لئن توصل الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر اتحاد عمالي) لإنجاح التفاوض مع الحكومة التونسية حول الزيادات في الأجور للقطاع الخاص، فإن المفاوضات الجارية بشأن موظفي القطاع العام ما زالت مسدودة الأفق، ولم ينجح الطرفان في إيجاد حل لها، مما جعل ملف المفاوضات الاجتماعية العالق محل نقاش الساعة على أغلب وسائل الإعلام التونسية، ووصل الأمر في عديد المناسبات إلى تبادل الاتهامات بعرقلة المفاوضات، وبعدم تفهم الوضع من قبل طرفي التفاوض.
واحتدّ الجدل أكثر حين ذهبت الحكومة التونسية الحالية إلى إرجاء المفاوضات الاجتماعية للحكومة القادمة، في حين تشبث الاتحاد العام التونسي للشغل بفتح الملف مع الحكومة الحالية، واعتباره عاجلاً ولا يتحمل مزيداً من المماطلة والتأجيل.
وقال أمين عام مساعد قسم المالية والإدارة بالاتحاد العام التونسي للشغل، بوعلي المباركي، لـ "العربي الجديد"، إن التعجل في فتح المفاوضات الاجتماعية، وتفعيلها تعود بالأساس إلى "ما يعانيه العمال في القطاع العام من غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، وتدني سعر الدينار وفقدان موظفي الحكومة لنحو 20% من قيمة أجورهم، خاصة وأنه لم يتم التفاوض في الزيادة في الأجور سنتي 2013 و2014، حيث لم تسجل أي زيادة في الرواتب إلى حد الآن"، وهو ما جعل النقابيين يطالبون بالمفاوضات الاجتماعية "لترقيع هذا التدهور المتواصل للقدرة الشرائية".
واستنكر المباركي عدم تجاوب الحكومة مع المفاوضات الاجتماعية المتعلقة بالقطاع العام، خاصة وأنه قد "تم التفاوض وتفعيل زيادات بـ 6% في أجور القطاع الخاص، يُضاف إليها عشرة دنانير يومياً (5.5 دولار) كمنحة تنقل".
ويؤكد أن اتحاد الشغل على دراية بالوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به تونس، لكن "على الحكومة أن تتقاسم معنا الأعباء"، ويصل عدد العمال في القطاع الحكومي التونسي إلى أكثر من 700 ألف شخص.
وعن تشبث الاتحاد العام التونسي للشغل بعدم إرجاء المفاوضات الاجتماعية للحكومة القادمة، يقول المباركي إنّهم "لا يعلمون متى ستتشكل الحكومة القادمة، وأن الأمر سيتطلب الكثير من الوقت". وأشار إلى أن "المفاوضات تنقسم إلى قسمين اثنين، أولهما مالي وثانيهما تنظيمي يتعلق بالقوانين الأساسية ومجلة الشغل (قانون العمل) وغيرها، وهكذا فإننا سنُتم الجانب المالي مع الحكومة الحالية وستُترك الجوانب التشريعية إلى الحكومة القادمة".
من جهتها، تشبثت حكومة المهدي جمعة بإرجاء المفاوضات الاجتماعية للقطاع العام للحكومة القادمة التي من المنتظر أن تباشر مهامها انطلاقا من شهر مارس/آذار 2014.
وقد أرسل جمعة رسالة إلى الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين العباسي، مفادها بأن حكومته تستعد لتسليم مهامها إلى حكومة أخرى، وبالتالي لا يمكنها فتح مفاوضات تخص الزيادة في الأجور، وأن المفاوضات يجب أن تكون ضمن صميم أعمال الحكومة القادمة.
وفي حين تمسك الاتحاد العام التونسي للشغل إثر تلقي هذه الرسالة بإجراء المفاوضات خلال هذا الشهر الجاري، غير مقتنع بما قدمته رئاسة الحكومة من حجج لتأجيل المفاوضات، التزمت رئاسة الحكومة بالصمت عن مستقبل الزيادات في الأجور للقطاع العمومي، ولم تخض في هذا الموضوع مجدداً إلى اليوم.
في الأثناء، يبقى العمال والموظفون التونسيون في القطاع العام أكبر المتضررين، سواء من جراء تعذر التفاوض على الحكومة واتحاد الشغل، أو نتيجة ارتباك الاقتصاد التونسي وعجز الميزانية العمومية، وما يعكسه ذلك من غلاء المعيشة وضيق الحال.