وضعت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش راتينغ" تونس ضمن قائمة الـ17 دولة المهددة بالتخلّف عن سداد ديونها، مع انطلاق السلطات في مفاوضات مصيرية مع صندوق النقد الدولي، بينما تزداد الأوضاع السياسية تأزما بسبب توسع جبهة الرفض لمشروع دستور قيس سعيد.
ونشرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني تقريرا تحت عنوان "مراجعة توقعات القطاع السيادي إلى الحياد في ما يتعلق بتأثير الحرب في أوكرانيا" تضّمن قائمة بالدول المهددة بالإفلاس أو المعرّضة للتخلف عن سداد ديونها من بينها تونس ولبنان وسريلانكا.
وأعلنت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، تخفيض توقعاتها بشأن الديون السيادية، من "التحسن" إلى "الحياد"، مؤكدة أن الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات المترتبة عنها، أججت مشاكل على مستوى التجارة والنمو الاقتصادي وتدفق رؤوس الأموال والتضخم المالي.
كما توقعت "فيتش راتينغ" أن تأثيرات هذه الحرب لن يتم حلها مع نهاية العام الحالي. وأشارت الوكالة في تقريرها إلى عدد الدول المتخلفة عن سداد ديونها، أو التي تشير عائدات سنداتها في الأسواق المالية إلى حدوث ذلك، وهي 17 بلدا، من بينها تونس التي لا تزال تحافظ على تصنيف "ccc".
مأزق تعثر سداد الديون
ويأتي تأكيد التصنيف السلبي لديون تونس السيادية تزامنا مع بدء بعثة صندوق النقد الدولي محادثتها مع تونس بشأن برنامج التمويل بعد فترة مفاوضات تقنية امتدت لأشهر، استنزفت خلالها الحكومة مصادر الاقتراض الداخلي من أجل توفير الموارد اللازمة لتمويل الموازنة.
ويرى وزير المالية السابق والخبير الاقتصادي سليم بسباس، أن تقرير فيتش الذي يتزامن مع بدء بعثة صندوق النقد مناقشاتها الرسمية مع تونس يمكن أن يؤثر إيجابا على سير المفاوضات بالتسريع في توقيع اتفاق مالي يمكن البلاد من سحب قسط أول قبل الربع الأخير من العام الحالي.
وقال بسباس في تصريح لـ"العربي الجديد" إن تونس المدرجة ضمن قائمة الدول المهددة بتعثّر سداد الدين الخارجي يمكن أن تتجاوز هذا الخطر في صورة توقيع اتفاق مالي يفتح لها الأبواب نحو الأسواق المالية العالمية من أجل تعبئة الموارد اللازمة لتمويل الموازنة وسداد أقساط الدين الخارجي.
في المقابل، رجّح وزير المالية السابق أن يكون صندوق النقد الدولي أكثر تشددا وصرامة بشأن بنود البرنامج الإصلاحي وأن يفرض روزنامة محددة في تنفيذ الإصلاحات. وقال: "أعتقد أن صرف أقساط القرض سيكون مرتبطا بنتائج المراجعات التي ستجريها الحكومة وبتقيّد السلطات بتنفيذ الإصلاحات المعلن عنها".
واعتبر بسباس أن صندوق النقد الدولي الذي يعد من ضمن الدائنين الأساسيين لتونس ليس من مصلحته أن تصل البلاد إلى مرحلة التخلّف عن سداد الدين ومن أجل ذلك سيعمل فريق الخبراء على التوصل إلى نتائج إيجابية بشأن برنامج التمويل الجديد.
تهاوي السندات الدولارية
ونهاية مارس/ آذار الماضي سجلت السندات الدولارية التونسية تراجعاً حاداً لتنزل إلى أدنى مستوياتها ويتم تداولها لأول مرة بما دون 60 سنتا (56.89 سنتا بالتحديد)، وفق ما كشفته بورصة فرنكفورت حينها، مقابل قيمة مقدرة بـ87.82 سنتا في التاريخ ذاته من سنة 2021. وانخفض إصدار السندات المقومة بالدولار، الذي ينتهي أجله في 2026، بنسبة 5.21 بالمائة أول من أمس، وهو أدنى مستوى تسجله سندات الديون التونسية الصادرة بالعملة الصعبة لهذا العام.
وقال الخبير المختص في التحاليل المالية، نادر الحداد، إن السندات التونسية سجّلت تراجعا على مدار الأشهر الماضية، مؤكدا أنها خسرت الكثير من قيمتها نتيجة الوضع الاقتصادي والسياسي في البلاد. لكن الحداد أفاد في تعليق على صفحته الرسمية على "فيسبوك" بأن الأسواق رحبت بخبر زيارة بعثة صندوق النقد الدولي لتونس للبدء في مفاوضات الحصول على القرض.
وقال إنه "في حال التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، ستنزل كلفة التغطية، والعائد على السندات سيصل إلى مستويات مقبولة، وهذا بالتالي سيسمح لتونس بالخروج إلى السوق المالية العالمية".
تداعيات الأزمة السياسية
ويبدأ صندوق النقد الدولي مفاوضاته مع تونس بشأن اتفاق مالي بقيمة 4 مليارات دولار، بينما تزداد الأزمة السياسة حدة في البلاد بسبب توسّع دائرة الرفض لدستور قيس سعيد الذي سيستفتى حوله الشعب يوم 25 يوليو/ تموز الحالي.
وانتقد رئيس لجنة الدستور في تونس، الصادق بلعيد، بشدة الدستور المقترح الذي نشره سعيّد هذا الأسبوع، قائلاً إنه لا يمت بصلة إلى المسودة الأولى، ويتضمن مخاطر جسيمة تمهد لنظام ديكتاتوري.
بلعيد، الذي عينه سعيد "لصياغة دستور جديد للجمهورية الجديدة"، قال لصحيفة الصباح التونسية، أول من أمس، إن النسخة التي نشرها سعيد لا تشبه المسودة الأولى التي اقترحتها لجنة الدستور.
واتهم بلعيد سعيد بتشويه الهوية التونسية من خلال نسخة الدستور، لافتاً إلى غياب البعد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي من المشروع المطروح رسمياً.
وتحتاج تونس إلى 12.6 مليار دينار أي ما يزيد عن 4 مليارات دولار من القروض الخارجية لدعم موازنة العام الحالي، فيما تسير الأمور المالية نحو الأسوأ بسبب شح التمويل الذي بدأ ينعكس على قدرة الحكومة على تأمين أجور الموظفين، فضلا عن تأثر مناخ الاستثمار بعدم استقرار الوضع السياسي.
ويعاني التونسيون من وضع اقتصادي صعب وتصاعد التضخم الذي بلغ 7.8% على أساس سنوي خلال مايو/أيار الماضي، ارتفاعاً من 7.5% في إبريل/نيسان السابق له، قرب أعلى مستوى منذ 30 عاماً.
اتحاد الشغل يرفض المفاوضات
ودخلت حكومة نجلاء بودن مفاوضات صندوق النقد للحصول على القرض، أمس الإثنين، من دون موافقة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يرفض الإصلاحات بالطريقة التي تنوي بها سلطة تونس تمريرها.
وشكك الاتحاد العام التونسي للشغل في وثيقة الإصلاحات التي عرضتها الحكومة، مؤكدا أن هذه الأخيرة قدمت إلى صندوق النقد الدولي برنامج إصلاح أكثر صرامة مطالبا رئيسة الحكومة بنشر الوثيقة الرسمية التي قدمتها.
وفي وقت سابق قال الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي في حديث لـ"العربي الجديد" إنه لن يلتقي أي وفد من صندوق النقد الدولي، معلنا رفضه التفاوض حول برنامج يستهدف الحقوق المكتسبة للشغالين.
وطالب الطبوبي بإرجاء المفاوضات بشأن الإصلاح الاقتصادي إلى حين استقرار المؤسسات السياسية في البلاد، معتبرا أنه ليس من حق حكومة بودن المعيّنة بمراسيم رئاسية إجراء إصلاحات تستهدف قوت التونسيين.