تونس: غموض خطط مواجهة الغلاء ومخاوف من مخزون السلع

17 اغسطس 2021
ارتفاع التضخم يزيد الصعوبات المعيشية (فرانس برس)
+ الخط -

لم تكشف السلطات التونسية عن خطتها الجديدة لإنعاش الاقتصاد وكبح التضخم وتوفير رواتب شهر أغسطس/ آب الجاري، وسط تقلبات سياسية حادة وتواصل تعطل سير العمل الحكومي منذ 25 يوليو/تموز الماضي الذي شهد تجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي.

ولم تعد التطورات السياسية في البلاد تشغل التونسيين، بقدر انشغالهم بمستقبلهم المعيشي ومدى انعكاس الواقع الجديد على حياتهم اليومية وقدرتهم على مجابهة الغلاء.

ورغم دعوة الرئيس قيس سعيد، التجار وما توصف بـ"كارتلات الغذاء والبنوك" إلى خفض الأسعار ومكافحة الاحتكار والنزول بنسب الفائدة البنكية لمساعدة التونسيين على تخطي الوضع الصعب الذي تشهده البلاد، إلا أن موجات الغلاء لا تزال حاضرة بقوة، رغم إعلان بعض القطاعات التجارية عن تخفيضات ظرفية تتراوح بين 5% و10%.

موجات الغلاء لا تزال حاضرة بقوة، رغم إعلان بعض القطاعات التجارية عن تخفيضات ظرفية تتراوح بين 5% و10%

ويعد الغلاء المتصاعد وإنهاك القدرة الشرائية للتونسيين من الأسباب الرئيسية التي هيأت المناخ لزحف المواطنين إلى الشوارع يوم 25 يوليو/ تموز الماضي، الذي انتهى بتجميد أعمال مجلس نواب الشعب وإقالة الحكومة.

ويرى خبراء اقتصاد أن مطالب سعيد لرجال الأعمال و"الكارتلات الاقتصادية" بتخفيض الأسعار ومساعدة المواطنين، غير كافية لإعادة تصويب البوصلة الاقتصادية في البلاد وإنقاذ أصحاب الدخول الضعيفة والمتوسطة من زحف التضخم الذي يلتهم رواتبهم.

ويقول الخبير الاقتصادي خالد النوري، إن "تحسين الوضع المعيشي يحتاج إلى إصلاح اقتصادي ينفذ إلى عمق الأزمة لتفادي الحلول الترقيعية التي دأبت عليها السلطات خلال السنوات العشر الماضية".

ويضيف النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "خريطة الإصلاح الاقتصادي لا تزال غامضة ولم يكشف عنها الرئيس سعيد أو حكومته المرتقبة، بينما الوضع المعيشي المتردي لا ينتظر ويحتاج إلى إصلاحات سريعة المدى وأخرى متوسطة لتجنّب انفجار اجتماعي لا تزال أسبابه الأساسية قائمة رغم تحولات المشهد السياسي".

ويتوقع أن تشهد الأسواق قفزات جديدة في تضخم الأسعار، تزامنا مع العودة المدرسية والجامعية، ما قد يسبب عجزا هيكليا في موازنات الأسر ويزيد من مديونياتها.

وخلال الشهر الماضي صعدت نسبة التضخم إلى 6.4% مقابل 5.7% خلال يونيو/ حزيران، لتعد المعدلات الأخيرة هي العليا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

ويمثل كبح التضخم المعركة الأساسية التي يقودها محافظ البنك المركزي، مروان العباسي، منذ توليه السلطة النقدية عام 2018، معتبرا أن انفلات التضخم هو الخطر الأكبر الذي يمكن أن يهدد معيشة المواطنين.

يتوقع أن تشهد الأسواق قفزات جديدة في تضخم الأسعار، تزامنا مع العودة المدرسية، ما قد يسبب عجزا هيكليا في موازنات الأسر ويزيد من مديونياتها

ووفق بيانات صادرة عن البنك في وقت سابق من أغسطس/ آب الجاري، فإن رصيد تونس من النقد الأجنبي أصبح يغطي 120 يوماً من الواردات، أمس، بعد أن كان في حدود 129 يوماً الثلاثاء الماضي.

ويقول الخبير المالي أيمن الوسلاتي، إن معركة التضخم ومكافحة الغلاء ليست إلا جزءا من معارك اقتصادية كبرى يتعيّن على تونس خوضها من أجل الخروج من الأزمة الخانقة وتحسين ظروف العيش.

ويؤكد الوسلاتي أن تونس تواجه مستويات ضعيفة من المخزونات الأساسية لمواد أولية منها القمح والمحروقات والدواء، مؤكدا أن ضعف المخزونات يمكن أن يتحوّل إلى نقص فادح في السلع في الأشهر القادمة ويلهب الأسعار بشكل أكبر.

ويضيف أن السلطات التونسية مطالبة بوضع خطة لمواجهة غلاء أسعار الغذاء والطاقة في العالم وتجنب تداعيات ذلك على السوق المحلية، وذلك بتوخي حلول تساعد على زيادة المخزونات.

ويفيد أن غلاء الأسعار العالمية يغذي ممارسات المضاربة في السوق التونسية، الأمر الذي قد يؤدي إلى إحباط أي مساع داخلية لخفض الأسعار، مشيرا إلى زيادة أسعار القمح والذرة إلى أعلى مستوياتها في الفترة الأخيرة.

وأظهرت الأرقام الصادرة عن معهد الإحصاء الحكومي مؤخرا، أن أسعار المواد الغذائية زادت خلال يونيو/ حزيران الماضي بنسبة 7.2%، بسبب ارتفاع أسعار الخضروات 13% والزيوت الغذائية 16.5%، إلى جانب تسجيل زيادة بـ 8% في الحليب ومشتقاته و7.6% في الأسماك و6.4% في اللحوم.

بينما تشير تقارير متخصصة إلى أن شرائح كبيرة من أصحاب الدخل المحدود محرومون منذ سنوات من اللحوم الحمراء والأسماك التي لم يعد حتى لمتوسطي الدخل القدرة على تحملها.

وبينما يقدر معهد الإحصاء ارتفاع أسعار الخضروات بنحو 7.2%، تظهر البيانات الصادرة عن المرصد الوطني للفلاحة، تسجيل طفرات في أسعار بعض الأصناف خلال يونيو/حزيران الماضي حيث تجاوزت 50%، إذ ارتفعت أسعار البطاطا بنسبة 52% والفلفل 15%، كما زادت أسعار بعض أصناف الفاكهة بنسبة 11%.

المساهمون