وضع صندوق النقد الدولي عقبات جديدة أمام تونس للولوج إلى التمويلات الأجنبية خلال العام الجديد، بعد تصنيف البلاد ضمن مجموعة الدول السلبية لأول مرة منذ بدء التعامل التونسي مع الصندوق عام 1958.
وجاءت تونس في القائمة السلبية إلى جانب كل من اليمن وفنزويلا وبيلاروسيا وتشاد وهايتي وميانمار، وذلك بسبب عدم قدرة خبراء الصندوق على استكمال المشاورات بموجب المادة الرابعة المتعلقة بمراجعة الأداء الاقتصادي.
وتأخر ذلك لمدة تجاوزت 18 شهراً، بالإضافة إلى الفترة العادية الممنوحة وهي 15 شهراً.
وأرجع صندوق النقد إدراج تونس والدول المذكورة في القائمة السلبية إلى تأخّر المناقشات مع سلطات الدول بشأن الأمور الاقتصادية والسياسات المعتمدة، أو بسبب الوضعين السياسي أو الأمني أو لتغيير بعض الدول حكوماتها بسبب الانتخابات أو لقرارات بتغيير أعضاء الحكومات.
وأكد الصندوق ورود طلب من سلطات بعض الدول تأخير اللقاء لإجراء المراجعة الاقتصادية بسبب عدم قدرتها أو جاهزيتها على استقبال وفد من الصندوق نتيجة لجدول أعمال هذه الحكومات أو بسبب عدم وجود اتفاق على مواعيد وعدم إعلان السلطات عن مواعيد لاستقبال بعثة صندوق النقد للتشاور بخصوص المادة الرابعة.
وبداية ديسمبر/ كانون الأول الماضي أعلنت السلطات التونسية عن تأجيل زيادة لوفد خبراء من صندوق النقد الدولي كانت مقررة في الفترة من الخامس إلى السابع عشر من ذلك الشهر. ونقلت وكالة الأنباء التونسية حينها عن مصدر في صندوق النقد، أن الزيارة تأجلت بطلب من السلطات التونسية.
وأكد مصدر في الصندوق وفق الوكالة التونسية أنه "لم يتم الاتفاق بعد على موعد جديد، لكن ذلك سيجرى بالتشاور بين الجانبين". ولفت إلى أن مؤسسة التمويل الدولية مستعدة لإجراء المشاورات السنوية في إطار المادّة الرابعة للصندوق، المتعلّقة بمراجعة الأداء الاقتصادي التونسي.
وقال الخبير الاقتصادي التونسي آرام بالحاج في تصريح خاص لـ"العربي الجديد" إنه من المرجح أن تقع تونس تحت تأثيرات جديدة لتصنيفها ضمن القائمة السلبية، بما ينعكس على قدرتها على تعبئة مواد خارجية لفائدة الموازنة.
وأوضح بالحاج أنه رغم كون التصنيف الذي قام به صندوق النقد الدولي أمرا إجرائيا يعتمده مع كل الدول الأعضاء في المؤسسة المالية، حيث يجري الصندوق تقييمات دورية للسياسات العمومية للدول الأعضاء ويصدر على أثرها توصيات خاصة بكل دولة تتعلق بالأداء الاقتصادي والمالي، إلا أن هذا التطور من شأنه التأثير على قرارات الدول التي تجري مباحثات مع تونس بشأن قروض ثنائية أو تلك التي ربطت صرف مساعداتها بضرورة الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
ومنذ بدء تعامل تونس مع الصندوق قبل نحو 66 عاماً لم يسبق للمؤسسة المالية تصنيف الدولة التونسية ضمن القائمة السلبية. كما تعاملت السلطات مع الصندوق خلال السنوات التي تلت ثورة يناير/ كانون الثاني 2011 في أكثر من 4 مناسبات حصلت عليها تونس على مختلف أصناف القروض والتمويلات التي يتيحها صندوق النقد لأعضائه سواء المتعلقة بحقوق السحب أو قرض التسهيل الممتد.
ولا تزال تونس التي تعاني صعوبات اقتصادية، تحتاج إلى تمويلات خارجية بقيمة تزيد عن 5 مليارات دولار مقدرة ضمن موازنة العام الحالي. غير أن السلطات استبعدت هذا العام فرضية اللجوء مجدداً إلى تمويلات الصندوق بعد تعثر توقيع اتفاق نهائي بشأن قرض بقيمة 1.9 مليار دولار تم الاتفاق بشأنه مبدئيا في سبتمبر/ أيلول 2022.
وقال محلل السياسات المالية مراد الحطاب، إن إدراج تونس ضمن مجموعة البلدان السلبية في تقرير صندوق النقد الدولي "أمر سياسي بامتياز بسبب قرار السلطات تجميد التعاون مع الصندوق ورفض خطة الإصلاح الاقتصادي القاسية التي يشترطها مقابل صرف القرض".
وأضاف الحطاب في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "سلطات تونس تتجه للاستغناء النهائي عن التعاون مع صندوق النقد الدولي والتعويل على الذات في توفير موارد لفائدة الموازنة".
وحول تداعيات ذلك على قدرة البلاد على تعبئة احتياجاتها من التمويل الأجنبي أشار المحلل المالي التونسي إلى أن تقديرات الموارد الخارجية المطلوبة وفق قانون الموازنة لـ2024 مبالغ فيها، مرجحا أن تكون الاحتياجات الحقيقية من القروض أقل من ذلك بكثير.
وخلت موازنة 2024 من فرضيات اللجوء للاقتراض من صندوق النقد الدولي، لأول مرة منذ عام 2013، رغم إقرار حزمة إصلاحات، من بينها تقليص الدعم عبر زيادة الضرائب على السلع الاستهلاكية الموجهة للمطاعم وأصناف من المقاهي، إلى جانب زيادات متوقعة في الضرائب على مواد الطاقة.
وتخطط سلطات تونس لتعبئة موارد من القروض الخارجية تفوق 5 مليارات دولار لتمويل موازنة البلاد للعام الجاري، في أعلى مستوى اقتراض منذ استقلال البلاد قبل ما يقرب من 70 عاماً، وسط تقديرات بأن تتجاوز ديون البلاد 80% من الناتج المحلي الإجمالي مع نهاية عام 2023، لتصل إلى 127 مليار دينار (نحو 40 مليار دولار)، وفق ما أفصحت عنه وزارة المالـية أخيراً.