة الثروة المعدنية، أخيراً، معادن نفيسة في سيناء، مثل الذهب والفضة، بالإضافة إلى وجود خامات الطاقة الأخرى، كالبترول والفحم الذي يوجد في عدد من المناطق، وعلى رأسها فحم المغارة بشمال سيناء، وكذلك مناطق بدعة وثورة بالقرب من منطقة أبو زنيمة، فضلاً عن احتواء سواحل شمال سيناء في مناطق ما بين العريش وبئر العبد على عدد من الملاحات التي تنتج ملح الطعام والأملاح الصناعية الأخرى.
وحسب دراسات حديثة، تحوي سيناء أكبر احتياطي من الرمال البيضاء فائقة النقاء التي تدخل في كثير من الصناعات، وعلى رأسها صناعة الزجاج، إذ قُدِّر الاحتياطي بحوالي 155 مليون متر مكعب (330 مليون طن)، كذلك تتمتع محافظة شمال سيناء بمخزون من المياه الجوفية، إذ تشير الدراسات التي قامت بها هيئة الثروة المعدنية والدراسات الجيوفيزيقية، وكذلك الهيئات الأخرى، إلى وجود مخزون هائل من هذه المياه، ما يفتح فرص الاستثمار في المجالين الزراعي والصناعي وما يتبعهما من تعمير وأنشطة أخرى.
وفي التعقيب على ذلك، يقول مسؤول حكومي في شمال سيناء لـ"العربي الجديد" إن كل ثروات سيناء بجنوبها وشمالها لا يخضع لأي سلطة محلية، ولا تعود فوائده عليها، بأي شكل من الأشكال، بل تعتبر من المشاريع السيادية التي تتبع سلطتها مباشرةً للحكومة في القاهرة، التي بدورها تنظم العمل في هذه المشاريع، بمعاونة مباشرة من الهيئة الهندسية في القوات المسلحة المصرية.
وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه: "يأتي ذلك نظراً إلى أن شبه جزيرة سيناء تعتبر منطقة عسكرية، بخلاف بعض المناطق فيها، وبناءً عليه، فإن للجيش حرية التصرف بكل مقدراتها، بالشكل الذي يراه مناسباً، بالتنسيق مع الوزارات المعنية"، مشيراً إلى أن من المحظور على السلطات المحلية التصرف بأي شيء مهما بلغ حجمه، لتنمية المنطقة أو تحسين ظروف المعيشة فيها، إذ إن من يرى مناطق سيناء، ولا سيما الشمال والوسط على وجه الخصوص، يشعر بأنه في منطقة غير منتجة ولا تحوي موارد ذات قيمة.
وتابع المسؤول الحكومي، قائلاً إن هناك تعتيماً، يبدو أنه متعمد، على ما تحويه سيناء من مقدرات وثروات، فلا يجري الحديث عن سيناء في الإعلام المحلي إلا في ملف الإرهاب، والتهريب، والمخدرات، في حين أن شبه جزيرة سيناء تقدم ما لا يقدمه الكثير من المحافظات المصرية.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وقال إن السلطات المحلية في سيناء والمواطنين يطالبون بتحسين ظروف المعيشة فيها، خصوصاً ما يتعلق بالبنى التحتية كالكهرباء والمياه والاتصالات، وتوفير فرص عمل لأبناء سيناء في المشاريع الضخمة، وهذا ينطبق على مناطق شمال ووسط سيناء على وجه التحديد، في ظل اهتمام الدولة المصرية بمحافظة جنوب سيناء، نظراً إلى طبيعتها السياحية التي تمتاز بها.
وكانت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية، هالة السعيد، قد أكدت في تصريحات صحافية الأسبوع الماضي، أن عدد المشروعات التنموية بمحافظة جنوب سيناء يصل إلى 169 مشروعاً، وأن قيمة الاستثمارات العامة الموجهة للمحافظة بخطة عام 2021/2020 تبلغ 3.75 مليارات جنيه (نحو 240 مليون دولار) بنسبة زيادة 50% عن خطة عام 2020/2019 تمثل 1.4% من الاستثمارات العامة الموزعة.
من جهته يقول أحمد سويلم، أحد مشايخ وسط سيناء، لـ"العربي الجديد" إننا نرى بأعيننا خير سيناء، وهو يخرج منها بلا عوائد عليها، ونعلم حجم الفائدة التي تعود على الدولة المصرية، بمقابل المواد الخام والثروات التي تُستخرَج وتُشحَن إلى خارج سيناء، على مدار الساعة، منذ سنوات طويلة.
وأضاف سويلم: تتعلق مطالبنا بدعم الحياة في سيناء، من خلال توفير متطلباتها الأساسية، في قطاعات الطرق والمواصلات والصحة والتعليم والأمن، وكذلك العمل على إنشاء مصانع ضخمة في المنطقة، بما يوفر فرص عمل لآلاف العاطلين من العمل في كل مناطق سيناء، ما دفع الكثيرين منهم إلى اللجوء إلى التنظيم الإرهابي، بحثاً عن لقمة العيش التي يظنون أن التنظيم بإمكانه توفيرها لهم، في ظل غياب الدولة عن أداء دورها في دعم الشباب والأسر المحتاجة في سيناء. وقال إن الاهتمام بأبناء سيناء ليس منةً من الدولة، بل جزء من رد الجميل لهذه المنطقة، ومنحها بعضاً من حقها في الثروة التي في باطنها، وحافظ عليه سكانها على مدار العقود الماضية.

المساهمون